عقود تتبعها عقود ومطلوب من العراقيين أن يشدّوا أحزمتهم على بطونهم، خشية إملاق وجوع، والاسباب كثيرة فالمصائب والمصاعب تتوالى من جيل الى جيل وكأن قدرهم أن يبقوا جياعاً لا يحق لهم التمتع بالعيش الرغيد!
وفكرة شد الحزام يستخدمها الاقتصاديون لكي يوحوا للناس أن عليهم أن يقتصدوا في مشترياتهم، وخاصة فيما يخص بطونهم، لأن الحزام لا يوضع الا على البطن وتحديداً على موطن الجوع والشبع فيها وهي المعدة، وليس عليك ايتها البطن أن تقرقري وتصرخي لأن شدّ الحزام عليك سيجعلك نائمة مطمئنة غير آبهة بفراغك من أي شكل من اشكال الطعام! ونحن نعرف شعوباً كثيرة في الماضي والحاضر من كثرة ما طلبوا منها أن تشد الحزام انفجرت امعاؤها غضباً فتحولت الى ثورات جياع تطالب بالخبز رمز الشبع، وليس سوى الخبز من رمز لإطفاء جذوة الجوع!
وسواء كانت البطن مؤنثة أم مذكرة في اللغة فهي والله لا تسمع اصوات اهل اللغة والنحو بل انها لا تسمع الا أصوات جدرانها التي تتلوى من ألم الجوع واسألوا الفقراء والمعوزين والنازحين وممن يعيشون تحت خط الفقر في بلدك لا ينبغي لك أن تجوع فيه ولا تعرى.
في بلد تعادل فيه ميزانيته الاقتصادية ميزانيات عشرة دول.
في بلد ينعم فيه التراب والصخر بالبترول يعيش سكانه على الاحزمة، ولقد اهترأت هذه الاحزمة من كثرة ما شددناها، ومن كثرة ما مولنا فتحاتها الصغيرة من أمكنة الدبوس فيها. نعم لقد اهترأت ولم يعد باستطاعتنا أن نشتري احزمة بديلة.
حين صنعت شركة فولفو السويدية حزام الامان لسياراتها خوفاً على حياة السائقين والركاب قامت باهداء هذا الاختراع مجاناً الى كل صانعي السيارات في العالم من منطق انساني، ولكنه حزام من نوع آخر فهو يحافظ على الحياة ولا علاقة له بالجوع والاملاق، ولكننا هنا نستخدم الاحزمة لغاية اخرى وهي أن الدولة تطابنا بالتقشف والترشيد والاستغناء عن غير الضروريات كما تراها هي، وأن نتعلم كيف نعيش جوعى حفاظاً على حياتنا، وقد جزاها الله خيراً لأنها خائفة جداً علينا وعلى ابنائها واحفادها وتمر السنون تتبعها سنون اخرى منذ عقود الحصار الأول وحتى الأن، ونحن نشد ونشدّ حتى اهترأت بطوننا قبل أن تهتري أحزمتنا!
مقالات اخرى للكاتب