في خضم اتهامات متبادلة بتلقي رشاوي واستغلال المنصب لتحقيق مصالح عائلية تنال المرشحين الرئيسيين لإنتخابات الرئاسة الفرنسية المزمع إجراؤها يوم ٢٣ نيسان القادم، ، غرّد الحزب الجمهوري الفرنسي (يمين) على تويتر يوم الجمعة بكاريكاتير عن المنافس المستقل إيمانويل ماكرون ( مفتش مالي ومصرفي استثماري لدى بنك روتشيلد ووزير اقتصاد سابق في الحكومة الحالية ، مواليد ١٩٧٧)، يصوره فيه كمرابي يهودي (ماكرون نفسه ليس يهوديا) بأنف معقوف وزي يستعيد صورة المرابي اليهودي الشهير في مسرحية تاجر البندقية، التاجر الجشع القاسي القلب الذي يفضّل المال على حياة الإنسان، يحمل سيجارا ومنجلاً أحمراً، وذلك في دلالة مقصودة لغرس النهم المالي وخدمة بيوتات ومراكز نفوذ رؤوس الأموال، على حساب المصلحة العامة عنه في اذهان الناخبين الفرنسيين.
غير ان الحزب سارع في نفس اليوم الى إزالة التغريدة مع الإعتذار بعد موجة من الإنتقادات بمعاداة السامية (السامية مرادف حقيقي للصهيونية) تصدرها مرشح الحزب الجمهوري نفسه فرانسوا فيون وأصدر بيانا خاصا حول الكاريكاتير الذي إنما نُشر لصالح حملته الإنتخابية، قال فيه مندداً حسب وكالة فراس بريس:"معركة الإنتخابات قاسية ولكنها يجب أن تبقى شريفة"، متهما حزبه بذلك الى اتباع أساليب غير شريفة، وشدد فيون في بيانه أيضاً على أنه لا يمكن أن يتساهل مع الإستعانة بالرموز المعادية للسامية"
كل هذا من أجل كاريكاتير، لم يولِه المعني به نفسه، إيمانويل ماكرون، اَي اهتمام ولا حزبه الجديد "الى الأمام" الذي أسسه أواخر العام الماضي تمهيدا للترشح الى الإنتخابات الرئاسية الحالية.
يذكِّر هذا الموقف الذي اتخذه فرانسوا فيون ( شغل العديد من الوزارات وشكل ثلاث حكومات جمهورية منذ عهد جاك شيراك) بموقفه في أزمة الرسوم المسيئة للإسلام التي نشرتها مجلة شارل إبدو الفرنسية عام ٢٠١٢ وكان فيون وقتها رئيسا للوزراء.
دافع رئيس الوزراء، فيون يومئذٍ، عن المجلة ولم يكترث بمشاعر مليار ونصف مسلم طعنتهم الرسوم المسيئة في صميم معتقداتهم، بحجة حرية التعبير وقال بصلافة ما معناه أنْ لا يمكننا التراجع قيد أنملة عن الدفاع عن حرية التعبير، وهو الموقف الذي اتخذته معظم أوربا على الصعيد الرسمي والثقافي مما شجع المجلة نفسها والعديدة من مثيلاتها على التمادي وإعادة نشر الرسوم المسيئة وانتهى الأمر بالهجوم الإرهابي الشهير على المجلة وقتل تسعة من العاملين فيها.
هذه المعايير المزدوجة التي تخل بالعدالة الإنسانية وتعتدي على حقوق ومعتقدات ومشاعر الأمم والشعوب، أحد أهم جذور نمو التطرّف والتشدد، وبالتالي الإرهاب الذي لا يمكن علاجه بالبارود وإنما بالإنصاف والمساواة بين بني الإنسان بغض النظر عن الجنس واللون والعرق، وتلك لعمري هي رسالة الإسلام الخالدة.
aleesaleem57@yahoo.com
مقالات اخرى للكاتب