مهما كان الرأي عن مرشح الحزب الجمهوري "دونالد ترامب"، فيجب الاعتراف بأنه حتى الأن أضفى نوعا من المتعة على السباق نحو البيت الأبيض. الكل سخر من ترامب، وفي مقدمتهم الصحافيون داخل أمريكا وخارجها الذين أبدوا سعادة كبيرة بالمادة الدسمة التي قدمها لهم "دونالد" ليس فقط بتسريحة رأسه الغريبة وصلعته التي يحاول تغطيتها بشعره الأشقر الطويل. فالأهم بالنسبة للصحافة هي تصريحاته الاستفزازية والفجة والتي لا تنم عن ذكاء مقارنة مثلا ببلاغة الرئيس الحالي بارك أوباما. ويبدو أن ترامب يجيد ممارسة اللعبة مع وسائل الإعلام من خلال مواصلة الإدلاء بتصريحات مثيرة يتعمد فيها إهانة خصومه من السياسيين والاعلاميين بطريقة غير لائقة. كما أثار ضجة كبيره عندما تهجم بطريقة عداونية وعنصرية على المكسيكيين والمسلمين ، مهددا بطردهم أو منعهم من دخول الولايات المتحدة الأمريكية. من جانبها حرصت وسائل الاعلام في مختلف أنحاء العالم على إظهار مدى جهله بالتأريخ عندما خلط في أحدى خطبه بين الحادي عشر من ستبمر والحادي عشر من مارس، وذلك في معرض حديثه عن الاعتداءات التي ضربت أمريكا في عام 2001.
ويرى مراقبون في أسلوب ترامب انحدارا في الخطاب السياسي الامريكي، غير ان ذلك لا يمنع الكثيرين وخاصة في الاعلام من الاستمتاع بترامب وكأنه يؤدي دورا كوميديا في مسرحية هزلية. في المقابل بقي الاهتمام بالنهج السياسي لترامب ثانويا، خاصة وأن معظم الصحافيين والمراقبين كانوا مجمعين في البداية على أن ظاهرة ترمب ليست سوى فقاعة في الحياة السياسية الأمريكية ستنفجر قريبا ، خاصة وأن كل مؤهلاته، بحسب رأيهم، تتلخص في أنه ملياردير ورجل أعمال ثري لا يفقه في السياسية.
ولكن دولاند ترامب خيب أمل الجميع وأحرز الانتصار تلو الانتصار مجبرا بقية المرشحين الجمهوريين على الانسحاب. وهذا يضع الكثير من المحللين السياسيين في موقف محرج وكأن ترامب يقول لهم "من يضحك أخيرا ، يضحك كثيرا".
طريقة تعامل الاعلام مع ترامب تُذّكر كثيرا بسيرة سياسي جمهوري آخر لعب دورا هاما في السياسة الأمريكية والدولية في سنوات الثمانينات من القرن الماضي، ألا وهو "رونالد ريغان". فالمرشح الجمهوري آنذاك لم يؤخد أيضا على محمل الجد في بداية ترشحه للرئاسة. ونال أيضا نصيبه من السخرية، لأنه أولا كان ممثلا مغمورا في هوليود. وكانت اللقطة المحببة حينها في التقارير التلفزيونية عن حملته الانتخابية تتمثل في ظهوره في إعلان تلفزيوني قديم يروج لمسحوق الغسيل الشهير آنذاك "تايد". وعندما كان يتحدث عن الحرب البادرة ضد الاتحاد السوفيتي ، تبث القنوات التلفزوينية لقطة من فيلم قديم وهو يؤدي دور الكاوبوي على صهوة حصان. كما تم التركيز على ماضيه "غير المشرف" لأنه كان عميلا لمكتب التحقيقات الفيدرالية FBI يتجسس على زملائه الممثلين أثناء حملة مكارثي سيئة الصيت ضد الفنانين المتهمين بالترويج للشيوعية.
بعدها شكل فوز ريغان مفاجأة للكثيرين، ليس فقط لأنهم تجاهلوا ضعف منافسه الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر ، وإنما أيضا لأنهم لم يقدروا إمكانية ريغان في التأثير على الناخب الأمريكي حق التقدير.
ويبدوا أن هذا الخطأ في التقدير يتكرر مع دولاند ترامب، إذ تشير آخر استطلاعات الرأي الى أن المرشح الجمهوري نجح في تقليص الفارق بينه وبين منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في مؤشر يُنذر بأن "النكتة" دونالد ترامب قد يصبح الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين، ليكرر بذلك مفاجأة رونالد ريغان .
صحيح أن "دونالد" و"رونالد" ورغم التشابه اللفظي في الاسم يختلفان شخصيا وجاءا في مرحلتين مختلفتين ، غير أن التمعن في الظروف المحيطة بهما يؤدي الى اكتشاف أوجه تشابه أخرى. فكما وصل ريغان الى البيت الأبيض في خضم موجة يمنية عمت أوروبا وكانت رئيسة الورزاء البريطانية "مارغريت تاتشر" العنوان الأبرز لها، فإن صعود ترامب يتزامن أيضا مع مد يميني في معظم البلدان الأوروبية.
وهناك أيضا نقطة تشابه إضافية. فكل ما سربه ترامب عن سياسته الخارجية والاقتصادية يُذّكر الى حد بعيد بـ"حرب النجوم" وبالريغانية والمدرسة النيوليبرالية.
مقالات اخرى للكاتب