لا يتوقف ساخر في بلادنا إلا ويولد غيره... فالساحة واسعة تتسع لكثيرين من الساخرين من أوضاع باتت السخرية منها أحد الحلول الشعبية لكثيرين من المواطنين العرب.
قبل أسبوع، جاءنا خبر عرض جديد لباسم يوسف على أحد المسارح البريطانية وهجوم جديد عليه من بعض المصريين الذين حضروا العرض، وكانت بينهم سيدة نعتته بلفظ قبيح بأعلى صوت وهو ما لم يحدث حين كان المسرح مؤمناً في القاهرة والشاشة أكثر أمناً... وربما هذا هو الدرس الذي تعلمه بعض الساخرين الجدد، أي الذهاب للجمهور عبر الشاشات وليس المسارح التي تمتلئ بجمهور يصفق فيملأ الصالة حماسة ويعدي الجمهور الآخر من مشاهدي البيوت.
قبل أيام توقفت عند قناة «السومرية»، كان السبب هو نوع من الملل بسبب تكدس الأخبار والأحداث واستمرارها أياماً طولة قيد آراء وتحليلات نجوم الفضائيات الدائمين... كان الشاب يقلب أوراقاً أمامه ويعلق عليها ساخراً مما يحدث في بلده العراق. واكتشفت في اللحظة ذاتها أنها لم تكن «السومرية» بل قناة «دويتش فيله» الألمانية «D.W» الموجهة باللغة العربية. ويبدو أنها رأت في البرنامج وصاحبه ما يستوجب التوقف عنده... وهو سخريته مما يحدث في مجلس النواب العراقي من خلافات ومشاحنات بين فرق من النواب... وكانت هذه الخلافات أصبحت خبراً شائعاً في كل نشرات الأخبار وبرامج التحليل العربية، وهو ما شجع أحمد البشير مقدم البرنامج الساخر «البشير شو» على قناة «السومرية» على تخصيص الحلقة كاملة لمجلس النواب العراقي وما يحدث فيه.
البشير قسَّم النواب إلى فرق: نواب مع الحكومة، نواب مع المعارضة، نواب مع إحدى قيادات البرلمان الجدد ونواب مع قيادة أخرى. نواب ضائعون ونواب يبيعون مثل الباعة الجائلين. وكان مقدم البرنامج يستعين بصور من البرلمان تدلل على كل فريق يتحدث عنه. ربما كان أغربها هو الفريق الأخير الذي ضم نساء بنسبة أكبر من الرجال يجلبن بضائع يردن بيعها! وكان أحمد البشير قادراً على صياغة جمل معبرة عن كل فئة من البرلمانيين بخفة ظل واضحة وهو ما أضاف للبرلمان لمسة سحرية تدخل المشاهد في جدل، هل ما يراه حقيقة أم خيال؟
ويبقى السؤال: هل «البشير شو» برنامج يبحث عن مادته ووجدها في ما يحدث ويراه العالم كله، أم أنها الضرورة الحتمية لظهور برنامج يعبر عن الحدث من زاوية مختلفة ورؤية أخرى ولغة تختفي وراء الحدث والهامش وكل ما تهمله الكاميرات الرسمية؟
ربما لو أتيحت الفرصة لبرامج ساخرة أخرى في كل البلاد التي تتمتع ببرلمانات لم يقو عودها بعد لوجدنا أمامنا إعلاماً آخر موازياً للإعلام الجاد أو الرسمي، وصوراً لممارسات يُسدل عليها الستار دائماً بحجة هيبة الدولة.
مقالات اخرى للكاتب