عندما يقوم رئيس الوزراء برفع دعوى قضائية ضد كاتب او موقع الكتروني، فهذا يعني ان الحكومة بكاملها "مفتحة" عيونها على الصحافة وتتابع ما يكتب فيها بدقة... كما حدث في الدعوى التي رفعها الرئيس السابق نوري المالكي على احد المواقع الالكترونية عندما كان في المنصب.
واذا كانت "الحكومة" مفتحة ومصحصحة الى هذا الحد، فلماذا تمر الاساءات للشعب بدون ان يشتكي المسؤول او يرفع دعوى قضائية ضد المواقع والكتاب المسيئين، والذين ويحرضون المكونات الطائفية والعرقية ضد بعضها البعض؟
اي ان الاساءة التي تمت لشخص المالكي انذاك في ذات الموقع، وفي ذات اليوم، كانت هنالك مقالة تحريضية ضد مكون من مكونات الشعب العراقي، ولكنها لم تمر من امام انظار الرئيس ولا جهازه الاعلامي الذي يتابع ذلك الموقع.
فهل هذا يعني غير ان المسؤول في اعلى منصب في البلاد يهتم بمصلحته الشخصية اكثر مما يهتم بمصلحة وسمعة البلد، في حين يجب ان يكون الشخص الذي يشغل منصب كهذا "رجل دولة" ومن اولى صفات رجل الدولة هو التعهد على تغليب مصلحة البلد على حياته الشخصية.
سابقا، اي منذ سقوط النظام السابق الى اليوم، كانت نتيجة ذلك الاهمال هو تعبئة غير مسبوقة للشارع العراقي وتصعيد لا يصدق لحالة الاستقطاب الطائفي، وتكريس ثقافة التخندق الديني والقومي للحد الذي اوصل العراق لحروب بين هذه المكونات راح ضحيتها وما يزال مئات الالاف من الابرياء، سواء في التفجيرات المنظمة التي تشهدها بغداد والمدن القريبة منها، او بالحروب وخصوصا في المنطقة الغربية من العراق.
واليوم، وبعد تفجير مدينة الصدر "الثورة" الاخير بدات بعض المواقع الرخيصة من الصحافة الالكترونية والتي لا يكلف نشرها سوى بضعة دولارات شهريا، بدأت بتصعيد لهجة غير مسبوقة في حديثها، تنذر بعاصفة خانقة من صراع داخل الطائفة هذه المرة، ولا احد يدري ماذا ستكون العواقب اذا استمر رجال السلطة باهمال الدور المهم للاعلام بالتاثير على تفكير المواطن البسيط.
اخذت بعض المواقع هذه تلقي كرة النار بين الاحزاب الحاكمة نفسها، بشكل يوعد باراقة الدماء، وكانها عملية تحضير لجولة جديدة من الحروب في داخل البيت الطائفي الواحد عن طريق اتهام الاحزاب الحاكمة لبعضها البعض بمسؤولية التفجيرات في المناطق الشيعية....
ما يحدث اليوم هو فرض عقوبات غير مكتوبة على الصحافة الرصينة تصل احيانا الى اغتيال الصحفيين، بينما تمنح الاقلام التي تنشر ثقافة الاحقاد والكراهية والتوتر الطائفي حرية التلفيق والشحن تحت ذريعة المادة الثالثة من الدستور، والتي تنص على ضمان "حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر". في الوقت الذي لا يوجد قانون واضح وصريح لحماية هذا الحق التجاوزات غير المسؤولة.
العراق بحاجة الى قانون لتجريم القاء التهم بدون ذكر المصدر، خصوصا عندما تصاغ بلغة تحريضية، وتمس الوضع الامني والعسكري. فقانون مثل هذا يعتبر مكملا لاجراءات محاربة الارهاب، لان بامكان بضعة دولارات شهريا ان تنشر الكراهية بين المكونات العراقية وتؤسس لحرب جديدة لم نسمع بها من قبل. وفي غير هذا تعتبر الحكومة العراقية شريكة بالجريمة.
مقالات اخرى للكاتب