اذا كان الساسة العراقيون ماهرين في أخفاء نواياهم الحقيقية تحت غطاء الكلمات المنمقة ، التي قد لا تعني شيئاً مهما في معظم الأحيان ، فأن الوعي الجمعي العراقي ، أكثر ذكاءاً ويقرأ الممحي كما يقول العراقيون . فقد اطلق الشارع العراقي على السياسيين السنة الذين أستطاع رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي من تدجينهم بالترغيب والترهيب , اسم " سنة المالكي " وهو وصف دقيق للغاية ويعبر عن حقيقة هؤلاء الساسة ، الذين خانوا الأمانة وخذلوا من صوت لهم في الأنتخابات البرلمانية الأخيرة .
ولعل أبرز هؤلاء هو صالح المطلك ، الذي تشبث بمنصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات وامتيازاته رغم الهوان الذي لقيه على يد المالكي ، والمنصب ، الذي يشغله اليوم - اذا جردناه من امتيازاته - لا قيمة عملية له ، لوجود لجنة خاصة للأشراف على الخدمات في مكتب رئيس الوزراء .
ومن سنة المالكي سليم الجبوري ، الذي يتردد اسمه كثيرا هذه الأيام كمرشح لمنصب رئيس البرلمان ، وسبب انحيازه للمالكي هو الخوف من القاء القبض عليه ومحاكمته وفق المادة 4 أرهاب ، حيث صدرت مذكرة قضائية عن مجلس القضاء الاعلى لرفعِ الحصانة عنه وفق قانون الارهاب . وجاء في كتاب التغطية الموقع من رئيس مجلس القضاء الاعلى مدحت المحمود والموجه الى مجلس النواب " اَن محكمةَ التحقيق تنتظر رفع الحصانة عن النائب سليم الجبوري لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقه وفقا لاحكام المادة الرابعة/اولا من قانون مكافحة الارهاب لعام 2005 "
. وكان المالكي قد هدد – في وقت سابق - بالكشف عن اسماء النواب المتهمين بالأرهاب . ويبدو ان الجبوري ونواب آخرون قد خضعوا لأبتزاز المالكي ، . كما استطاع المالكي استمالة عدد آخر من النواب السنة عن طريق المغريات المادية وقطع الوعود لهم بمنحهم مناصب رفيعة في التشكيلة الحكومية الجديدة .
وينتمي الجبوري زعيم كتلة ( ديالى هويتنا ) الى الحزب الأسلامي العراقي الذي انتهج سياسة الرفض العلني والتأييد السري للولاية الثالثة وشق الائتلافات المعارضة للمالكي
وكشفت مصادر موثوقة أن «رئيس الحزب الإسلامي أياد السامرائي التقى قبل أيام نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة والقيادي في ائتلاف دولة القانون حسين الشهرستاني حيث قدم السامرائي عرضا يتضمن موافقة 35 نائبا من قوائم سنية متعددة على منح المالكي الولاية الثالثة مقابل شروط حملها تتعلق بتوزيع الوزارات ومعالجة ملفات بعض الساسة المتهمين بالإرهاب والفساد .
وانا اكتب هذه السطور نقلت وسائل الأعلام خبرا مفاده ان ( قضاء المالكي ) قد برأ ساحة سليم الجبوري من التهم الموجهة اليه ، واصبح الباب مشرعا أمامه للترشح لمنصب رئيس مجلس النواب .
لقد دأب التحالف الشيعي على المماطلة والتسويف في اختيار مرشحه لرئاسة الحكومة لأنه في حقيقة الأمر لا يوجد أي مرشح آخر لدى التحالف غير المالكي وكل ما يشاع عن ترشيح طارق نجم أو عادل عبدالمهدي أو أحمد الجلبي هو لذر الرماد في العيون ، لأن قرار ترشيح رئيس الوزراء يعود الى طهران وليس لأحزابها في العراق.
وعلى خلاف ما يذاع وينشر فأن كل الدلائل تشير الى أن المالكي هو رجل ايران المفضل ولا يتجاسر أي حزب أو تيار شيعي على اتخاذ موقف يخالف موقف طهران .
ولا يخامرني أدنى شك ان المالكي قد أحكم هذه المرة حبك خيوط الفخ الذي نصبه لمنافسيه وخصومه بما يملكه من مقدرات الدولة العراقية واحتكاره لكل السلطات. ومن اجل التغطية على هذا الفخ وخلط الأوراق ، سرب اعلام المالكي خبرا مفبركا مفاده ان بعض اطراف التحالف الشيعي لا يؤيد أنتخاب الجبوري لرئاسة مجلس النواب وهذا غير صحيح ، لأن التحالف الشيعي سيصطف الى جانب المالكي في نهاية المطاف .
اذا تم أنتخاب الجبوري رئيسا لمجلس النواب من دون الأتفاق المسبق على الرئاسات الثلاث بين الكتل البرلمانية الرئيسية ، فأن ذلك يشكل كارثة حقيقية للعراق في هذا الظرف العصيب . دققوا معي في هذا السيناريو الجديد : بعد أنتخاب الجبوري سيتم أنتخاب شخصية كردية لرئاسة الجمهورية تحظى بتأييد ايراني ، وسيصوت الكرد لمرشحهم من دون أدنى شك وسيكلف رئيس الجمهورية بدوره زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة الجديدة ، وقد مهد المالكي لهذا الأمر وطلب اليوم من المحكمة الأتحادية أعتبار ائتلاف دولة القانون ، الكتلة البرلمانية الأكبر ،
الفخ الذي نصبه المالكي للكرد ولكل المعارضين الحقيقيين للولاية الثالثة يبدو بريئا في ظاهره ولكنه خطير في واقع الأمر . والضمان الوحيد لتجنب الوقوع في هذا الفخ المحكم ، هو الأصرار على أنتخاب الرئاسات الثلاث دفعة واحدة .واحلال بديل للمالكي يحظى بالأجماع الوطني ،من اجل انقاذ العراق من الأخطار المحدقة به بسبب سياسات المالكي الطائفية والأقصائية.
مقالات اخرى للكاتب