منذ الخليقة وجدت التقاليد والأعراف الأجتماعية . وهي تتغير تبعاً للزمان والمكان ومايطرأ عليهما من أحداث كتداعيات قد تكون سلبية او أيجابية .
ومنذ الخليقة تٌعَد التقاليد والأَعراف قوانين تحكم الناس حتى في حال غياب القانون فيتم التعايش بين الناس وفق تلك التقاليد والأعراف التي أسستها الحياة . وتشير مراحل نمو المجتمعات وتطورها الى طبيعة وشكل التطور الذي ينعكس على تلك التقاليد وتلك سمة حياتية متواترة حتى قبل كلكامش وقوانينه التي جمعها في مَسَّلة سميت بأسمه .
وبعد مرحلة كلكامش العادل تواترت مراحل مختلفة تطورت معها قوانين العدل بشكلٍ متباين كتباين المجتمعات ودياناتها .
وأستٌغل القانون استغلالاً متبايناً هو الآخر تبعاً لسياسة الحكام وتوجهاتهم والتي كانت غالباً ماتبتعد كثيراً عن الديانات التي يتمتع بها او يدعيها الحاكم . ولأَن الحياة منذ نشأتها وجدت مع طريقين الاول للخير والثاني للشر فان الصراع بينهما وجد منذ نشأتهما . فالخير يسعى بفعل اصحابه لأمتصاص نتاج الشر الذي بدوره يحاول ان يعبث في الحياة لينشر افكاره وافعاله الشريرة تبعاً لظروف ومراحل معيتة بعضها يغض الطرف عن الشر ويغذيها والبعض الآخر يحاول ان يؤسس لحياة تعتمد العدالة والخير لمواجهة الشر بكل اشكاله .
المجتمع العراقي الحديث تعرض لضغوط مختلفة تسببت في نشر صفات دخيلة على التراث العراقي والاسلامي المعروف بأصالته . وكانت لسياسات من حكم العراق منذ تأسيس الجمهورية العراقية أثراً سلبياً على الأوضاع النفسية للمجتمع العراقي ليتحمل اعباء التفرد بالسلطة والقوانين السالبة للحريات التي شرعتها تلك الأنظمة الدكتاتورية لتنشر القمع من خلال تلك القوانين العقابية الظالمة بهدف ترويض المجتمع والسيطرة على مقدراته .. ولتنشر فيه حالات من الفقر والفاقة والعوز والبطالة ومايرافق هذه الحالات من جرائم كنتاج طبيعي للحرمان الذي اربك الحياة بين الناس . ففي الأحياء الفقيرة على سبيل المثال تنتشر حالات العنف الأسري وتعاطي المخدرات والسرقة وغيرها من الجرائم التي خلفتها الاوضاع المأساوية .
كما أفرزت حالة الحرمان في العراق في السنوات الأربعين الأخيرة وبخاصة في تلك المناطق الشعبية الفقيرة حالات خطيرة كالتزوير وشهادة الزور وكتابة التقارير للأطاحة بالناس مقابل ثمن ولانستغرب ان وجدنا مجاميع تجول بين المحاكم قابلة للأيجار مقابل شهادة مدفوعة الثمن . وأمام تلك الحالات لانستغرب ان نجد اعداد كبيرة من الأبرياء وقد زجوا في السجون ظلماً وحقداً نتيجة للمكائد وتزييف الحقائق . والخلل هنا ليس في القضاء فهو جزء من المجتمع . فالقاضي الذي يعيش بين المجتمع يصعب عليه أَن يتخذ حكماً لاينسجم مع شهادة الشهود التي قد تكون مدفوعة الثمن وكيدية او مزورة طالما انها قد دونت قضائياً. والخلل هنا مجتمعي وحكومي يجب ان نعترف به . لكننا أيضاً نأمل من القضاء ان ينظر بعين الأعتبار الى ظروف البلد والضغوط الكبيرة التي يتعرض لها المجتمع وان يعطي مساحة اوسع للمتهم لتقديم دفوعاته اثناء المحاكمة كما اننا نأمل من السلطة القضائية العليا ان تسعى الى تعديل بعض المواد القانونية لتنسجم مع ظروف البلد والواقع الذي يمر ربه أِذ لايمكن قبول سريان قوانين دكتاتورية على نظام يفترض على انه ديمقراطي مثلما لايمكن لك ان تعاقب ولدك الذي جوعته فمد يده الى جيبك بينما تسكت عن سارق اقتحم بيتك ليسرق مدخراتك واشيائك الثمينة !
القضاء العراقي خير من يقف مع المواطن والأمل كبير فيه أن يكون منقذاً لكرامات الناس وأنقاذهم من المكائد والدسائس وفبركة الملفات ومن يقول بعكس ذلك انما هو لايقرأ المجتمع العراقي بشكل جيد وواقعي . فالقضاء العراقي ذو تأريخ زاخر بالعدالة والتضحية وهو اليوم يمر بمرحلة صعبة يحتاج فيها الى دعم معنوي شعبي لكي لايكون لقمة سائغة بيد احزاب خربت البلد وعاثت فيه .
ولاتوجد قاعدة تقول ان هنالك قاضي عادل وآخر عير عادل انما يوجد قاضي يبحث في الزوايا ويفكك المواد القانونية ليعطي المتهم فرصة من اجل اثبات برائته ومن ثم منحه فرصة ليكون مواطناً صالحاً حتى لو تطلب الأمر أن تستمر المحاكمة لسنوات لان رسالة القضاء هي انسانية وقضائية وليست من اجل الأنتقام وتدمير الأنسان . وهذا الامر واقعي يسلكه القضاء في العديد من دول العالم المتحضر . بينما نجد بعض القضاة يتمسكون بالمادة القانونية دون ان يتركوا للمتهم فرصة كافية للمتهم لتفنيدها او تفكيكها حتى لو توفرت لدى المتهم وجهة نظر تتطلب الدراسة والتدقيق والتحقق منها . وهذا مايفسر رد العديد من الأحكام من محاكم التمييز والأفراج عن العديد من المتهمين بعد ان يتم الحكم عليهم بالسجن وبمدد مختلفة .
القضاة في كل تلك الحالات ينفذون القانون وليس عليهم مثلبة انما المثلبة على القوانين والأنظمة التي تحكم البلد والتي نتمنى ان تكون اكثر انسانية لنتخاص والى الأبد النظام الدكتاتوري الذي يعشعش في عقول الكثير من اصحاب القرار غير مكترثين لجم الظلم الذي يقع على المجتمع نتيجة للحكم الدكتاتوري واحكامه الجائرة .. ولازلت اعتقد ان القضاء العراقي يعد السبيل الوحيد لأستعادة كرامة الشعب وعلينا ان ندعمه وان لانمارس دوراً تسقيطياً عليه في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها العراق المهدد بوحدته وأرضه …
مقالات اخرى للكاتب