ذكر الثقات من أصحاب السير: أنّه لمّا مات الحسن بن عليّ عليهما السلام تحرّكت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية، فامتنع عليهم للعهد الحاصل بينه وبين معاوية، فلمّا مات معاوية ـ وذلك في النصف من رجب سنة ستّين ـ كتب يزيد بن معاوية إلى الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان والي المدينة أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ، فأنفذ الوليد إلى الحسين عليه السلام فاستدعاه ، فعرف الحسين ما أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال : «إجلسوا على الباب ، فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه مني ».
وصار عليه السلام إلى الوليد، فنعى الوليد إليه معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام ، ثمّ قرأ عليه كتاب يزيد، فقال الحسين عليه السلام :«إنّي لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرّاً حتّى اُبايعه جهراً» .
فقال الوليد : أجل .
فقال الحسين عليه السلام : «فنصبح ونرى في ذلك » .
فقال الوليد: إنصرف على اسم الله تعالى .
فقال مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى يكثر القتلى بينكم وبينه ، فلايخرج من عندك حتّى يبايع أو تضرب عنقه .
فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال : «أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أو هو ؟ كذبت والله وأثمت » فخرج .
فقال مروان للوليد: عصيتني .
فقال : ويح غيرك يا مروان ، والله ما اُحبّ أنّ لي ما طلعت عليه الشمس وأنّي قتلت حسيناً، سبحان الله أقتل حسيناً إن قال : لا اُبايع ، والله إنّي لأظنّ أنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله تعالى يوم القيامة .
فقال مروان : إن كان هذا رأيك فقد أصبت .
وأقام الحسين تلك الليلة في منزله ، واشتغل الوليد بمراسلة عبدالله بن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليه ، وخرج ابن الزبير من ليلته متوجّهاً إلى مكّة، وسرّح الوليد في إثره الرجال فطلبوه فلم يدركوه .
فلمّا كان آخر النهار بعث إلى الحسين عليه السلام ليبايع فقال عليه السلام : «اصبحوا وترون ونرى» فكفّوا تلك الليلة عنه ، فخرج عليه السلام ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب متوجّهاً نحو مكّة ومعه بنوه وبنو أخيه الحسن وإخوته وجلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة فإنّه لم يدر أين يتوجّه ، وشيّعه وودعه .
وخرج الحسين عليه السلام وهو يقول : (فَخَرَج مِنْها خائِفاً يَتَرَقّبُ قال َرَبّ نَجّني مِنَ الْقَوْم الظّالِمِينَ) (1) فلمّا دخل مكّة دخلها لثلاث مضين من شعبان وهو يقول : (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسف رَبّي أنْ يَهْدِيَني سَواءَ السّبِيل ) (2) .
وأقبل أهل مكّة يختلفون إليه ، ويأتيه ابن الزبير فيمن يأتيه بين كلّ يومين مرّة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام بالبلد .
وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، وعرفوا خبر الحسين ، فاجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا : إن معاوية قد هلك ، وإنّ الحسين قد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوّه فاكتبوا إليه . فكتبوا إليه كتباً كثيرة ، وأنفذوا إليه الرسل إرسالاً ، ذكروا فيها : أن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل (3) .
فكتب إليه اُمراء القبائل : أمّا بعد : فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار ،فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة .
«من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين .
أمّا بعد : فإنّ (فلاناً وفلانأ) (4) قدما عليّ بكتبكم ، وكانا اخر رسلكم ، وفهمت مقالة جلّكم : أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ ، وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى».
ودعا بمسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة ابن عبدالله السلولي ، وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي .
فاقبل مسلم حتّى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام يخبره بذلك ويأمره بالقدوم ، وعلى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير من قبل يزيد (5).
وكتب عبدالله بن مسلم الحضرمي إلى يزيد بن معاوية : أنّ مسلم بن عقيل قدم إلى الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ ، فإن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً، فإنّ النعمان بن بشير رجلٌ ضعيفٌ . وكتب إليه عمر بن سعد وغيره بمثل ذلك .
فلمّا وصلت الكتب إلى يزيد دعا بسرجون ـ مولى معاوية ـ وشاوره في ذلك ـ وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو يشير لك ما كنت آخذاً برأيه ؟ قال : نعم .
فأخرج سرجون عهد عبيدالله بن زياد على الكوفة وقال : إنّ معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب ، فضمّ المصرين إلى عبيدالله ، فقال يزيد : إبعث بعهد ابن زياد إليه ، وكتب إليه :أن سر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أوتنفيه والسلام .
فلمّا وصل العهد والكتاب إلى عبيدالله أمر بالجهاز من وقته والمسير إلى الكوفة، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي ، وشريك بن الأعور الحارثي ، وحشمه وأهل بيته ، حتّى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم ، والناس قد بلغهم إِقبال الحسين عليه السلام ، فهم ينتظرون قدومه ، فظنّوا أنّه الحسين عليه السلام ، فكان لا يمرّ على ملأ من الناس إلاّ سلّموا عليه وقالوا : مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم ، فرأى من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه ، فقال مسلم بن عمرو لمّا أكثروا : تأخّروا، هذا الأمير عبيدالله بن زياد، وسار حتّى وافى قصر الأمارة فأغلق النعمان بن بشير عليه حتّى علم أنّه عبيدالله ففتح له الباب (6).
فلمّا أصلح نادى في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخطب وقال :
أمّا بعد: فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليُبقِ امرؤٌ على نفسه (الصدق ينبىء عنك لا الوعيد)(7) .
ثمّ نزل وأخذ الناس أخذاً شديداً.
ولمّا سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار المختار حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة، وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرّاً .
ونزل شريك بن الأعور دار هانئ بن عروة أيضاً ، ومرض فاُخبر بأن عبيدالله بن زياد يأتيه يعوده ، فقال لمسلم بن عقيل : اُدخل هذا البيت ، فإذا دخل هذا اللعين وتمكّن جالساً فاخرج إليه واضربه ضربة بالسيف تأتي عليه ، وقد حصل المراد واستقام لك البلد، ولو منّ الله عليّ بالصحّة ضمنت لك استقامة أمر البصرة.
فلمّا دخل ابن زياد وأمكنه ما وافقه عليه بدا له في ذلك ولم يفعل ،واعتذر إلى شريك بعد فوات الأمر بأنّ ذلك كان يكون فتكاً وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إنّ الإيمان قيد الفتك ».
فقال : أما والله لو قد قتلته لقتلت غادراً فاجراً كافراً . ثمّ مات شريك من تلك العلّة رحمه الله .
ودعا عبيدالله بن زياد مولى له يقال له : معقل ، وقال : خذ ثلاثمائة درهم (8) ثمّ اطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه ، فإذا ظفرت منهم بواحد أو جماعة فأعطهم هذه الدراهم وقل : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، فإذا اطمأنّوا إليك ووثقوا بك لم يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورححتّى تعرف مستقرّ مسلم بن عقيل .
ففعل ذلك ، وجاء حتّى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وقال : يا عبدالله إنّي امرؤٌ من أهل الشام ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت ، فقال له مسلم : أحمد الله على لقائك ، فقد سرّني ذلك ، وقد ساءني معرفة الناس إيّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية، فقال له معقل : لا يكون إلاّ خيراً ، فخذ منّي البيعة .
فأخذ بيعته ، وأخذ عليه المواثيق المغلّظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، ثمّ قال : اختلف إليّ ايّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن ، فأذن له ، فأخذ مسلم بيعته ، ثمّ أمر قابض الأموال فقبض المال منه ، وأقبل ذلك اللعين يختلف إليهم ، فهو أوّل داخل وآخر خارج ، حتّى علم ما احتاج إليه ابن زياد، وكان يخبره به وقتاً وقتاً.
وخاف هانئ بن عروة على نفسه من عبيدالله بن زياد، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد : مالي لا أرى هانئاً ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي فقال لهم : ما يمنع هانئاً من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري وقد قيل : إنّه يشتكي ، قال : قد بلغني أنّه يجلس على باب داره فالقوه ومروه ألاّ يدع ما عليه من حقّنا.
فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ـ وهو على باب داره جالس ـ فقالوا: مايمنعك من لقاء الأمير؟ فقال لهم : الشكوى تمنعني من لقائه ، فقالوا له : قد بلغه أنّك تجلس على باب دارك عشيّة وقد استبطاك ، فدعا بثيابه فلبسها ، ودعا ببغلته فركبها، فلمّا دخل على ابن زياد قال : أتتك بحائن رجلاه (9)والتفت نحوه وقال :
اُريدُ حِباءَهُ (10) ويُريدُ قتلي * عذيرَكَ مِن خَليلكَ مِن مُراد (11)
فقال هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟ قال : ما هذه الاُمور التي تربصّ فيدورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الرجال والسلاحِ قال : ما فعلت ذلك ، قال : بلى .
ثمّ دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك اللعين ـ فجاء حتّى وقف بين يديه ، فلمّا راه هانئ علم أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم فقال : اسمع منّي وصدّق مقالتي ، والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى جاءني يسألني النزول فاستحيت من رده ، فضيّفته واويته ، وأنا أعطيك اليوم عهداً ألاّ أبغيك سوءاً ولا غائلة، وإن شئت أعطيك رهينة فتكون في يدك حتّى آتيك به أو آمره حتى يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فاخرج من جواره ، فقال ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به ، فقال : لا والله لا آتيك به ، وكثر الكلام بينهما حتّى قال : والله لتأتينّي به قال : لا والله لاآتيك به ، قال : لتأتينّي به أو لأضربنّ عنقك ، فقال هانئ : إذاً والله تكثر البارقة حول دارك ، فقال ابن زياد : أبالبارقة تخوّفني ؟ ! وهو يظنّ أنّ عشيرته سيمنعونه، فقال : ادنوه منّي ، فلم يزل يضرب وجهه بالقضيب حتّى كسر أنفه وسيَّل الدماء على ثيابه ، وضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطيّ وجاذبه الرجل ومنعه ، فقال ابن زياد: قد حلّ لنا قتلك ، فجرّوه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه .
وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فامر أن يُنادى في الناس ، فملأ بهم الدور وقال لمناديه : ناد «يا منصور أمت » فعقد مسلم لرؤوس الأرباع على القبائل كندة ومذحج وأسد وتميم وهمدان ، فتداعى الناس واجتمعوا فامتلأ المسجد من الناس والسوق ، وما زالوا يزيدون حتّى المساء .
وضاق بعبيدالله أمره ، وليس معه في القصرإلاّ ثلاثون رجلاً من الشرطة وعشرون رجلاً من أشراف الناس وأهل بيته ، وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس ، يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميّين ، وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونه بالحجارة .
ودعا ابن زياد: بكثير بن شهاب ، ومحمد بن الأشعث ، وشبث بن ربعي ، وجماعة من رؤساء القبائل ، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذّلوا الناس عن مسلم بن عقيل ، ويعلموهم بوصول الجند من الشام ، وأنّ الأمير قد أعطى الله عهداً لئن تمّمتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيّتكم هذه أن يحرم ذرّيّتكم العطاء ، ويأخذ البريء بالسقيم ، والشاهد بالغائب .
فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون ، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول : انصرف الناس يكفونك ، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشرّ؟! فيذهب به فينصرف ، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى ابن عقيل وصلّى المغرب وما معه من أصحابه إلاّ ثلاثون نفساً .
فلمّا رأى ذلك خرج متوجّهاً نحو أبواب كندة (فلمّا) (12) بلغ الباب ومعه منهم عشرة ، فخرج من الباب فإذا ليس معه إنسان ، ولا يجد أحداً يدلّه على الطريق ، فمضى على وجهه متلدّداً (13) في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب ، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها، فسلّم عليها وقال : يا أمة الله اسقيني ماءً، فسقته وجلس .
فقالت : يا عبدالله ، قم فاذهب إلى أهلك ؟ فقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ، فهل لك فيّ أجر ومعروف ولعلّي أكافِئُكِ بعد اليوم ؟فقالت : وما ذاك ؟ قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني ، قالت : أنت مسلم ؟ قال : نعم ، قالت : ادخل .
فدخل بيتاً في دارها غير الذي تكون فيه ، وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلم يتعشّ .
فجاء ابنها، فرآها تكثر الدخول إلى البيت والخروج منه ، فسألها عن ذلك فقالت : يا بنيّ الْه عن هذا، قال : والله لتخبريني .
فأخذت عليه الأيمان أن لا يخبر أحداً ، فحلف فاخبرته ، وكانت هذه المرأة اُمّ ولد للأشعث بن قيس ، فاضطجع ابنها وسكت .
وأصبح فغدا إلى عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند اُمّه ، فأقبل عبدالرحمن حتّى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسارّه ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال : قم فأتني به الساعة .
فقام وبعث معه عبيدالله بن العبّاس السلمي في سبعين رجلاً من قيس ، حتّى أتوا الدار التي فيها مسلم ، فلمّا سمع وقع الحوافر وأصوات الرجال علم أنّه قد أُتي ، فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار، واختلف هو وبكر بن حمران الأحمري فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع في السفلى ، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة وثنّى باُخرى على حبل العاتق ، وخرج عليهم مصلتاً بسيفه ، فقال له محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك ، وهو يقاتلهم ويقول :
أقـسمـتُ لا أُقتلُ إلاّ حُرّا * إني رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا
كلّ امرئ يوماً ملاقٍ شـرّا * أخـافُ أن اُكذبَ أو اُغَرّا
فقال له محمد بن الأشعث : إنّك لا تكذب ولا تغرّ، فلا تجزع ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك .
فقال مسلم : أمّا لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، فاُتي ببغلةٍ فركبها، واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه ، فكأنّه أيسَ هناك من نفسه ، فدمعت عيناه وقال : هذا أوّل الغدر، وأقبل على محمد بن الأشعث وقال : إنّي أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خيرٌ ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني أن يبلّغ حسيناً ـ فإنّي لا أراه إلاّ خرج إليكم اليوم أو هو خارج غداً ـ ويقول : إنّ ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أن يمسي حتّى يقتل ، وهو يقول : إرجع فداك أبي وأمّي بأهل بيتك ولا يغرنّك أهل الكوفة، فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة كذبوك وليس لكذوب رأي . فقال ابن الأشعث : والله لأفعلنّ ، ولأعلمنّ ابن زياد أنّي قد آمنتك .
وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر، ودخل على عبيدالله فاخبره خبره وما كان من أمانه ، فقال ابن زياد : ما أنت والأمان ؟ كأنّا أرسلناك لتؤمنه وإنّما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت ابن الأشعث .
وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخال مسلم ، فلمّا دخل لم يسلّم عليه بالإمرة، فقال الحرسي : ألا تسلّم على الأمير؟ قال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه ، وإن كان لا يريد قتلي ليكثرنّ سلامي عليه ، فقال ابن زياد : لعمري لتقتلنّ قتلة لم يقتلها أحدٌ من الناس في الإسلام ، فقال له مسلم : أنت أحقّ من أحدث في الإسلام ، وأنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة، ولؤم الغلبة .
وأخذ إبن زياد لعنة الله عليه يشتمه ويشتم الحسين وعليّاً وعقيلَاَ ، وأخذ مسلم لا يكلّمه .
ثمّ قال ابن زياد : إصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده ، فقال مسلم : لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ، فدعي بكر بن حمران الأحمري فقال له : إصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه .
فصعد وجعل مسلم يكبّر الله ويستغفره ، ويصلّي على النبيّ وآله ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا، وضربت عنقه واُتبع جسده رأسه ، واُمر بهانئ بن عروة فاُخرج إلى السوق وضربت عنقه وهو يقول : إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك .
وفي قتلهما يقول عبدالله بن الزبير الأسدي :
إن كنتِ لا تدرينَ ما الموتُ فانظري * إلى هانئ في السوقِ وابنِ عقيل
إِلى بطلٍ قـد هــشّم السيفُ وجههُ * واخر يهوي من طمار قــتيل
- في أبيات (14) -
وبعث ابن زياد لعنه الله برأسيهما إلى يزيد بن معاوية لعنه الله.
وكان خروج مسلم رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية، وقتل يوم عرفة سنة ستّين .
وكان توجّه الحسين عليه السلام من مكّة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة، وكان قد اجتمع إليه عليه السلام مدّة مقامه بمكّة نفر من أهل الحجاز والبصرة ، ولمّا أراد الخروج إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة، لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقبض عليه بمكّة فيُنفذ إلى يزيد بن معاوية (15).
فروي عن الفرزدق الشاعر أنّه قال : حججت باُمّي سنة ستّين ، فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن عليّ عليهما السلام خارجاً من الحرم معه أسيافه وتراسه فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل . للحسين بن عليّ ، فأتيته فسلّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحبّ يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمّي ما أعجلك عن الحجّ ؟
قال : «لو لم أعجل لأخذت » ثمّ قال لي : «من أنت ؟» .
قلت : امرؤٌ من العرب ، فلا والله ما فتّشني أكثر من ذلك ، ثمّ قال : «أخبرني عن الناس خلفك ؟»
فقلت : الخبير سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها، ثمّ حرّك راحلته وقال : «السلام عليكم »، ثمّ افترقنا .
ولحقه عبدالله بن جعفر بكتاب عمرو بن سعيد بن العاص والي مكة مع أخيه يحيى بن سعيد يؤمنه على نفسه ، فدفعا إليه الكتاب وجهدابه في الرجوع فقال : «إنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنام وأمرني بما أنا ماض له » .
قالا: فما تلك الرؤيا؟
فقال : «ما حدّثت بها أحداً ولا اُحدّث أحداً حتّى ألقى ربّي عزّ وجل » .
فلمّا يئس عبدالله بن جعفر منه أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ، ورجع هو ويحيى بن سعيد إلى مكّة .
وتوجّه الحسين عليه السلام نحو العراق ، ولمّا بلغ عبيدالله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطته حتّى نزل القادسيّة، ولمّا بلغ الحسين عليه السلام بطن الرملة بعث عبدالله ابن يقطر ـ وهو أخوه من الرضاعة ـ وقيل : بل بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة، ولم يكن علم بخبر مسلم ، وكتب معه إليهم كتاباً يخبرهم فيه بقدومه ، ويأمرهم بالانكماش (16) في الأمر.
فأخذه الحصين بن نمير وبعث به إلى عبيدالله بن زياد، فقال له عبيدالله بن زياد: إصعد وسبّ الكذّاب الحسين بن عليّ .
فصعد وحمد الله وأثنى عليه وقال : أيّها الناس ، هذا الحسين بن عليّ خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم ، وأنا رسوله إليكم فأجيبوه ، ثمّ لعن ابن زياد، فأمر به فرمي من فوق القصر، فوقع على الأرض وانكسرت عظامه ، وأتاه رجل فذبحه وقال : أردت أن اُريحه ! !
فلمّا بلغ الحسين صلوات الله عليه قتل رسوله استعبر، ولمّا بلغ الثعلبيّة ونزل أتاه خبر قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فقال : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما» يردّد ذلك مراراً.
وقيل له : ننشدك الله يا ابن رسول الله لما انصرفت من مكانك هذا ، فإنّه ليس لك بالكوفة ناصرٌ ولا شيعة ، بل نتخوّف أن يكونوا عليك ، فنظرإلى بني عقيل فقال : «ما ترون ؟» فقالوا : والله لا نرجع حتّى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق . فقال الحسين عليه السلام : «لا خير في العيش بعد هؤلاء» .
ثمّ أخرج إلى الناس كتاباً فيه : «أمّا بعد : فقد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فم نأحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرجِ ، فليس عليه ذمام » .
فتفرّق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه ، وإنّما فعل عليه السلام ذلك لأنّه علم أنّ الأعراب الذين اتّبعوه يظنّون أنّه يأتي بلداً قد استقام عليه ، فكره أن يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون على ما يقدمون .
ثمّ سار عليه السلام حتّى مرّ ببطن العقبة، فنزل فيها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له : عمرو بن لوذان فقال : أنشدك الله يا ابن رسول الله لمّا انصرفت ، فوالله ما تقدم إلاّ على الأسنّة وحدّ السيوف ،
وإنّ هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّؤوا لك الأسياف فقدمت عليهم كان ذلك رأياً .
فقال : «يا عبدالله ، لا يخفى عليّ الرأي ولكنّ الله تعالى لا يغلب على أمره » ثمّ قال عليه السلام : «والله لا يَدَعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم من يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الاُمم » .
ثمّ سار عليه السلام من بطن العقبة وأمر فتيانه أن يستقوا الماء ويكثروا ، ثم سار حتّى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبّر رجل من أصحابه فقال عليه السلام : «الله أكبر لم كبّرت ؟» قال : رأيت النخل ، فقال له جماعة من أصحابه : والله إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قطّ ، قال :«فما ترونه ؟ » قالوا : نراه والله آذان الخيل ، قال : «أنا والله أرى ذلك » .
فما كان بأسرع حتّى طلعت هوادي الخيل (17) مع الحرّ بن يزيدالتميميّ ، فجاء حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام في حرّ الظهيرة، وكان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسيّة، يقدم الحصين بن نميرفي ألف فارس .
فحضرت صلاة الظهر، فصلّى الحسين عليه السلام وصلّى الحرّ خلفه ، فلمّا سلّم أنصرف إلى القوم وحمد الله وأثنى عليه وقال :
«أيّها الناس إنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله عنكم ، ونحن أهل بيت محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أبيتم إلاّ الكراهة لنا، والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم ، وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم ».
فقال له الحر: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب التي تذكر!
فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه : «يا عقبة بن سمعان اُخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ » .
فأخرج خرجين مملوءَين صحفاً فنثرت بين يديه ، فقال له الحرّ: لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد اُمرنا إذا لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدم بك الكوفة على عبيدالله .
فقال له الحسين عليه السلام : «الموت أدنى إليك من ذلك » ثمّ قال لأصحابه : «قوموا فاركبوا» فركبوا ، فقال : «انصرفوا» .
فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين عليه السلام للحرّ: «ثكلتك اُمّك يا ابن يزيد».
قال الحرّ: أمّا لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر اُمّه بالثكل ، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلاّ باحسن ما نقدر عليه.
فقال الحسين عليه السلام : «فما تريد ؟»
قال : اُريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيدالله .
قال : «إذاً والله لا أتّبعك » .
قال : إذاً والله لا أدعك .
وترادّا القول ، فلمّا كثر الكلام بينهما قال الحر: إنّي لم أومر بقتالك ، إنّما اُمرت أن لا اُفارقك حتّى أقدم بك الكوفة، فتياسر ههنا عن طريق العذيب والقادسيّة حتّى أكتب إلى الأمير ويكتب إلى عبيدالله لعل الله أن ياتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن اُبتلى بشيء من أمرك .
فسار الحسين عليه السلام وسار الحرّ في أصحابه يسايره وهو يقول له : إنّي أذكرك الله في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن .
فقال الحسين عليه السلام : «أفبالموت تخوّفني ؟ ! وساقول ما قال أخو الأوس لابن عمّه وهو يريد نصرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخوّفه ابن عمّه وقال : إنّك مقتول فقال :
سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى * إذا ما نوى حقّاً وجاهدَ مسلما
واسى الرجالَ الصالحينَ بـــنفسهِ * وفارقَ مثبوراً وودّعَ مجرما»
فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه .
قال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام هو على ظهر فرسه خفقة ثمّ انتبه وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين » ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً، فأقبل إليه عليّ بن الحسين عليهما السلام على فرس فقال : يا أبه فيم حمدت الله واسترجعت ؟
قال : «يا بنيّ ، إنّي خفقت خفقة فعنّ لي فارس على فرس وهو يقول :القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا» .
فقال له : يا أبه لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحقّ ؟
قال : «بلى والذي إليه مرجع العباد» .
قال : فإنّنا إذن لا نبالي أن نموت محقّين.
فقال له الحسين عليه السلام : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده » .
فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجلّ الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرّده وأصحابه ، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة امتنعوا عليه ، فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتّى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين عليه السلام ، فإذا راكب على نجيب له ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ ولم يسلّم على الحسين عليه السلام وأصحابه ، ودفع إلى الحرّ كتاباً من عبيدالله بن زياد، فإذا فيه : أمّا بعد: فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ولا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام .
فأخذهم الحرّ بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقال له الحسين : «دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه » ـ يعني نينوى والغاضريّة ـ .
قال : لا والله لا أستطيع ذالك ، هذا رجل قد بُعث عيناً عليّ .
فقال زهير بن القين : إنّي والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون إلاّ أشدّ ما ترون ، يا ابن رسول الله إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا بعدهم من لا قبل لنا به .
فقال الحسين عليه السلام : «ما كنت لأبدأهم بالقتال » ثمّ نزل ، وذلك في يوم الخميس الثاني من المحرّم سنة إحدى وستين .
فلمّا كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص في أربعة آلاف فارس فنزل نينوى، فبعث إلى الحسين عليه السلام عروة بن قيس الأحمسي ، فقال له : فأته فسله ما الذي جاء بك ؟ وكان عروة ممّن كتب إلى الحسين عليه السلام فاستحيى منه أن يأتيه ، فعرض ذلك على الرؤساء فكلّهم أبى ذلك لمكان أنّهم كاتبوه، فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظليّ فبعثه ، فجاء فسلّم على الحسين عليه السلام فبلّغه رسالة ابن سعد، فقال الحسين عليه السلام : «كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم ، فامّا إذا كرهوني فأنا أنصرف عنكم » .
فلمّا سمع عمر هذه المقالة قال : أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله ، وكتب إلى عبيدالله بن زياد لعنه الله : أمّا بعد: فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عمّا أقدمه وماذا يطلب ، فقال : كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم يسألوني القدوم فأمّا إذ كرهوني فإنّي منصرف عنهم .
فلمّا قرأ ابن زياد الكتاب قال :
الآنَ إذْ علِقتْ مخالبنا بهِ * يرجو النجاةَ ولاتَ حينَ مناصِ
وكتب إلى عمر بن سعد: أمّا بعد: فقد بلغني كتابك وفهمته ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه ، فإذا هو فعل ذلك رأينا رأينا والسلام.
فلما ورد الجواب قال عمر بن سعد : قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية، وورد كتاب ابن زياد في الأثر إليه : أن حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقيّ الزكيّ عثمان بن عفّان ! !
فبعث ابن سعد في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه أن يستقوا منه ، وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام .
ونادى عبدالله بن الحصين الأزدي لعنه اللهّ بأعلى صوته : يا حسين ،ألا ترون إلى الماء كأنّه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة حتّى تموتوا عطشاً.
فقال الحسين عليه السلام : «اللهمّ اقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً» .
قال حميد بن مسلم : فوالله لعدته بعد ذلك في مرضه ، فوالله الذي لاإله غيره ، لقد رأيته يشرب الماء حتّى يبغر (18) ثمّ يقيء ويصيح : العطش العطش ، ثمّ يعود يشرب الماء حتّى يبغر، ثمّ يقيئه ويتلظّى عطشاً، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه .
ولما رأى الحسين عليه السلام نزول العساكر مع عمر بن سعد ومددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد: «أنّي اُريد لقاءك » فاجتمعا فتناجيا طويلاً.
ثمّ رجع عمر إلى مكانه وكتب إلى عبيدالله بن زياد : أمّا بعد : فإنّ الله تعالى قد أطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الاُمّة ، هذا حسين أعطاني عهداً أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أن ياتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لك رضا وللاُمّة صلاح .
فلما قرأ عبيدالله الكتاب قال : هذا كتاب ناصح مشفق على قومه .
فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك ؟! والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة ولتكوننّ أولى بالضعف ، فلا تعطه هذه المنزلة، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه ، فإن عاقبت فانت أولى بالعقوبة ، وإن عفوت كان ذلك لك .
فقال ابن زياد: نعم ما رأيت ، الرأي رأيك اُخرج بهذا الكتاب إليّ عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن أبوا فليقاتلهم ، فإن أبى أن يقاتلهم فانت أمير الجيش واضرب عنقه وأنفذ إلي برأسه .
وكتب إلى عمر: إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة، ولا لتعتذر له ، ولا لتكون له عندي شافعاً، انظر فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقّون ، فإن قتلت الحسين فاوطن الخيل صدره وظهره ، فإنّه عاق ظلوم ! ! ولست أرى أن هذا يضرّ بعد الموت شيئاً ولكن على قول قد قلته : لو قد قتلته لفعلت هذا به ، فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل جندنا وعملنا وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بامرنا والسلام .
فاقبل شمر بكتاب عبيدالله إلى عمر بن سعد، فلمّا قرأه قال له : ما لك ؟ لاقرّب الله دارك ، قبّح الله ما قدمت به عليّ ، لا يستسلم والله حسين ، إنّ نفس أبيه لبين جنبيه ، قال شمر: اخبرني ما أنت صانع ، امض أمر أميرك وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند، قال : لا، ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولّى ذلك وكن أنت على الرجالة .
ونهض عمربن سعد عشيّة يوم الخميس لتسع مضين من المحرّم ، وجاء شمر فوقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال : أين بنو اُختنا ؟فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو عليّ عليه السلام فقالوا : ما تريد؟ قال : أنتم يا بني اُختي آمنون ، فقالوا : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ! !
ثمّ نادى عمر بن سعد: يا خيل الله اركبي ، فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر ، والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه ، وسمعت اُخته الصيحة فدنت من أخيها فقالت : يا أخي أما تسمع الأصوات ؟ فرفع رأسه فقال : «إنّي رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المنام فقال لي : إنّك تروح إلينا» فلطمت اُخته وجهها ونادت بالويل ، فقال لها : «ليس لك الويل يا اُخيّة، اسكتي رحمك اللهّ » .
وقال له العبّاس بن عليّ : يا أخي قد جاءك القوم ، فنهض وقال : «يا عبّاس ، اركب ـ بنفسي أنت يا أخي ـ حتّى تلقاهم وتقول لهم : ما لكم »؟
فاتاهم العبّاس في عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فقال : ما بدا لكم وما تريدون ؟ قالوا : جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم ، فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره الخبر، ووقف أصحابه يعظون القوم ويكفّونهم عن قتال الحسين عليه السلام ، وجاء العبّاس وأخبره بما قال القوم ، فقال : «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غد وتدفعهم عنّا العشيّة فافعل ، لعلّنا نصلّي لربنّا الليلة وندعوه ونستغفره ».
ومضى العبّاس ورجع ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول : إنّا قد أجّلناكم إلى غد وانصرف .
فجمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المساء، قال عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام :
«فدنوت لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض فسمعت أبي عليه السلام يقول لأصحابه :
اُثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهم إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القران ، وفقّهتنا في الدين (19) .
أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خير الجزاء ، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً .
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر : ولم نفعل ذلك ، لنبقى بعدك ؟ ! لا أرانا اللهّ ذلك أبداً ، بدأهم بهذا القول العبّاس بن عليّ فأتبعه الجماعة عليه وتكلّموا بمثله .
فقال الحسين عليه السلام : يا بني عقيل ، حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم .
قالوا : سبحان الله فما يقول الناس ؟ ! يقولون : إنا تركنا شيخنا وسيّدنا وسيّد بني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن برمح ، ولم نضرب دونهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ؟ ! ، لا واللهّ لا نفعل ، ولكن نفديك بانفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك .
وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلّي عنك ولم نعذر إلى الله تعالى في أداء حقّك ؟! لا والله حتّى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، والله لو علمت أنّي اُقتل ثمّ اُحرق ثمّ اُحيى ، يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً!
وقام زهير بن القين فقال : والله لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت ، وهكذا ألف مرّة، وأنّ الله سبحانه يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك .
ثمّ تكلّم جماعة من أصحابه بكلام يشبه ما ذكرناه ، فجزاهم الحسين عليه السلام خيراً وانصرف إلى مضربه » .
قال عليّ بن الحسين عليهما السلام : «إنّي لجالس في تلك العشيّة ـ وعندي عمّتي زينب تمرّضني ـ إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذرّ الغفاري وهو يعالج سيفه ـ ويصلحه ـ وأبي يقول :
يا دهرُ أفٍّ لــكَ من خليلِ * كم لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
منْ صـاحبِ أو طالبِ قتيلِ * والدهرُ لا يقــنعُ بالبديل
وإنَما الأمَرُ إلى الَجــلـيلِ * وكلّ حيٍّ سالكٌ ســـبيلِ
وأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة ، فرددتها ولزمت السكوت ، وعلمت أنّ البلاء قد نزل ، وأمّا عمّتي فإنّها سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع ، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّثوبها وإنّها لحاسرة حتّى انتهت إليه فقالت : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت اُمّي فاطمة الزهراء وأبي عليّ وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين ،
فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال :يا اُختاه لا يذهبنّ حلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو ترِك القطا لنام ، فقالت : يا ويلتاه أتغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي ، ثمّ لطمت على وجهها وأهوت إلى جيبها فشقّته وخرّت مغشياً عليها، فقام إليها الحسين عليه السلام فصبّ الماء على وجهها وقال لها :يا اُختاه اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجه اللهّ الذي خلق الخلق بقدرته وإليه يعودون وهو فرد واحد، وإنّ أبي خيرٌ منّي ، وأخي خيرٌ منّي ، ولكلّ مسلم برسول اللهّ اُسوة، فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا اُختاه ، إني أقسمت عليك فأبرّي قسمي ، لاتشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولاتدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت ، ثمّ جاء بها وأجلسها عندي .
ثمّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرّب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم .
ورجع إلى مكانه فقام الليل كلّه يصلّي ويستغفر ويدعو، وقام أصحابه كذلك يدعون ويصلّون ويسغفرون
» .
وأصبح عليه السلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العبّاس أخاه ، وجعلوا البيوت في ظهورهم ، وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان هناك قد حفر وأن يحرق بالنار مخافة أن ياتوهم من ورائهم .
وأصبح عمربن سعد في ذلك اليوم ، وهو يوم الجمعة ـ وقيل : يوم السبت ـ فعبأ أصحابه ، فجعل على ميمنته عمرو بن الحجّاج ، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن ، وعلى الخيل عروة بن قيس ، وعلى الرجّالة شبث بن ربعي . ونادى شمر ـ لعنه الله ـ باعلى صوته : يا حسين ، تعجّلت النار قبل يوم القيامة، فقال الحسين عليه السلام : «يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّاً» ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك ، فقال له : دعني حتّى أرميه ، فإنّ الفاسق من عظماء الجبّارين وقد أمكن الله منه ، فقال عليه السلام : «أكره أن أبدأهم ».
ثمّ دعا الحسين عليه السلام براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته ـ وكلّهم يسمعون ـ فقال : «أيّها الناس إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ عليّ لكم وحتّى أعذر إليكم فإنّ أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون ،إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين » .
ثمّ حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ عليه وآله السلام فلم يسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ، ثمّ قال : «أمّا بعد : فانسبوني وانظروا من أنا ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّقين لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بماجاء به من عند ربّه ؟أو َليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي ؟ أوَ ليس جعفر الطيّار في الجنة بجناحين عمّي ؟ أو َلم يبلغكم ما قال رسول اللهّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لي ولأخي :
هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟ فإن صدقتموني بما أقول ـ وهو الحق ـ فوالله ما تعمّدت كذباً منذ علمت أنّ الله تعالى يمقت عليه <أهله>، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إذا سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاريّ ، وأبا سعيد الخدريّ ، وسهل بن سعد الساعديّ ، وزيد بن أرقم ، وأنس بن مالك يخبرونكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟».
فقال له شمر لعنه الله : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول ،فقال له حبيب بن مظاهر: واللهّ إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك .
ثمّ قال لهم الحسين عليه السلام : «فإن كنتم في شكّ من هذا أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم ؟ ! فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ، أومال لكم استهلكته ، أو بقصاص جراحة؟ ! »فأخذوا لا يكلّمونه .
فنادى عليه السلام : «يا شبث بن ربعي ، يا حجّار بن أبجر، يا قيس ابن الأشعث ، يا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ : أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب وإنّما تقدم على جند لك مجنّد؟».
فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، ولكن انزل على حكم بني عمّك فإنّهم لم يريدوا بك إلاّ ما تحبّ.
فقال الحسين عليه السلام : «لا والله لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد، ثمّ نادى : يا عباد الله (إنّي عُذتُ بِربّي وَرَبِّكم أنْ تَرجُمُونِ) (20) أعوذ (برّبي وربكمُ مِنْ كُلِّ مُتَكَبّرٍ لايُؤمِنُ بيَومِ الحِسإِب) (21)
ثمّ إنّه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ، وأقبلوا يزحفون نحوه .
فلمّا رأى الحرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين عليهالسلام قال : لعمر بن سعد : اي عمر، أتقاتل الحسين ؟ ! قال : إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح فيه الأيدي ، قال : أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قال : لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى .
فاقبل الحرّ ومعه رجل من قومه يقال له : قرّة بن قيس فقال له : يا قرّة هل سقيت فرسك اليوم ؟
قال : لا. قال قرّة: فظننت أنّه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، ولو أنّه اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين عليه السلام ، فاخذ يدنو من الحسين عليه السلام قليلاً قليلاً فقال له رجلٌ : ماهذا الذي أرى منك ؟ فقال : إني والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله ماأختارعلى الجنّة شيئاً ولو قُطعتُ وحُرّقتُ ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام فقال له : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي جعجعت بك في هذا المكان ، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنّ القوم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت ، وإنّي تائب إلى الله تعالى ممّا صنعت ،فترى لي من ذلك توبة؟
فقال الحسين عليه السلام : «نعم يتوب الله عليك فانزل » قال : فانا لك فارساً خيرٌ منّي راجلاً، اُقاتلهم لك على فرسي ساعة وإلى النزول يصير آخر أمري ، فقال له الحسين عليه السلام : «فاصنع ـ يرحمك الله ـ مابدا لك » .
فاستقدم أمام الحسين عليه السلام فقال : يا أهل الكوفة لاُمّكم الهبل والعبر، دعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أخذتم بكظمه (23)، وأحطتم به من كلّ جانب لتمنعوه التوجّه إلى بلاد الله العريضة، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً، ولايدفع عنها ضرّاً، وحلأتموه (24)ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري يشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش ، بئس ما خلّفتم محمّداً في ذرّيّته ،لا سقاكم الله يوم الظمأ. فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين عليه السلام .
ورمى عمر بن سعد بسهم وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى ، ثمّ ارتمى الناس وتبارزوا ، فبرز يسار مولى زياد بن أبيه ، فبرز إليه عبدالله بن عمير فضربه بسيفه فقتله ، فشدّ عليه سالم مولى عبيدالله بن زياد فصاحوا به : قد رهقك العبد، فلم يشعر حتّى غشيه فبدره بضربة اتّقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفّه ، ثمّ شدّ عليه فضربه حتّى قتله ، وأقبل وقد قتلهما وهو يرتجز ويقول :
إنْ تَنكروني فأنا ابنُ الكلب * إنّي امرؤٌ ذو مرة وَعضب (25)
ولستُ بالَخوّار عندَ النكب
وحمل عمرو بن الحجّاج على ميمنة أصحَاب الحسين عليه السلام بمن كان معه من أهل الكوفة، فلمّا دنا من الحسين عليه السلام جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح ، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا آخرين .
وجاء رجل من بني تميم يقال له : عبدالله بن حوزة إلى عسكر الحسين عليه السلام فناداه القوم : إلى أين ثكلتك اُمّك ؟ فقال : إنّي أقدم على ربّ كريم وشفيع مطاع ، فقال الحسين عليه السلام لأصحابه : « من هذا ؟ » فقيل : ابن حوزة، فقال : «اللهم حزه إلى النار» فاضطربت به فرسه فيجدول فوقع وتعلّقت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى، وشدّ عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت ، وعدا به فرسه فضرب رأسه كلّ حجر وكلّ شجر حتى مات وعجّل الله بروحه إلى النار.
ونشب القتال ، فقتل من الجميع جماعة، وحمل الحرّ بن يزيد على أصحاب عمر بن سعد وهو يتمثّل بقول عنترة :
مازلتُ أرميهم بغُرّةِ وجههِ * ولبانِهِ (26)حتّى تسربلَ بالدم
فبرزإليه رجل من بني الحارث فقتله الحرّ.
وبرز نافع بن هلال وهو يقول :
أنا ابنُ هلالِ البجلي * أنا على دينِ علي
فبرز إليه مزاحم بن حريث وهو يقول : أنا على دين عثمان ، فقال له نافع : أنت على دين الشيطان ، وحمل عليه فقتله .
فصاح عمر بن الحجّاج بالناس : يا حمقى ، أتدرون من تبارزون ومن تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان أهل المصر ، تقاتلون قوماً مستميتين ، لا يبرز إليهم منكم أحدٌ فإنّهم قليل وقلّما يبقون ، واللهّ لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم ، فقال عمر بن سعد : صدقت الرأي ما رأيت ، فأرسل في الناس واعرض عليهم أن لا يبارز رجل منكم رجلاً منهم .
ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج في أصحابه على أصحاب الحسين عليه السلام من نحو الفرات ، واضطربوا ساعة ، فصرع مسلم بن عوسجة الأسديَ ـ رحمه الله ـ وانصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، وانقطعت الغبرة فوجدوا مسلماً صريعاً، فسعى إليه الحسين عليه السلام فإذا به رمق فقال له :«رحمك الله يا مسلم مِنهُم مَن قَضى نحبَة (وَمنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدّلوا تَبدِيلا) (27).
وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة، وحمل على الحسين عليه السلام وأصحابه من كلّ جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين عليه السلام قتالاً شديداً ، وأخذت خيلهم تحمل ـ وإنّما هي اثنان وثلاثون فارساً
فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلاّ كشفته .
فلما رأى ذلك عروة بن قيس ـ وهو على خيل الكوفة ـ بعث إلى عمر ابن سعد: أما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة، فابعث إليهم الرجال الرماة ، فبعث إليهم بالرماة ، فعقر بالحرّ بن يزيد فرسه فنزل عنه وهو يقول :
إن تَعقروا بي فآنا ابنُ الحُرّ * أشجَعُ مِن ذِي لِبَدٍ هِزَبرِ
فجعل يضربهم بسيفه ، وتكاثروا عليه حتّى قتلوه .
وقاتل أصحاب الحسين عليه السلام أشدّ قتال ، حتّى أنتصف النهار فلمّا رأى الحصين بن نمير ـ وكأن على الرماة ـ صبر أصحاب الحسين عليه السلام تقدّم إلى أصحابه ـ وكانوا خمسمائة نابل ـ : أن يرشقوا أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل فرشقوهم ، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال حتى ارجلوهم ، واشتدّ القتال بينهم ساعة.
وجاءهم شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في اصحابه ، فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة رجال وكشفوهم عن البيوت ، وعطف عليهم شمر فقتل من القوم وردّ الباقين إلى مواضعهم ، وكان القتل يبين في أصحاب الحسين عليه السلام لقلّة عددهم ولا يبين في أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم .
واشتدّ القتال ، وكثر القتل في أصحاب أبي عبدالله عليه السلام إلى أن زالت الشمس فصلّى الحسين عليه السلام بأصحابه صلاة الخوف .
وتقدم حنظلة بن سعد الشامي بين يدي الحسين عليه السلام فنادى أهل الكوفة : يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ، يا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التناد ، يا قوم لا تقتلوا حسيناً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى، ثمّ تقدّم فقاتل حتّى قتل ـ رحمه الله ـ.
وتقدم بعده شوذب مولى شاكر فقال : السلام عليك يا أبا عبدالله ورحمة الله وبركاته ، أستودعك الله ، ثمّ قاتل حتّى قتل ، ولم يزل يتقدّم رجلٌ بعد رجل من أصحابه فيقتل حتّى لم يبق مع الحسين عليه السلام إلاّ أهل بيته خاصّة .
فتقدم ابنه عليّ بن الحسين عليهما السلام وكان من أصبح الناس وجهاً وله يومئذ بضع عشرة سنة، فشدّ على الناس وهو يقول :
أنا عليّ بنُ الحسينِ بنِ عليّ * نحن وبيتِ اللهِ أولى بالنَّبيّ
تاللهِ لا يحكم فِينا ابنُ الدعي
ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتّقون قتله ، فبصر به مُرّة بن منقذ العبد يلعنه الله ، فطعنه فصرعه ، واحتواه القوم فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين عليه السلام حتّى وقف عليه فقال : «قتل اللهّ قوماً قتلوك يا بُنيّ ، ما أجرأهم على اللهّ وعلى انتهاك حرمة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم » وانهملت عيناه بالدّموع ، ثم قال : «على الدنيا بعدك العفاء»، وخرجت زينب اُخت الحسين مسرعة تنادي : يا اُخيّاه وابن اُخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه ، وأخذ الحسين عليه السلام برأسها فردها إلى الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه .
ث
مّ رمى رجلٌ من أصحاب عمر بن سعد يقال له : عمرو بن صبيح عبدالله بن مسلم بن عقيل بسهم ، فوضع عبدالله يده على جبهته يتقيه فاصاب السهم كفّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها بها فلم يستطيع تحريكاً، ثمّ انتحى عليه اخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله .
وحمل عبدالله بن قطبة الطائي على عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقتله .
وحمل عامر بن نهشل التيمي على محمّد بن عبداللهّ بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فقتله .
قال حميد بن مسلم : فأنا كذلك إذ خرج علينا غلام كأنّ وجهه فلقة قمر، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسعع إحداهما ، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ : والله لأشدّنّ عليه ، فقلت : سبحان الله ، وماذا تريد منه ؟! دعه يكفيكه هؤلاء القوم ، فشد عليه فقتله ، ووقع الغلام لوجهه فقال : يا عمّاه ، فجلى (28) الحسين عليه السلام كما يجلي الصقر، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمر بن سعيد بالسيف فاتّقاها بالساعد فأطنّها (29) من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثمّ تنحّى عنه الحسين وحملت خيل أهل الكوفة ليستنفذوه فتوطّأته بأرجلها حتّى مات لعنه الله ، وانجلت الغبرة فرأيت الحسين عليه السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين عليه السلام يقول : «بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك» ثمّ قال : «عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت ـ والله ـ كثر واتره وقلّ ناصره» ثمّ حمله على صدره ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان الأرض ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته ، فسألت عنه فقيل :هو القّاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .
ثمّ جلس الحسين عليه السلام أمام الفسطاط ، فأُتي بابنه عبداللهّ بن الحسين وهو طفلٌ فأجلسه في حجره ، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين من دمه ملء كفّه وصبّه في الأرض ثمّ قال : «ربّ إن تكن حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين »، ثمّ حوّله حتّى وضعه مع قتلى أهله .
ورمى عبدالله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام فقتله .
فلما رأى العبّاس بن عليّ كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من أمّه ـ وهم عبداللهّ وجعفر وعثمان ـ :
يا بني اُمّي تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله ، وإنّه لا ولد لكم ، فتقدّم عبداللهّ فقاتل قتالاًَ شديداً فاختلف هو وهانئ بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هانئ ، وتقدّم بعده جعفر بن عليّ عليه السلام فقتله أيضاً هانئ ، وتعمّد خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن عليّ ـ وقد قام مقام إخوته ـ فرماه فصرعه ، وشدّ عليه رجل من بني دارم فاحتزّ
رأسه
وحملت الجماعة على الحسين عليه السلام فغلبوه على عسكره ، واشتدّ به العطش فركب المسنّاة يريد الفرات وبين يده أخوه العبّاس ، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجلٌ من بني دارم ، فقال لهم : ويلكم حولوا بينه وبين ماءِ الفرات ولا تمكنوه من الماء، فقال الحسين عليه السلام :
«اللهم اظمأه » فغضب الدارمي فرماه بسهم فاثبته في حنكه (30)، فانتزع الحسين عليه السلام السهم وبسط يده تحت حنكه(31) فامتلأت راحتاه بالدم فرماه ثمّ قال : «اللهم إنّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبّيك صلَى الله عليه وآله وسلّم » .
ث
مّ رجع إلى مكانه واشتدّ به العطش ، وأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه عنه ، فجعل يقاتلهم وحده حتّى قُتل رحمه الله .
ولمّا رجع الحسين عليه السلام من المسنّاة تقدّم إليه شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في جماعة من أصحابه ، وضربه رجل يقال له : مالك الكنديّ على رأسه بالسيف ، وكان عليه قلنسوة فقطعها حتّى وصل إلى رأسة فادماه وامتلأت القلنسوة دماً، فقال له الحسين عليه السلام : «لا أكلت بيمينك ، ولا شربت بها، وحشرك الله مع الظالمين » ثمّ ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدّ بها رأسه ، واستدعى قلنسوة اُخرى فلبسها واعتمَ عليها، ورجع عنه شمر ومن كان معه إلى مواضعهم ، مكث هنيهة ثمّ عاد وعادوا إليه وأحاطوا به ، فخرج إليه عبدالله بن الحسن ـ وهو غلامٌ لم يراهق ـ من عند النساء يشتد حتّى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام فلحقته زينب بنت علي عليه السلام لتحبسه فقال لها الحسين عليه السلام : «احبسيه يا أختي » فابى وامتنع عليها إمتناعاً شديداً وقال : والله لا اُفارق عمّي ، فأهوى ابجر بن كعب إلى الحسين بالسيف فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمّي ؟ فضربه ابجر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده فاطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلّقة ، فنادى الغلام : يا اُمّاه ، فأخذه الحسين عليه السلام فضمّه إلى صدره وقال له: «يا بنيّ اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير، فإنَ الله يلحقك بآبائك الصالحين » .
ث
م رفع الحسين عليه السلام يده وقال : «اللهم إن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا فقتلونا» .
وحملت الرجّالة يميناً وشمالاً على من كان بقي معه ، فقتلوهم حتّى لم يبق معه إلاّ ثلاثة نفر أو أربعة،
فلمّا رأى الحسين عليه السلام ذلك دعا بسراويل (32) يلمع فيها البصر ففزرها (33) ثمّ لبسها ، وإنّما فزرها لكي لا يسلب بعد قتله ، فلمّا قتل عليه السلام عمد أبجر بن كعب ـ لعنه الله ـ إليه فسلبه السراويل وتركه مجرّداً ، فكانت يدا أبجر بن كعب بعد ذلك تتيبّسان في الصيف كأنّهما عودان ، وتترطّبان في الشتاء فتنضحان دماً وقيحاً إلى أن أهلكه الله .
ولما لم يبق معه إلاّ ثلاثة رهط من أهله أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه وعن الثلاثة والثلاثة يحمونه ، حتّى قتل الثلاثة وأثخن بالجراح في رأسه وبدنه ، وجعل يضاربهم بسيفه وهم يتفرّقون عنه يميناً وشمالاً .
قال حميد بن مسلم : فوالله ما رأيت مكثوراً قطَ قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه ، إن كانت الرجالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتدّ عليها الذئب .
فلمّا رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن أمر الرماة أن يرموه ، فرشقوه بالسهام حتّى صار كالقنفذ ، فأحجم عنهم ، فوقفوا بإزائه ، ونادى شمر : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ثكلتكم اُمّهاتكم .
فحُمل عليه من كلّ جانب ، فضرِبه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وطعنه سنان بن أنس بالرّمح فصرعه ، ونزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله ليحز رأسه فاُرعد، فقال له شمر: فتّ الله (34)في عضدك ، ما لك ترعد؟
ونزل إليه شمر لعنه الله فذبحه ثمّ دفع رأسه إلى خولي بن يزيد الأصبحي ، فقال له : إحمله إلى الأمير عمر بن سعد .
ثمّ أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وأخذ سراويله أبجر بن كعب ، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجلٌ من بني دارم . وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه .
قال حميد بن مسلم : فوالله لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تُغلب عليه فيذهب به منها.
قال : ثمّ انتهينا إلى عليّ بن الحسين عليه السلام وهو منبسط على فراشه مريض ، ومع شمر جماعة من الرجّالة، فقالوا : ألا نقتل هذا العليل ، فقلت : سبحان الله أتقتل الصبيان ! إنما هذا صبيّ ، وإنّه لما به ، فلم أزل بهم حتَى دفعتهم عنه .
وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه : لايدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء ، ولا تتعرّضوا لهذا الغلام المريض ، فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهنّ ليستترن به ، فقال : من أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه ، فوالله ما ردّ أحدٌ منهم شيئأ، فوكّل بالفسطاط وبيوت النساء وعليّ بن الحسين عليهما السلام جماعة ممّن كانوا معه ، فقال :احفظوهم .
ثمّ عاد إلى مضربه ونادى في عسكره : من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه ؟ فانتدب عشرة، منهم : إسحاق بن حيوة، وأخنس بن مرثد، فداسوا الحسين عليه السلام بخيولهم حتّى رضّوا ظهره لعنهم الله .
وسرح عمر بن سعد لعنه الله برأس الحسين عليه السلام من يومه ـ وهو يوم عاشوراء ـ مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيدالله بن زياد لعنه الله ، وأمر برؤوس الباقين فقطعت وكانت إثنين وسبعين رأساً، فسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو ابن الحجاج لعنهم الله ، فاقبلوا حتّى قدموا بها على ابن زياد لعنه الله، وأقامه وبقيّة يومه واليوم الثّاني إلى الزوال ، ثمّ نادى في الناس بالرحيل ، وتوجّه نحو الكوفة ومعه بنات الحسين عليه السلام وأخواته ومن كان معه من النساء والصبيان ، وعليّ بن الحسين عليه السلام فيهم وهو مريض بالذّرَب (35) وقد أشفى (36).
فلما رحل إبن سعد خرج قوم من بني أسد ـ كانوا نزولاً بالغاضريّة ـ إلى الحسين عليه السلام وأصحابه ، فصلّوا عليهم ، ودفنوا الحسين عليه السلام حيث قبره الآن ، ودفنوا ابنه عليّ بن الحسين الأصغر عند رجليه ، وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صُرعوا حوله حفيرة ممّا يلي رجله وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً ودفنوا العبّاس بن عليَ في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضريّة حيث قبره الأن .
فلما وصل رأس الحسين عليه السلام ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله جلس ابن زياد في قصر الإمارة وأذن للناس إذناً عاماً، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويتبسّم وبيده قضيب يضرب به ثناياه ، وكان إِلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو شيخ كبيرٌ ـ فقال : إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما لا اُحصيه تترشفهما . ثمّ انتحب باكياً، فقال له ابن زياد : أبكى الله عينك ، أتبكي لفتح الله ، والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك . فنهض زيد بن أرقم وصار إلى منزله.
واُدخل عيال الحسين عليه السلام على ابن زياد، فدخلت زينب اُخت الحسين في جملتهم متنكّرة وعليها أرذل ثيابها، فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفّ بها إماؤها، فقال ابن زياد: من هذه التي انحازت ومعها نساؤها؟ فلم تجبه زينب ، فأعاد ثانية وثالثة فقال له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلَى الله عليه واله وسلّم ، فاقبل عليها ابن زياد لعنه الله وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب اُحدوثتكم .
فقالت زينب : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيّه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً، إنّما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر، وهو غيرنا.
فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله باهل بيتك ؟
قالت : كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتختصمون عنده .
فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، والمرأة لاتؤاخذ بشيء من منطقها.
فقال لها ابن زياد: قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك .
فرقّت زينب وبكت ، وقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، واجتثثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعاً .
فقالت : ما للمرأة والسجاعة، إنّ لي عن السجاعة لشغلاً، ولكن صدري نفث بما قلت .
وعرض عليه عليّ بن الحسين عليهما السلام فقال له : من أنت ؟
قاك : «أنا عليّ بن الحسين ».
قال : أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين ؟
فقال : «كان لي أخِّ يسمّى عليّاً، فقتله الناس » .
قال ابن زياد: بل الله قتله .
فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام : « (اللهً يَتَوفّى الأنفُسَ حينَ مَوِتها) (37).
فغضب ابن زياد وقال : بك جرأة لجوابي ، وفيك بقيّة للردّ عليّ ،إذهبوا به فاضربوا عنقه .
فتعلَقت به زينب عمّته وقالت : يا ابن زياد، حسبك من دمائنا ، واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه.
فنظر ابن زياد إليها ساعة وقال : عجباً للرحم ، والله اني لأظنّها ودت أنّي قتلتها معه ، دعوه فإنّي أراه لما به مشغول ، ثمّ قام من مجلسه .
ولما أصبح ابن زياد لعنه الله بعث برأس الحسين عليه السلام فدير به في سكك الكوفة وقبائلها.
فروي عن زيد بن أرقم أنّه قال : مرّ به عليّ وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلمّا حاذاني سمعته يقرأ : (اَمْ حَسِبْتَ اَنَ اَصحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقيمِ كانوا مِنْ اياتِنا عَجَباً) وقف والله شعري وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله أعجب وأعجب .
ولما فرغ القوم من التطواف به ردّوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رؤوس أصحابه وسرّحه إلى يزيد بن معاوية وأنفذ معه جماعة من أهل الكوفة حتّى وردوا بها إلى يزيد بن معاوية بدمشق ، فقال يزيد : قد كنت اقنع وأرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أنّي صاحبه لعفوت عنه .
ثم إنّ عبيدالله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين أمر بنسائه وصبيانه فجهّزوا وأمر بعليّ بن الحسين عليه السلام فغلّ بغلّ إلى عنقه ثمّ سرّح به فيأثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذيّ وشمر بن ذي الجوشن لعنهما الله فانطلقا بهم حتّى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس ولم يكن عليّ بن الحسين عليه السلام يكلّم أحداً من القوم في الطريق كلمة حتّى بلغوا باب يزيد فرفع مجفر بن ثعلبة صوته فقال : هذا مجفر بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه عليّ بن الحسين عليه السلام : «ما ولدت أمّ مجفر أشر وألأَم » .
ولمّا وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين عليه السلام قال يزيد :
نفلّقُ هاماً مِن رجالٍ أعِزة * عَلينا وَهُم كانُوا أعَقّ وأظلما (38)
فقال يحيى بن الحكم ـ أخو مروان بن الحكم ـ وكان جالساً مع يزيد :
لَهامٌ بـأدنى الطَفّ أدنى قَرابة * من ابنِ زياد العبدِي ذي الحَسَب الرَّذلِ (39)
أميّةُ أمسى نسلها عددَ الحَصى * وبــــنتُ رســولِ اللهِ لَيسَ لها نَسلُ
فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم وقال : اُسكت .
ثمَ قال لعليّ بن الحسين عليهما السلام : يا ابن حسينٍ أبوك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت .
فقال عليّ بن الحسين عليهما السلام : (ما أَصابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلأ فِي أَنفُسِكم إلاّ في كتاب من قبل أَن نَّبرَأَها إِنّ ذلِكَ عَلَى الله يسير) (40).ً
فقال يزيد لابنه خالد : اردد عليه ، فلم يدر خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد : قل : (ما أَصابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبما كَسَبَت أَيدِيكُم ويَعفو عَن كَثيرٍ ) (41).
ثمّ دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال : قبّح الله ابن مرجانة، لوكانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا.
قالت فاطمة بنت الحسين عليهما السلام : فلمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا، فقام رجل من أهل الشام أحمر فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ـ يعنيني ـ وكنت جارية وضيئة ، فاٌرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم فاخذت بثياب عمّتي زينب وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت عمّتي للشامي : كذبت والله ولؤمت ، ما ذلك لك ولا له .
فغضب يزيد وقال : كذبتِ ، إنّ ذلك لي ولو شئت لفعلت .
قالت : كلاّ والله ما جعل الله ذلك لك إلاّ أن تخرج من ملّتنا وتدين بغيرها.
فاستطار يزيد غضباً وقال : إياي تستقبلين بهذا، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك .
قالت زينب : بدين الله ودين أبي وأخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلماً .
قال : كذبتِ يا عدوّة الله .
قالت له : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك .
فكأنّه استحيا وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اعزب ، وهب الله لك حتفاً قاضياً .
ثم امر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهنّ عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ، فافرد لهم داراً تتّصل بدار يزيد ، فاقاموا أيّاماً ، ثمّ ندب يزيد النعمان بن بشير وقال له : تجهّز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة ، ولمّا أراد أن يجهّزهم دعا عليّ بن الحسين عليه السلام فاستخلاه ؟ قال له : لعن الله ابن مرجانة ، أم والله لو أنّي صاحب أبيك ما سألني خصلة إلاّ أعطيته ايّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ، ولكن الله قض بما رأيت (42) ،
كاتبني من المدينة وأنه كلَ حاجة تكون لك . وتقدّم بكسوته وكسوة أهله ، وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولاً تقدّم إليه أن يسير بهم في الليل ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفة عين ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هو وأصحابه حولهمِ كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم حيث لو أراد إنسان من جماعتهم وضوءاًَ أو قضاء حاجة لم يحتشم ، فسار معهم في جملة النعمان ابن بشير، فلم يزل يرفق بهم في الطريق حتى وصلوا إلى المدينة
فجميع من قتل مع الحسين عليه السلام من أهل بيته بطفّ كربلاء ثمانية عشر نفساً، هو صلوات الله عليه تاسع عشرهم ، منهم : العبّاس ، وعبدالله ، وجعفر، وعثمان بنو أمير المؤمنين عليه السلام ، أمّهم اُمّ البنين .
وعبيدالله ، وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين عليه السلام ، اُمّهما ليلى بنت مسعود الثقفيّة.
وعليّ ، وعبدالله ابنا الحسين عليه السلام .
والقاسم ، وعبدالله ، وأبو بكر بنو الحسن بن عليّ عليهما السلام.
ومحمّد، وعون ابنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .
وعبدالله ، وجعفر، وعقيل (43) ، وعبدالرحمن بنو عقيل بن أبي طالب .
ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب .
وهم كلّهم قد دفنوا ممّا يلي رجلي الحسين عليه السلام حفر لهم حفيرة واُلقوا جميعاً فيها وسوّي عليهم التراب إلاّ العبّاس بن عليّ بن أبي طالب فإنّ قبره ظاهر (44).
وقال الشيخ المفيد أبو عبدالله ـ قدّس الله روحه ـ : فأمّا أصحاب الحسين عليه السلام فإنّهم مدفونون حوله ، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق ، إلاّ أنّنا لا نشكّ أنّ الحائر محيط بهم (45).
وذكر ـ السيد الأجلّ المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ في بعض مسائله : أنّ رأس الحسين بن عليّ عليهما السلام ردّ إلى بدنه بكربلاء من الشام وضمّ إليه (46). والله أعلم .
******************************
(1 و 2) القصص 28 : 21 ـ 22.
(3) ارشاد المفيد 2 : 32 ، روضة الواعظين : 171 ، ورواه مقطعاً الطبري في تاريخه 5 : 339و 343 و ا35 باختلاف ، ونحوه في : مقتل أبي مخنف : 27، ومقتل ابن طاووس : 14وتذكرة الخواص : 213 و220.
(4) في الارشاد : هانئاً وسعيداً .
(5) وقعة الطف لأبي مخنف : 220 ، ارشاد المفيد 2 : 39، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 90، مقتل ابن طاووس : 16 ، روضة الواعظين : 173 ، تاريخ الطبري 5 : 353، تذكرة الخواص : 220 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 42 ، روضة الواعظين: 173 ، ونحوه في مقتل الحسين للخوارزمي :198 ، وتهذيب التهذيب 2 : 302 .
(7) قال الجوهري في الصحاح (6 : 2500) : في المثل «الصدق ينبىء عنك لا الوعيد» : أيأن الصدق يدفع عنك الغائلة في الحرب دون التهديد .
(8) في المصادر: ثلاثة آلاف درهم .
(9) مثل يضرب لمن يسعى إلى مكروه حتى يقع فيه . «جمهرة الأمثال للعسكري 1 : 119| 114 »، والحائن : الهالك . «لسان العرب ـ حين ـ 13 : 136» .
(10) في نسخة «ق »: حياته .
(11) البيت لعمرو بن معدي كرب أنظر : كتاب سيبويه 1 : 276 ، الأغاني 10 : 27 ، العقدالفريد 1 : 121 ، جمهرة اللغة 6 : 361 .
(12) كذا في نسخنا، والصواب : فما .
(13) يتلدد: أي يلتفت يميناً وشمالاً . «الصحاح ـ لدد ـ 2 : 535» .
(14) ديوان عبدالله بن الزبير الأسدي : 115 .
(15) انظر: وقعة الطف لأبي مخنف : 109 ـ 147، ارشاد المفيد 2: 43، مقتل ابن طاووس :19، تاريخ الطبري 5: 358، مقاتل الطالبيين : 96، مقتل الخوارزمي 1: 199، تذكرة الخواص : 218 .
(16) الانكماش : الاسراع . «انظر: الصحاح ـ كمش ـ 3 : 1018 » .
(17) اقبلت هوادي الخيل : إذا بدت أعناقها . «الصحاح ـ هدى ـ 6 : 2534 » .
(18) البغر: داء ياخذ الابل فتشرب فلا تروى وتمرض منه فتموت .
قال الفرزدق :
فقلت ما هو الا السامُ تركبهُ * كأنما الموت في أجنادهِ البَغرُ
«لسان العرب 4 : 72» .
(19) في الارشاد زيادة : وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين .
(20) الدخا ن 44 : 20 .
(21) غافر 40 : 27 .
(23) أخذتم بكظمه : أي بمخرج نفسه . «الصحاح ـ كظم ـ 5 : 2023» .
(24) حلأه عن الماء: طرده ولم يدعه يشرب . «الصحاح ـ حلأ ـ 1 :45».
(25) العضب : السيف القاطع . «العين 1 : 283» .
(26) لبانة : صدره . «الصحاح ـ لبن ـ 6 : 2193 » .
(27) الأحزاب 33 : 23 .
(28) جلى ببصره : إذا رمى به كما ينظر الصقر إلى الصيد. «الصحاح ـ جلا ـ 6 :2305».
(29) اطنها : أي قطعها، ويراد بذلك صوت القطع . «الصحاح ـ ضنن ـ 6 : 2159» .
(30) في نسختي «ق » و«ط»: جبينه .
(31) في نسختي «ق» و«ط» : جبينه .
(32) في الإرشاد : بسراويل يمانية .
(33) الفزر: الفسخ في الثوب ، يقال : لقد تفزّر الثوب ، اذا تقظع وبلى . «الصحاح ـ فزر ـ 2 :781 » .
(34) فتّ الشيء : أي كسره . «الصحاح ـ فتت ـ 1 : 259» .
3535?) الترَب : الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ، ويفسد فيها ولا تمسكه . «لسان العرب 1 : 385».
(36) اشفى : قرب من الموت . «الصحاح ـ شفا ـ 6: 4 239».
(37) الزمر 39 : 42 .
(38) البيت من قصيدة للحصين بن الحمام من شعراء الجاهلية . أنظر: الأغاني 14 : 7، شرح إختيارات المفضل :325.
(39) في نسخة «م»: الوغل .
(40) الحديد 57: 22.
(41) الشورى 42 :35 .
(42) لست أدري بأي عبارة اُجيب يزيد على أكاذيبه هذهِ ، ودعاواه الباطلة السقيمة الي لا تنطلي إلاّ على السذج والبسطاء الذين لا يعرفون قطعاً من هو يزيد بن معاوية بن هند، وما هي أفعاله سواء في كربلاء أو المدينة أو غيرهما .
نعم إنَ هذا القول ـ إن صح صدوره عنه ـ فإنّه والله تعالى من مهازل الدهر التي تبقى شاهدة على أحابيل الطغاة، وأكاذيب الفراعنة الفاسقين، وإلاّ فمَنْ كان ابن زياد، وابن سعد ، وابن الجوشن وغيرهم من شذاذ الآفاق ومزابل التأريخ ، هل كانوا إلاّ سيوف يزيد التي تنقاد لإرادته ، وتستجيب مذعنة لمشيئته ؟ بل وهل يخفى على أحد تسلسل الأحداث منذ أنهلك معاوية وحتى العاشر من محرم، وكيف كان الأمر يدور برمًته بين أصابع يزيد القذرة ، ولا ينطلق إلاّ منه؟
إنها دعوة صادقة للتأمل والتدبر مرة بعد اُخرى في هذهِ الأحداث برمتها، ثم الحكم بعدذلك على مثل هذه الاقوال وفق هذا الفهم السليم .
(43) كذا، وهو اشتباه واضح ، حيث لم تذكر المصادر التاريخية وجود من يسمى بعقيل في ولد عقيل ابن أبي طالب . «أنظر: الارشاد للمفيد 2 : 125 ، مقاتل الطالبيين : 92 ، تاريخ الطبري 5: 469، الكامل في التاريخ 4 : 92» .
(44) اُنظر ارشاد المفيد 2: 125 .
(45) أرشاد المفيد 2 : 126 .
(46) رسائل الشريف المرتضى 3 : 130 .
.