قبل أن أدخل في مضمون ماأود الكتابه عنه، أستشهد بقصتين اجعلهما المقياس والمعيار الذي أوازن وأطابق به حال رأس الهرم في البلد اليوم مع أرذل البشر في المجتمع أيام زمان..
فالقصه الأولى كنت يوماً قد سمعتها كمضرب مثل سيق من خلال حديث جرى بيني وبين رجل كبير السن.. ولست أعلم هل هي حقيقه أم من نسج الخيال تضرب لبيان النخوه والغيره التي تكون أعلى من من أقوى الرغبات ودوافع الإحتياجات الحياتية الملحه والعوز التي تجعل الإنسان منحرفا أو خارجا عن القانون ..
فيحكى أن أما وأولادها الأيتام فزعوا ليلة من نومهم بسبب بعض الأصوات وحركة شخص في إحدى غرف الدار.. وفي حين الأطفال أخذهم الخوف وهم يتراجفون.. همس أحد الأطفال ببكاء مكتوم لأمه الحائره ( ماما أعتقد هذا حرامي دخل بيتنا من شباك الغرفه الثانيه ليسرقنا.. وأنا خائف أن يؤذينا)..
جمعت الأم ماتبقى من شجاعتها وقوتها الخائره.. وأظهرت عدم الاكتراث لأولادها.. وكأن الأمر لايستدعي للخوف لأن الأمر عادي وتكلمت مع ولدها بصوت مسموع ( لا حبيبي لاتخاف هذا مو حرامي هذا خالك وليدي.. من يوم مات ابوكم وصرتوا أيتام وهو كل يوم يجي بالليل يطمأن علينه ويتأكد من البيت ويروح) سمع الحرامي كلام الأم فاخذه الخجل وقد علم أن هذا بيت أيتام.. وارتفعت لديه الغيره عندما أشارت الأم بأنه أخيها والأخ لايغدر بأخته، فترك ماأراد سرقته على الأرض وخرج من الدار..
أما الحكاية الثانيه فقد حصلت أمامي عندما كنت صغيراً .. ففي يوم استقليت سيارة أجره فورد ( نفرات) وكان خط باب المعظم حتى الباب الشرقي.. وفي الطريق نزل ثلاثة من الركاب وبقينا إثنان انا بجانب السائق والآخر في الخلف وقد كان بادياً عليه آثار الخير والراحه من خلال أناقة ملابسه وعطره اللطيف.. وعندما وصلنا إلى الشورجة ( جهة شارع الجمهوريه) أشارت فتاتان شابتان للسائق لكي يقف.. فإذا بالرجل في الخلف قال للسائق ( حجي لتوكف اني اطيك الكروه مال إثنين) .. استمر السائق حسب رغبة الرجل.. ثم اردف قائلا ( مثل ماتحب أستاذ.. بس اكدر اعرف ليش.. إذا مايضايقك سؤالي) .. أجاب الرجل بحركه اعتدل فيها جالساً بجديه مع ابتسامة واثقه ( حجي الصدك اني سيارتي عطلت وخليتهه عند المصلح واضطريت اركب وياكم عندي شغله بساحة الخلاني.. واني صاحب ملهى ليلى وناس هواية تعرفني وخفت هذني البنتين يصعدن يمي واخاف أحد يشوفني ويعتقد البنتين ويايه وياخذ فكره سيئه عنهم) ..
هذه القصتين لنموذجين من نماذج البشر الذي ندعي انحرافهم اجتماعياً، ورغم ذلك فهم يمتلكون عناصر النخوه والغيره على الشرف والعرض.. فلو أردنا اليوم أن نقارن هؤلاء بمن يدير شؤون البلد من أعلى هرمها السلطوي حتى أصغر المتنفذين والمتحكمين من الموظفين الذين يتسلطون على رقاب الفقراء والمساكين، فهل سنجد هناك وجه للمقارنة..
لست أعلم أين ذهبت مروءة هؤلاء الساسه وأين مايدعوه من الشرف والقيم وهم يبتلعون أموال الوطن لأن ليس لديهم حتى وقت لأكل المال.. وينهبون خيرات البلد تاركين المعدمين والأيتام والثكالى والعاطلين والعجزه وكبار السن والأرامل والمنكوبين والمشردين.. أين غيرتهم وهم يدعون ويدفعون بمن لاتستطيع أن تطعم أطفالها إلا على حساب شرفها.. أين شرفهم وهم يدفعون بالمعدمين أن يفتشوا عن لقمتهم في القمامه في بلد النفط والمال.. أين شرفهم وهم يعلمون أن هناك من يفتك به البرد والحر بلا مأوى ويتفاخر بشراء القصور والأراضي من حق هذا الشعب المسكين
ولكن ألا لعنة الله وملائكته ورسله والناس أجمعين عليهم لأنهم يقيناً هم بلا شرف ودين ونخوه وحياء وبيوتهم وعرضهم مجرده من كل أخلاق وقيم ومبادئ طاهره.. وإن الساقطين واللصوص والخارجين عن القانون أيام زمان أشرف منهم وأكثر حرصاً على البشر من الضياع.. في حين اضاعوا بلدا مليء بالخيرات وشعباً مسكينا كان يأمل على يدهم الجدباء الفرج.
مقالات اخرى للكاتب