المشكلة ليست في الدستور وانما في تطبيق الدستور.. هذه العبارة تشمل كل دساتير الدول شرقيها وغربيها.. كلها لديها دساتير تشتمل في معظمها على مواد تحقق العدالة الاجتماعية وتدفع البلد الى الامام. كلها مكتوبة بلغة قانونية احترافية من اساتذة في القانون. كلها تعد مرجعا لحل الازمات وايجاد الحلول في نظر واضعيها. ولكن فقط في هذا البلد, دون كل بلدان العالم, تجد التأكيد على الحقائق السابقة يصدع رؤوسنا صباحا ومساء. اذا صرح رئيس الوزراء الحالي او السابق او الاسبق فكلهم يذكرنا بالامر عينه "الحل في تطبيق مواد الدستور".. وكأنهم يظنون ان الشعب العراقي يعيش في زمن اخر وهو يحتاج الى حكمتهم العميقة واساليبهم العتيقة في شرح الازمات (التي يصنعونها باوامر من جهات عليا) وفي شرح الحلول المقترحة (التي لا يطبقونها). لقد اتفق العقلاء والمجانين في هذا البلد ان الدستور يحتاج الى تطبيق لبعض مواده قبل ان نطالب بتعديلها فمثلا المادة التاسعة عشر من الدستور في فقرتها الثانية عشر تتحدث عن حظر الحجز والتوقيف في اماكن لا تتوافر فيها الرعاية الصحية والاجتماعية وقد التقيت برجل افرج عنه حديثا بعد ست وثلاثين يوما قضاها في الاحتجاز ومن غير ان تصعد اوراقه للقاضي ولم يفرج عنه الا بعد ان دفع اهله مبلغا وقدره عشرة الاف دولار وقد اخبرني عن غرفة الاحتجاز التي تغص بالمحتجزين والذين لا تصعد اوراقهم للقاضي ايضا وبعضهم اكمل السنة في هذه الغرفة وحدثني عن الضرب والاهانات المختلفة التي توجه اليهم من الضباط والجنود على حد سواء. وخذ مثلا اخر المادة التاسعة والعشرون في فقرتها الثالثة تتحدث عن منع استغلال الاطفال اقتصاديا وشوارع العراق اصبحت ممتلئة بالاطفال الذين يتفادى السائقون دهسهم لكثرتهم. ومثل اخر المادة مئة وثلاث وعشرون تتحدث عن منع كبار مسؤولي الدولة من استغلال مناصبهم في اخذ مقاولات وهذا الامر حلوه الجماعة على طريقة "احمد عز" وسأل عن عصام الاسدي تجيبك "الملايين"..!! هذا كله دستور وهناك غيره الكثير ولكن اين وكيف ومتى تطبيقه؟ من ينبغي ان يطبق ويسهر على تطبيق الدستور في المقام الاول هو رئيس الوزراء الذي لا يعرف من الدستور الا عبارة "ان حل الازمات يكمن في الدستور". ان خرق المالكي للدستور والقانون بعدم تطبيقهما اضحى مثلا اعلى لكل افراد الجهاز الاداري المسير لشؤون الدولة فهو يتحجج بالتوافق والمحاصصة تارة وبالفساد والمفسدين تارة اخرى كجواب لاسباب الازمات المتوالية في العراق وعندما تسأله عن الحل يجيب.. اكمل الفراغ..!! المالكي لا يريد تطبيقا حقيقيا للدستور لانه سيحرمه من مزايا صدام التي يتمتع بها, فهو في حل من كثير من المعرقلات والمقيدات القانونية على "اسئثاره" بالحكم في العراق بعدم تطبيق الدستور وتسيد القانون والحسنة الوحيدة التي سيجنيها من تطبيق الدستور هو تحول شعار قائمته الى حقيقة. خلاصة الكلام.. الدستور العراقي يمكن تطبيقه بعد التخلص من نفوذ امريكا وايران وبقية دول الجوار في تسيير شؤون البلد وبعد انتخابات نزيهة حد "الصابون" تنظف العراق من حكومته وبرلمانه ورئاسة جمهوريته وبعد ان تشيع ثقافة العيش المشترك بين عمر وكرار وكاكه حمه وبعد ان يسمح للكفاءات ان تتبؤ المناصب العليا والدنيا وبعد ان يطبق القانون ضد المفسدين الكبار قبل الصغار وبعد ان.. وبعد ان..
مقالات اخرى للكاتب