توصف سنوات القرن الحالي من حياة شعب العراق بانها سنوات التراجع ، السنوات السود .. والزمن الرديء .
وهذه الاوصاف ليست بالكاذبة أو المتجنية المتحاملة بل هي صادقة ، تقول للفأر أنت فأر ولا تقول أنت بلبل ، فالظلام كثير سائد والنـــور ضئيل مطارد ، والعدل مدحور ، والباطل منتصر مؤيد .
كل شيء حولنا وعلى مختلف الاصعدة ، السياســية والفكريـة والاعلامية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، يحض على الولولة ولطـم الخـدود والاستسلام لليـأس بلا شروط ، ولكـنـنا اذا استسلمنا لليـأس نفذنا ما يطمح اعداؤنا في داخل العـــــراق وخارجــه الى نيـله ، بل إن دفعنــا الى الاسـتسلام لليـأس هو الحلقـة الماكـرة الخطـرة في مؤامرتهـم الكبرى على حاضرنا ومستقبلنا .
تـآمروا من أجل تجزئتنــا وتفريقنــا فنجحــوا
تـآمروا من أجل إذلالنـا وقهرنا وتجويعنــا فنجحـوا
تـآمروا من أجل ان يقتـل بعضنـا بعضا فنجـحوا نجاحا لانظير له .
تـآمروا من أجل ان نصبـح أجانب في بلادنــا فنجحـــوا .
وها هـم يريــدون الوصــول الى قلوبنــا وعقولنـا كي نرفـع الرايات البيـض .
والناس ليسوا من حديـد وفـولاذ وصخر بل هم من لحـم ودم ، ومن الطبيعي أن يـيأسـوا ، ولكنهم في الوقـت نفسـه يدركون إن اليأس خصم لا يعرف الشفقة ، وسـيحولهم الى ما يشـبه الطيور المبتـورة الأجنحــة والتي ترحـب ببنـادق الصياديـن .، وتنظر اليها كمخلص ومنقـذ .
والانسـان سـواء أكان عالما أو جاهـلا لا يقبل بهذا المصير وسـيحاول مواجهتـه أو الفرار منه بشـتى الوسائل .
وإذا كنا الآن يائسـين حقا ولاسـباب وجيهة لا علاقـة لها بالمزاج السوداوي فمن الضروري الا نفقد قدرتنا على ان نحلم ، ولا سيما ان انظمة الحكم لم تكشــف بعد أساليب تمكنهـا من منع الناس من ان يحلموا كما يشـاؤون .
وحين نحلم فان احلامنا مهما كانت خيالية هي دليل على ان الأمـل مازال حيا ولم يهلك .
والامــل ســلاح لايهــزم المسـتغيث به .
نستطيع ان نحلم بأنه بعد أشهر ، بعد اعوام ، بعد عشرات الاعوام ، ستأتي أيام محبة للانسان ، وكريمة كرما يؤهل حاتم الطائي لأن يعد واحدا من مشاهير البخلاء .
سيكون لكل مواطـن أربعـة بيـوت ، بيت للصيف ، وآخر للشتاء ، وثالث للربيع ، ورابع للخريف ..
سيكون لكل مواطن اربع زوجات ، وكل زوجة هي مزيج من قمر وورد وشمس وموسيقى .
ستحيا البـلاد من غير حكام ، وكل من يفكر لحظة في أن يصبح حاكما ، يتلاشى فورا ، ويتحول جسده الى غبار بغير تدخل منا .
ستلغى كلمة ( الحرية ) من المعاجم ، وسنكف عن استخدامها في احاديثنا وكتاباتنا لأن استخدامها لا يلجأ اليه الا حين تكون مفقودة أو منقوصة أو مهددة .
واذا نظرنا يوما الى شرطي نظرة توبيخ لطيف ، بكى مناشدا العفو الذي هو من شيم الكرام ، ولم يبادروا الى شتم آبائنـا واجدادنا .
سنشتغل كل يوم ساعات قليلة كنوع من الرياضة الذهنية والبدنية ، ولن نشتغل ليل نهار من اجل الظفر بالقوت اليومي .
واذا جـعنا ، هرعت الينا وفود تمثل مطاعم مختلف انواع الاطعمة ، وسيحاول كل وفد اقناعنا باختياره ، مستخدما لاقناعنا الشعر الموزون المقفى والشعر الحديث والشعر الحر وقصيدة النثر .
ستصبح فضائياتنا وصحفنا ومجلاتنا وكتبنا حدائق خضراء ، ملآى بالشجر المثمر ، وستكف عن ان تكون مستنقعا ووسيلة للوثوب على المال وجاه المناصب .
جيشنا سيقيم باستمرار على الحدود , ومدافعه ستكون دائما مصوبة الى صدور الاعداء .
لن نمرض البتة لان اسباب المرض زالت بزوال التصريحات السياســية المتناقضة .
سيحيا قصير العمر منا مائة سنة من غير شيخوخة ولماذا يشيخ ما دام لم يرتجف رعبا وهو يحملق في صورة زعيم سياسي ؟
أما اذا كان ما سنحلم به لن يتحقق فهو على الاقل سيكون صيحة استهزاء بالذين يريدون لنا ان نيأس كي نظل مطايا لهم
مقالات اخرى للكاتب