السليمانية - باسل الخطيب:
توصل باحث عراقي إلى تسجيل نوع نباتي بري جديد يعيش في قمم جبال إقليم كردستان، له فائدة طبية، واستحداث قطاعين نباتيين ثانويين جديدين، في سبق علمي عالمي "غير مسبوق"، جاء ثمرة رحلة بحثية متميزة، قادته من مدينته السليمانية، (364 كم شمال شرق بغداد)، إلى البصرة أقصى جنوب العراق، ومنها إلى لندن واسطنبول وطهران، بعد أن مسح تضاريس الإقليم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، وكلل جهده بالحصول على أعلى شهادة أكاديمية.
تلك هي خلاصة حكاية الباحث كارزان عمر قادر علي، الذي جسد إصراره على التحصيل العلمي الأكاديمي، مقتدياً بالسلف السالح الذي أوصى بطلبه "حتى لو في الصين"، بدءاً من جامعة السليمانية التقنية، والانخراط في برنامج مشترك للدكتوراه في جامعتي البصرة وليستر Leicester البريطانية، بإشراف البروفسورين عبد الرضا أكبر وجون بيلي. كان "طموحي العلمي أكبر من كل شيء، فتوكلت على الله وبدأت رحلتي البحثية لإكمال دراستي العليا والحصول على الدكتوراه مهما بعدت المسافات وكانت المشقات".
ويضيف الباحث الكردي، لقد "تمكنت من تسجيل نوع نباتي بري جديد يعيش في قمم جبال إقليم كردستان، هو Cousinia silyboides، لأول مرة في العراق، كما استحدثت قطاعين نباتيين ثانويين جديدين، في سبق علمي عالمي، هما Subsec.Odontolepis Alwan & Qader و Subsec.Macrolepis Alwan & Qader، وتبديل اسم النوع النباتي Cousinina arbelensis الذي كان شائعاً بين الباحثين في العالم، إلى الاسم الصحيح له وهو Cousinina aintabensis، بعد أن اكتشف خطأ تلك التسمية من قبل الباحثين الأجانب".ويوضح الباحث كارزان، كما "قمت بدمج بعض الأنواع الضعيفة وغير المتميزة، التي تعود للجنس Cousinina، الذي ينتمي للعائلة المركبة ذات الرأس الذي يحتوي على عدد كبير من الأزهار، ومنها زهرة الشمس، واعتبارها مرادفاً تصنيفياً"، ويتابع "ووجدت أن بعض الأنواع النباتية المتداولة في العراق كأسماء، غير موجودة فعلاً على أرض الواقع أو في المعاشب المحلية، ومنها C.straussi و C.minuta و C.boisseriعلى سبيل المثال لا الحصر".
ويذكر الباحث العراقي الكردي، لقد "أجريت دراسة تصنيفية مقارنة لأنواع الجنس كوزينا تضمنت صفاته المظهرية والتشريحية والوراثية (الكروموسومية) وحبوب اللقاح الخاصة به، فضلاً عن بيئته وتوزيعه الجغرافي، في العراق بعامة، وإقليم كردستان بخاصة"، ويتابع "وفصلت الأنواع جزيئياً بفحص حامضها النووي DNA، لتحديد بصمتها الوراثية ورسم شجرتها التطورية، في خطوة تعد ريادية في العراق".
ويستطرد الباحث كارزان، لقد "قمت بـ42 سفرة حقلية في أنحاء إقليم كردستان من الحدود العراقية الإيرانية، في مناطق بنجوين وحلبجة وكلار، إلى أقصى غربي الإقليم قرب الحدود التركية والسورية، من زاخو ودهوك وجبل سنجار، مروراً بالسليمانية وأربيل والموصل وكركوك، فضلاً عن مناطق وسط العراق، كسامراء والدور وتكريت ومخمور"، ويزيد "قمت بسفرات علمية أخرى إلى خارج العراق لزيارة عدد من المعاشب المعروفة، شملت بريطانيا، معشب Kew ومعشب كلية العلوم في جامعة اسطنبول التركية، ومعشب كلية العلوم جامعة طهران".
ويسترسل الباحث الكردي، "قمت أيضاً بتحديد أماكن العينات التي جمعتها، عن طريق جهاز تحديد المواقع العالمية GPS ضماناً للدقة وأعد جدولاً تفصيلياً بذلك ليكون مرجعاً لباقي الباحثين، بعد أن كان من سبقني يكتفي بتحديد منطقة تواجد النبات بصورة عامة تفتقر للدقة، مثلاً جبل أزمر (3 كم شمال شرقي مدينة السليمانية) أو جنوبي المدينة الفلانية".
ويعرب الباحث كارزان، عن أسفه "لعدم وجود معشب كردستاني يضم الأنواع النباتية كافة في الإقليم، لاسيما أنه يضم امتدادات لسلاسل جبلية تعد ثالث أغنى منطقة بالعالم من حيث تنوعها النباتي، وأن بعض تلك الأنواع مهدد بالانقراض"، ويطالب الجهات العلمية والأكاديمية المعنية في الإقليم، بضرورة "التنبه لتلك الحالة السلبية والإسراع بافتتاح معشب وطني كردستاني فضلاً عن إقامة محميات طبيعية لما لها من أهمية بيئية وعلمية وسياحية في آن معاً".
وبشأن الاستنتاجات التي توصل إليها، يقول الباحث كارزان عمر قادر علي، إنها "عديدة، أبرزها انحسار توزيع بعض أنوع الجنس كوزينيا في مناطق محدودة جداً، بنحو يرجح إمكانية اختفائها من أرض العراق مستقبلاً، ووجود اختلافات كثيرة في صفات بعض أنواع الكوزينيا، نتيجة لاختلاف بيئتها، مما جعل بعض المصنفين العراقيين والأجانب، يصنفون أنواعاً ضعيفة يصعب تمييزها في الحقل، مما أدى لاعتبارها مرادفات تصنيفية، مما قلل عدد الأنواع المسجلة منها في العراق".
ونظراً لكون العائلة المركبة "أكبر عائلة نباتية في العالم والعراق، وتحتوي على العديد من الأجناس والأنواع"، فقد أفضى البحث، بحسب صاحبه، إلى "الفصل بين القريبة منها وفض التداخلات والإشكالات بينها". وفي جانب آخر من بحثه (أطروحته)، يوصي كارزان عمر، بضرورة "إجراء دراسة تصنيفية معمقة للجناس القريبة من جنس كوزينيا في العراق، مثل Arctium الذي يشكل معقدات تصنيفية مع الكوزينيا، للتأكد من صحة مواقع الأنواع في أجناسها، ودراسة الأنواع الهجينة نظراً لتشابه الصفات المظهرية بينها"، مؤكداً أن بعض أنواع الكوزينيا "تتميز بأهمية في علاج أنواع من أمراض السرطان، وتثبيط النمو لبعض أنواع البكتيريا، ما يفتح المجال للاستفادة منها طبياً".
يذكر أن الباحث كارزان عمر قادر علي، حصل على شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز، عن أطروحته الموسومة دراسة تصنيفية لأنواع الجنس (Asteraceae)ِCousinia Cass. Compositae في العراق.. وذلك من كلية العلوم في جامعة البصرة، بالإضافة إلى جامعة ليستر Leicester في بريطانيــــا، بــــإشراف البروفيسور عبد الرضا أكبر والبروفيسور جون بيلي.
ولعل من المفيد الإشارة إلى تعليق المشرف البريطاني البروفيسور جون بيلي، على رسالة الباحث كارزان، لأهميته وما ينطوي عليه من دلالات عميقة، إذ قال إن "الباحث بذل جهداً شاقـــــاً وكان سفيراً ممتازاً لبلده أثناء عمله في بريطانيا، نظراً لكبر هذه العائلة ووجود الكثير من المشـــــتاكل التصنيفية بين أجناسها، وكبر حجم الجنس كوزينيا، وكثــــــرة المشاكل في تشخيص أنواعه، وعدم وجود دراسة سابقة عليهـــــا".
المصدر: المشرق
