يمثل نظام الحكم الحالي سلطة الاليغارشية او القوة المالية الكبرى في العراق. لا تتوفر اي معلومات وثيقة او مصادر جادة عن الثروات المالية للأفراد او الاحزاب او القوى المتحكمة بالسلطة ( التنفذية، التشريعية، القضائية) في البلد، لكن هناك الكثير من المعلومات والتقارير والمؤشرات المصرفية، العالمية والعربية، عن القدرات المالية الخارقة لهذه القوى. تنحصر الان أموال ذات ارقام خيالية في ظاهرة لم يشهدها العراق طوال تاريخه بأيادي مجموعة محدودة من السياسيين الذين يقفون على هرم السلطة ، يتحكمون بمجمل تطورات الوضع السياسي والاقتصادي العراقي.
لا يستطيع أحد ان ينكر التحول السريع الذي صاحب موقع هذه الشخصيات وارتفاعها من قاع المجتمع لتتربع اليوم على قمة هرمه. يتصدر هذه الاسماء نوري المالكي وابنه، على الاديب وابنه ويمكن ايضا اضافة هنا بعض الاسماء الاساسية في قيادة حزب الدعوة، عمار الحكيم وباقر صولاغ الزبيدي وبعض قيادات المجلس، وهادي العامري وابنه، وحسين الشهرستاني وبهاء وحازم الاعرجي ومجموعة من التيار الصدري، إضافة إلى الاسماء ذات الانحدار البورجوازي ومن ابناء عائلات ملاكين منهم أحمد الجلبي ، جلال الطلباني وزوجته وابنه والبارزاني وعائلته ،وصالح المطلق والاخوان النجيفي واياد علاوي وغيرهم من قادة ما يطلق عليهم ممثلي السنة وغيرها من الاسماء التي يتردد ذكرها في قائمة قد تصل الى 200 اسم.
لقد شكلت دورتا حكم نوري المالكي وبالذات الدورة الثانية انطلاق الصعود لهذه الطغمة. تستولي هذه المجموعة على مبالغ تعد بمئات المليارات من الدولارات وتسهم الى جانب هذه المجموعة المرجعيات الدينية. قد نختلف في طول هذه القائمة وعدد اسماءها ولكن من الصعب ان نختلف في وجودها وكيفية وصل معظم اسمائها - الا ما ندر- بطريق مريح الى قمة ثرائها بعد 2003.
في طريق صعودها الى الابراج الذهبية شنت هذه الطغمة هجومها المتواصل ضد شعب بائس فقير خرج مترنحاً من ارهاب وافقار الديكتاتورية الصدامية الساقطة، واسلمته الى سلطة رجال الدين والمليشيات والعشائر، ولم تترك له اي وسيلة يحتمي بها او يدافع بها عن نفسه امام هذا الصعود. فهي لم تكتف بهدم الدولة والتنصل عن اعادة بنائها على اسس حديثة وانما حولت الفساد الى جزء من بنية الدولة واستولت على السلطة القضائية وتحولت السلطة التشريعية في غالبها الى موظفين فاسدين مرتبطين بأجندة هذه الطغمة كشخصيات او احزاب ، لا يجمعهم اي جامع مع واقع شعب ووطن منكوبين. واقع الحال فان غالبية ( ممثلي ) الشعب لا يعدو دورهم سوى كونهم (سراكيل) للشيوخ الجدد.
حولت هذه الطغمة الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات من وسيلة دفاع مشروعة وجادة للتغير الى وسيلة شكلية بإغراقها في عمليات الفساد والتزوير وشراء الذمم وقوانين جائرة ومن المهازل ان يكون رئيس اللجنة القانونية في البرلمان الحالي احد اسماء البارزة في رشوة الناخبين خلال الاعداد للانتخابات البرلمانية الاخيرة.
تعددت اساليب افراغ الانتخابات من مضمونها الحقيقي الذي انعكس بالنهاية على نتائجها. لم يكن اي طرف من المتحكمين في الوضع الحالي برئ من هذا الامر. لا يبدو في الافق القادم ان هذه الطغمة تتوجه لتغيير هذا النمط او السلوك، حيث يكسبها الشرعية القانونية في التحكم بالدولة والمجتمع، بل على العكس فهي سائرة لتعميقه. هذه الطغمة عازمة بما لا يقبل الشك على تجريد الشعب العراقي من اية وسيلة جادة للدفاع عن نفسه ضد هذا الهجوم المتواصل. هناك العشرات من الامثلة للقوانين والقرارات والاجراءات وغيرها مما يؤكد هذا الامر. وكما اظهرت تجربة السنوات الماضية فأن الخلافات بين اطراف هذه الطغمة لم تكن عقبة على اصدار قوانين او ممارسات انتخابية تخدم تسيدها.
الفساد والسرقة والاستحواذ وكل اشكال النشاط الطفيلي ،غير الشرعي، هو الطريق الاساسي لصعود هذه الطغمة. ساهمت عوامل عديدة في تكوين هذه الطغمة واحتلت مكانة البرجوازية الطفيلية للنظام السابق واعادت تشكيلها بما يتناسب مع القوى القادمة مع الاحتلال الامريكي . لذلك كانت القاعدة الاساسية فيها من ممثلي احزاب الاسلام السياسي الشيعي ثم القوى الكردية ، ثم لاحقا القوى السنية بشكلها السياسي او العشائري. لم يكن هذا الامر بعيداً عن توجه الامريكيين وانما كان من صلب سياستهم وهي طريق مجرب من قبلهم، اكتسب مشروعهم السابق ملامحه الكاملة في تجربة اوربا الشرقية بعد انهيار جدار برلين رغم خصوصية كل من هذه البلدان. عمليا تحول كل قادة الكتل المتنفذة بدون استثناء الى الاقطاب الاساسية لهذه الطغمة. على المستوى السياسي الحزبي لكي يتم تجاوز عقبة تحويل قيادات هذه الاحزاب الى جزء من هذه الطغمة والتي يبدو انها لم تكن عقبة متعبة، فقد اتخذت اجراءات عديدة بهذا الصدد .عمليا كانت قيادات هذه الاحزاب منسجمة فيما بينها بهذا التوجه ومنسجمة مع قادة احزبها وعملت بحجة النظام المنهار بتكوين قاعدة اقتصادية من الخاصة، بما يؤمن لها السيادة والسيطرة السياسية، غير متناسين تجربة صدام وحزبه حين خلق هذا التوجه بما فيه استقطاعات نسبة من النفط لخزينة البعث كي يؤمن دخوله من الشباك في حالة اخراجه من الباب في حالة نجاح انقلاب عسكري او حراك جماهيري. يمكن هنا رصد ما قام به نوري المالكي في دورته الثانية بزج معظم قيادات الدعوة الاساسية وصفوف كادره الاول في إدارة الدولة، سواء على مستوى المحافظات او الدولة، وارتبطت لاحقا اكبر عمليات الفساد والاثراء الغير مشروع بأسماء هذه القيادات . حجز حزب الدعوة تقريبا كل مواقع المفتشين الماليين في الوزرات التي كانت تحت هيمنته او خارج هيمنته وبالتالي اخضعها لمراقبته وامكانية ابتزازها. على هذا النهج سار الكثير من احزاب هذه الطغمة وقبلها قامت الاحزاب الكردية المتنفذة بدلهم من خلال ممارساتها على هذا الطريق. الغريب لم نسمع يوما الا في حالات نادرة من ان القيادات العليا او الوسطية لهذه الاحزاب ادانت او انتقدت ارتباط اسماء قيادتها بالفساد والارهاب وغيرها.
تستند أغلب عناصر هذه الطغمة الى شبكة من المقاولين الفاشلين والشركات والبنوك الوهمية. لم يعد سراً بان كل اسماء القيادات ترتبط بأسماء مقاولين او شركات او بنوك او مؤسسات وهمية مسؤولة عن معظم عمليات الفساد. تستند هذه الشركات او البنوك والمقاولات وغيرها في نشاطها على دعم ممثلي هذه الاحزاب وعملائها في سلطات الدولة المختلفة ،سواء على مستوى المحافظات او على مستوى العراق. كل قطب من اقطاب هذه الطغمة كأفراد او احزاب من هذه المجموعة يمكن وبدون اي جهد ان نضع امامه اسماء مجموعة من المقاولين او الشركات الوهمية وغيرها . مثلا يرتبط عصام الاسدي بالمالكي، خميس الخنجر بمثلي السنة، محمد رضا الشهرستاني مقابل حسين الشهرستاني وهلم جرا. تستند هذه الطغمة الى شبكة واسعة من الموظفين الكبار سواء ما بقي من الادارة السابقة او ما جرى استحداثه لاحقا. هم في الغالب سراق وفاسدون يفتقدون للكفاءة وللوطنية. لقد وجدت هذه الطغمة في الكثير من إدارات النظام الساقط من يؤمن صعودها ومواصلة هجومها . مثلا هناك أكثر من 490 درجة خاصة تكلف الدولة 18% من موازنتها التشغيلية ووجود مدراء عامين من دون دوائر او صلاحيات أو مهام. في تقرير هيئة النزاهة الذي قدم في مؤتمرها الصحفي 15 يناير 2015 أشار الى مجمل المدانين بقضايا فساد خلال عام 2014 بلغ 1736. التقرير لم يشمل ثلاثة محافظات بسب اوضاعها الامنية وسيطرة داعش. الحديث يجري هنا عن كبار الموظفين.
تنشط هذه الطغمة في ما يسمى بالاقتصاد الخفي بل بالأحرى انها تقود هذا الاقتصاد وتسيطر على معظم مجالات الاقتصاد من تهريب النفط الى نظام الرشاوى، التي تفرض مسبقا على نشاطات الدولة الاقتصادية وهي نسبة 20% اضافة لعمليات تهريب النفط، والمقاولات والتجارة وبيع الاسلحة وغيرها من اوجه النشاطات الاقتصادية، بحيث لم يعد هناك نشاط اقتصادي في العراق لا يخضع الى سيطرة هذه الطغمة المالية ولا يستطيع قطاع الدولة أو الخاص انجاز اي شيء بدون اشراف هذه الطغمة وشبكاتها، وتعد شريكاتها الحقيقية أو الوهمية أو وسطائها هي المنفذ الحقيقي للمشروعات، التي لم نجد اي منها الا وهميتها او شكليتها وفساد تنفيذها.
رغم التنظير الذي شهدته فترة معارضة النظام الدكتاتوري الساقط لفلسفة ادارة الدولة والاقتصاد والمجتمع للأحزاب التي جاءت منها هذه الرؤوس ، سواء في نقد ومعارضة سياسيات النظام المنهار او في مجال طرح البديل المستقبلي، الا ان انعطاف الاوضاع وانهيار النظام، اظهر هشاشة هذا التنظير، الذي لم يكن في اكثر جوانبه ليس سوى حشو مدرسي، ولم يجدوا في كل تنظيرهم هذا، خير من اليات النظام الساقط في ادارة الدولة والمجتمع مع اضفاء الصبغة الاسلامية او الطائفية او الديمقراطية وغيرها عليها. فهي ازالت راس النظام ومجدت الية ادارته من خلال مواصلة العمل بها، بل ان من المؤسف ان يصل الانحطاط في ادارة الدولة والمجتمع من ان تجد قطاعات غير قليلة من العراقيين ومن المناطق المتضررة من النظام السابق تتندم على سقوطه.
لم تكتف هذه القوى بالمحاصصة الطائفية الاثنية كنظام للحكم وانما تسعى لتأييده من خلال عدة طرق وهي عديدة من ضمنها استيلائها على معظم منظمات المجتمع المدني ، التي ظهرت بعد 2003 بحيث لم تعد الكثير من هذه المنظمات سوى واجهات شكلية لأحزاب ولقوى معينة ، تسعى لتخريب تنظيم المجتمع على اسس مدنية، ولم تتوانَ في اغراق الساحة بالعديد من الواجهات الحزبية والانتخابية المرتبطة بهذه الفئة. عمقت هذه الطغمة مظاهر تمزيق المجتمع وتفكيكه وعزله بكسر حالة التضامن ، وقد اخذت هذه السياسية مديات كبيرة في المجتمع، فرضت وتفرض شروطاً على طريقة حياة الناس ولم يبدو غريب مثلا إن احد اعمدة هذه الطغمة يلعب دور الشرطي في تفتيش باعة الارصفة والمحلات وتكسير الاقراص الموسيقية المدمجة. لم يتردد الرجل ( المعمم ) او يخجل في هذا الامر ولم يكن سوى حالة طبيعية في مجتمع يقاد بعيدا عن الحضارة والتمدن. لم يبق موقع في حياة العراقيين لا يجري الضرب عليه.
لا تقوم هذه الطغمة بتجهيل الشعب فقط وانما بإغرائه في الاستمرار بالجهل . تحولت ،مثلا ، ما يطلق عليه بالشعائر الحسينية او الاعراف العشائرية او المناسبات الدينية وغيرها الى مادة لتعطيل الحياة في الدولة والمجتمع وخلق قطاعات خاملة عاجزة حتى عن التفكير او بالأحرى احترام العقل، بل تجدها منقادة لهذا الامر وتجد فيه مناسبة لملء البطون واوقات الفراغ. حتى بدا ان الموطن يخاف ان يفكر مع نفسه بأنه لو استخدمت هذه الاموال التي صرفت على هذه الشعائر او المناسبات الدينية في بناء المستشفيات والمدارس وبيوت العجزة ومساعدة الارامل والايتام وغيرها لحققت خدمة جادة للعراقيين. لقد انهت نظام التعليم الجاد في العراق ولا نستغرب ان يتبادل اطرافها من احزاب الاسلام السياسي ( السنية ) و(الشيعية ) استئزار وزارة التعليم العالي والتربية. خربت نظام الصحة، الثقافة، الزراعة, التجارة وغيرها من نواحي الدولة والمجتمع. وحولت قطاعات واسعة من العراقيين الى فئات عاطلة التفكير، استهلاكية، لا يهمها سوى كيفية الحصول على فتات ما ترميه هذه الفئة لها. لقد اصبحت الوطنية ابخس عملة في العراق ( الجديد ) بحيث بات كل طرف يستدعي حليفه الاقليمي بالتدخل في العراق وبات البعض يتباهى بهذا الامر والاخر يتحسر لعدم مساندة او تدخل حليفه الاقليمي. لقد خسر الكثير من العراقيين بسب هذا الامر رأسمالهم الاهم وهو الوطنية. باختصار خربت كل نواحي الحياة التي هي مخربة اصلا بفعل سياسات النظام الساقط. كل منا يمكن ان يلمس هذا الامر و يمكن ان يضيف المئات من الامثلة.
هذه الطغمة متنوعة الاطراف ، جاءت عبر طريق ( الاستثمارات السياسية ) ، ولا تمتلك تصورات واضحة عن مسارات طريقها القادم. تنوعها يفرض تناقضاتها العديدة ،التي لم تجد الية واضحة لحلها الا عبر المحاصصة. لم تستطع ان تقيم حزبها الموحد لأسباب عديدة مما يعبر عن لا مدنية هذه الطغمة. ورغم اختلاف اطراف هذه الطغمة وقواها السياسية وحتى استخدام العنف المسلح فيما بينها لحل خلافاتها، الا إن هناك دائما مشتركات اقوى لخلق توازن معين يطلق عليه تزويقاً ضمان استمرار العملية السياسية.
يشكل العنف حيزاً هاماً في منظومتها الفكرية وممارستها العملية، يبدو انها غير قادرة عن التخلي عن هذا الامر الذي يرتبط بأسباب عديدة يتعدى شدة الصراع بين اطرافها على مواقع القوى ليمتد الى دور العامل الاقليمي والصراعات التي تحول العراق بسبها الى ساحة لها وطبيعة الارث التاريخي الديني وغيرها من الاسباب العديدة.
كانت رسالة نظام المالكي واضحة في اول تصدي جاد لسياسته وذلك بالتصدي للاحتجاجات في شباط 2010، اضافة لمواصلة سلوك السلطة على هذا المنوال في قمع العديد من الفعاليات التي جرت . لقد ابدت هذه القوى استعدادها لقمع اي تحرك جاد يمكن ان يكتسب صفة الوطنية وامكانية انتشاره خارج العاصمة. يمكن الاشارة لمثالين يبدوان انهما عابران ولكنهما تعكسان شيئاً من طريقة تفكير وتعامل هذه الطغمة وهي ان المالكي بعد فوز قائمته في الانتخابات الاخيرة كان اول لقاء له مع قيس الخزعلي رئيس (العصائب) وكانت رسالة المالكي واضحة في هذا الامر. يمكن كذلك المرور العابر على الارهاب الذي واجهه احد صحفي الكاريكتير لمجرد رسمه بورتريت لخامنئي قاد في نهاية الامر لوفاة الصحفي بأزمة قلبية. المثل الآخر هو اتهام عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني باغتيال صحفي شاب شيوعي ومن عائلة قدمت التضحيات من اجل الشعب الكردي لمجرد ان تطرق لاسمه او صورته في مقالة في جريدة محلية حول الفساد.
المليشيات هي اليد الضاربة للجناح ( الشيعي ) لهذه الطغمة وبها يحقق طبيعة التوزان في هذه الطغمة والذي تترتب عليه نتائج عديدة واعادة تعديل التوازن يتطلب الان كما يفكر البعض وجود مليشيات ( سنية ) . الميليشيات او فرق الاغتيال او مجاميع للتفجيرات ترتبط بدون استثناء برؤوس هذه الطغمة، أضافة لخضوع العديد من اجهزة الامن والدفاع لها ولا يختلف هذا الامر كثيراُ في الاقليم. واقع الحال فان المحافظات العراقية هي في قبضة المليشيات. حتى محافظات الوسط والجنوب والتي تتمتع بالأمان النسبي، فانه في حالة اي تحرك او اصطفاف جديد، فان هذه المليشيات ( النائمة) متهيئة وقادرة على احتلال هذه المدن خلال فترة قصيرة جدا ولها خطة طوارئ لا تخضع لأجندة عراقية فقط وانما لأجندة ايرانية. يراد للمليشيات بكل انواعها الطائفية والقومية ان تكون المقرر الحقيقي لحالة البلد ولخلق التوازنات الداخلية والاقليمية.
لن تخوض هذه الطغمة حقل الاستثمار في العراق وملاعبها الاساسية خارج العراق، في الاردن والامارات والكويت ومصر، وتندفع الان باتجاه المغرب. يجري الحديث الصاخب عن قانون للاستثمار وبيئة الاستثمار وغيرها، في الوقت الذي تمتلك فيه هذه الطغمة قدرات مالية اكبر بكثير من قدرات الرأسمال الاجنبي ولكنها ذات سيكولوجية معتمدة على السرقة والنهب والحصول على الاموال بأسهل الطرق دون ان تكلف نفسها اي عناء، مقابل هذا الاتجاه تقوم بتهريب رؤوس الاموال للخارج من اجل استثمارها خارج البلاد. مثال عابر عن هذا الامر، فقد توفرت خلال السنة الماضية ، وهي معلومة موثوقة المصدر، اموالا طائلة في ايادي المشرفين على الحضرة العباسية في كربلاء، فما كان منهم سوى استضافة احد دبلوماسي السفارة الهولندية في العراق للتباحث معها حول امكانية استثمار اموال الحضرة العباسية في هولندا. قامت ممثلة السفارة بزيارة الحضرة العباسية وجرى الاتفاق على دعوة خمسة منهم لزيارة هولندا. بعيدا عن مدى ما اسفرت عنه هذه المباحثات الا ان الامر يعكس سيكولوجية هذه الفئات، بحيث يعز عليها توظيف اموال الحضرة العباسية وهي اساساً اموال عراقية في العراق ولكن لا يعز عليهم استثمارها في هولندا..!
هذه الطغمة تواصل هجومها بالقضاء على الدولة وهنا سيظهر اتجاه اخر ربما سيأخذ طريقه في السنوات القادمة هو تفكك القطاعات الاساسية في الاقتصاد العراقي من خلال خصخصتها باعتبارها مشاريع خاسرة وبالتالي انهاء الوجود الحقيقي للدولة وتحويلها الى ملكية شخصية.
يبدو ان بيضات العبادي لن تفقس عن شيء جاد، فرغم مرور عدة اشهر على وصوله لسدة السلطة الا ان توجهاته او سياسته لم تسفر عن نهج او سلوك مغاير او بديل. فلا تبدو بيضاته مخصبة ولا ريشه قادر على تدفئتها. فهو لن يكون بوتين العراق ولا شيء يجمعه بهذا النهج. وصوله الى رئاسة الوزراء عبر عن بعض المواقف العقلانية من بين اطراف هذه الطغمة وبالذات جناح المرجعية الشيعية لضبط تصاعد الصراعات بين الاطراف المتعددة في هذه الطغمة وظهور مؤشرات قوية على أن الجرة لن تبقى سالمة خاصة بعد السياسة الهوجاء للمالكي والتي قادت بالنهاية لوصول داعش على عتبة بغداد. تاريخيا تمتلك المرجعيات تجربة ضخمة مع العوام فيها الكثير من المرارة ولا تغريها هذه الاعداد الهادرة بالتأييد لها، فحين تخرج العامة الى الشارع وبالذات في العراق فأنها لن تبقي اخضراً او يابساً خاصة في مجتمع لم تتواجد فيه للدولة او للمجتمع اسس للتنظيم الحديث وفي مجتمع جرد ويجرد من كل اسلحة الدفاع عن نفسه. لقد ابدت اوساطاً واسعة من العراقيين خنوعها المذل والمهين والقبول بهذه السياسة العدوانية بعيدا عن التبريرات التي يحاول ان يجدها البعض لهذا الامر، اضافة لتخليها عن منطق التفكير السليم والتنازل عن حقوقها وحلمها بالمستقبل ولكن هذا الامر، لا يعني ان صمام الامان قادر في كل الاوقات على ضبط الامور. إن الاوضاع القائمة، خاصة في ظل تعدد محور الصراع وفقدان الدولة لهيبتها واكتشاف العراقيين هذا الضعف يوميا، يجعل دار السيد غير مأمونة. عموما تسعى هذه الاطراف العقلانية او الواقعية ان تجد انسجاما بين المفهوم الفقهي وواقع الناس المنحط وبين اساطين المال والثروة الذين يدورون في فلك الاسلام السياسي. والاهم بين المفهوم الشيعي للعدالة والمساواة و( المظلومية ) وبين السياسات التي افرزتها احزاب الاسلام السياسي الشيعي باعتبارها اللاعب الاساسي في المسرح.
هذه الطغمة، هي قوى في جوهرها يمينية، رجعية، لا وطنية ذات تبعية دولية واقليمية ولكنها على قدرة عالية من الديماغوجية. تتخذ من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية كنظام سياسي يُؤمن مصالحها، اثبتت تجربة حكمها خلال السنوات السابقة انها ابعد ما تكون من ان تتخلى عن هذا النظام وهي تسعى لتأييده. يشكل الفساد والافساد جزءً اساسيا من بنيتها وهي غير معنية ببناء الدولة على اسس حديثة. هي طغمة مسكونة بالعنف والخرافة وتظهر في سلوكها نزعات فاشية وهذه النزعات يمكن ان تتطور الى سلوك. لا يجمعها اي جامع مع اكساب الديمقراطية الشكلية اليات حقيقة لتحويلها لنهج في ادارة الدولة والمجتمع وهي بعيدة كل البعد عن مفهوم تبادل السلطة الا ضمن نطاق اطارها وحتى في هذا الامر تخوض صراعات عنيفة لإبقاء التوازن الحالي. هي قوى متخلفة غير معنية بتحديث المجتمع وتعتمد في جل سلوكها على رجال الدين والعشائر والمليشيات وشبكة واسعة من الموظفين الفاسدين و( المثقفين ) المرتزقة. هي طغمة معادية لمصالح الشعب ولا تمتلك اي مشروع او تصور او ارادة حقيقية لإعادة بناء الدولة او المجتمع او تحديثهما.
تكتسب تحديد بينة السلطة وقواها المتنفذة وممارساتها السياسية وسيكولوجيتها من قبل القوى الوطنية والديمقراطية وكل من تعز عليه قضية العراق والعراقيين ، أهمية كبرى في تحديد طرق التعامل معها
مقالات اخرى للكاتب