الى بريدي الإلكتروني وصلني كتاب الشاعرة المدهشة رسمية محيبس زاير ، عنوان الكتاب هو .. كزار حنتوش .. الشعر مقابل الحب ، وللذي لا يعرف من القراء الأعزاء العلاقة الدافئة والشفافة التي كانت تربط الشاعرة رسمية بزوجها الراحل كزار حنتوش فأقول ان الوسط الثقافي احتفى بهذه الزيجة بحرص وحب منقطع النظير، واقيمت على شرفها الجلسات الشعرية ولعل ابرزها الأمسية التي اقامها الشاعر الشعبي الشهير عريان السيد خلف في مدينة الديوانية والتي اهدى ريع تذاكرها كهدية لدعم زواج القروي كزار من عصفورة الشطرة ، كما ان الشاعر حميد سعيد قدم مبلغا ماليا محترما في ظرف حصار مرير كهدية الى صديقه الشاعر القروي لسد بعض حاجيات العرس الشاعري ، وبحكم علاقتي المتينة مع شاعر الغابة الحمراء فقد حرص على الإستئناس برأيي حول مسألة زواجه من الشاعرة رسمية ، وقد شجعته على هذه الخطوة الناجعة واضعا تجربتي بالزواج امام ناظريه وكيف ان زواجي جعلني استقر بمأوى ثابت مع وجبات طعام منتظمة وملابس نظيفة ومكوية بعد ان تنهابنا الضياع والتشرد في ازقة الحيدر خانة ومصاطب ساحتي الميدان والنصر والأنفاق المظلمة والفنادق الرخيصة المزدحمة اسرتها المتعفنة بالبراغيث والقمل ، وتحمس صديقي كزار لمشروع زواجه حتى تحقق له ذلك ، تذكرت ذلك بعد ان شدّني بقوة ساحرة كتاب الشاعرة رسمية من سطور صفحته الأولى عندما تصف لحظات الخوف والقلق في ليلتها الأولى مع الشاعر الصعلوك كزار وهي لا تعرف بعد مزاجه وطباعه وطريقة تعامله حتى تصفه بالقارة المجهولة التي لاتعرف كيف تكتشفها ، لكنها تشعر بالأمان بعد حين وهي تقرأ قصاصة ورق علقها زوجها الحنتوش على جدار غرفة العرس يقول فيها : قوديني كخروف ضال نحو ربيعك ، خليني ارعى بين بساتينك وينابيعك ،انت الطين الحرّي وانا الماء ، فلنمتزج الآن قيمر معدان ، ويأخذنا كتابها بلغة صادقة ومتدفقة وسرد ناعم وشفيف الى اسرار حياتها التي امتزجت شعريا بحياة الحنتوش العفوية والماطرة طيبة انىّ ارتحل او اقام والمفارقات التي لا تعد ولاتحصى بينهما ، اذ تقول الشاعرة رسمية انها طلبت منه ان يشتري لها المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر مظفر النوّاب من بغداد ، لكنه بعد غياب ليومين في مخابئها عاد الى الديوانية خالي الوفاض ولما سألته عما اوصته اجابها ان الرجل الذي جلس بجواره في الحافلة طلب منه ان يتصفح الكتاب ولما اعاده اليه رفض كزار ان يأخذه لأنه شعر ان ثمة توق في عيني الرجل للإستحواذ على الكتاب وهكذا اهداه اياه ، وبقدر مايحمل كتاب الشاعرة المبدعة رسمية من تداعيات مشوّقة ترغمك على اكمال مطالعته حتى الورقة الأخيرة دون ان تشعر بالسأم او الملل ، تكتشف ايضا طباع الشاعر كزار حنتوش وطريقة تعامله الإنساني العفوي مع اصدقائه والناس البسطاء ، ولست مغاليا اذا ماقلت انه الشاعر العراقي الوحيد الذي يتمتع بشعبية ضاربة بين اناس مدينته الديوانية وشهرة واسعة في ارجاء الوطن ، ولذا جاء كتاب رسمية حافلا ًبالحكايا المثيرة والمدهشة عن حياة كزار ، كما ان الكتاب يعتبر من الإبداعات المتفردة لأن مكتبتنا العراقية تكاد تخلو تماما من كتاب بهذا المحتوى والتجنيس ، فلم اقرأ كتابا عراقيا واحداً يتحدث عن علاقة شاعرة بزوجها الشاعر ، لكني قرأت لسيمون دي بوفوار كتابها وداعا سارتر الذي يتناول علاقتها مع الوجودي جان بول سارتر ، مثلما قرأت الرسائل المتبادلة بين الأديبة مي زيادة والشاعر جبران خليل جبران ، اجل لم اعثر على كتاب عراقي واحد يتناول بالسرد العلاقة الزوجية بين شاعرة وشاعر عراقيين ، واتمنى على المؤسسات الثقافية واولها اتحاد ادباء العراق دعوة الشاعرة رسمية والإحتفاء بكتابها الممتع الذي يعد من بواكير الكتب التي تهتم بهذا التدوين الأسري، لقد برهنت الشاعرة رسمية على وفائها وعشقها لرفيق دربها الشعري وقدمت شهادة زاخرة عن ارث شاعر بقامة كزار حنتوش لن يتكرر بعد مئة عام ، حيث تكتب اهداء في مقدمة الكتاب بغاية البراءة واللوعة والروعة تقول فيه ..الى روحه الكرستال وذكراه اليانعة في وجداني حتى القاه، وصدقت الشاعرة رسمية حد البكاء في زمن اصبح الوفاء فيه من الخصال النادرة .