تقول الحكاية أن بغداد كانت منفى لولاة الدولة العثمانية، وكانوا لا يجمعون الواردات للاستانة، فقرر الباب العالي ارسال والٍ من طراز خاص وتم افهامه سبب اقالة الولاة السابقين وهو عدم رفدهم الخزينة.
وصل الوالي الجديد لبغداد، تسلم منصبه واستفسر من الخزندار عن وضع الميزانية، فأجابه: باشا ولا مجيدي! فاعتقد ان سلفه قد تصرف بها، وبعد اشهر استدعى الخزندار وسأله عن الاموال، فأجابه: باشا ولا قمري! فاستغرب الباشا وصاح به: ليش، ماكو ضريبة؟ ماكو غرامة؟ ماكو عركات.. محاكم.. زواج؟
اجابه الخزندار: باشا، بغداد هي هالشكل مابيها وارد من زمان. فكر الوالي في حلّ لان عليه ان يرسل نهاية السنة ايرادات الى الاستانة حتى لا يغضب عليه الباب العالي، هنا توصل الى خطة وقال لرئيس الجندرمة: يوم الجمعة قبل الصلاة اريدك تجيب لي بالقشلة كل التجار وأهل المصالح.
في الموعد، جلس الوالي على المنصة، صفق بيديه فدخل احد الخدم يقود عربة عليها صور، فقال الباشا: (بابا تجار، هذوله شنو، نواب لو وزراء؟) فجاءه الجواب: باشا هذوله نواب، فقال: (متأكدين؟) قالوا جميعا: نعم، قال: (آني اكول همه السادة الوزراء) قالوا: (لا مولانا، احنه نعرفهم لان صورهم تارسه بغداد، وحتى شفناهم يوزعون سندات أراضي ويلمون اصوات)، هنا غضب الباشا وصاح: (وين الجلاد، اريد اقطع روس هذوله التجار!!) حصل هرج ومرج وقام المفتي والسيد والاعيان يتوسلون بالباشا، فهدأ وقال: (زين، راح أعفو، بس خمسين ليرة ذهب جزاء كل واحد) فما كان من الجماعة الا أن اخرجوا الليرات ودفعوها وهم صاغرون وسارعوا بالخروج.
نادى منادي الوالي ان البندرجية مطلوبون، وهؤلاء كل ظنهم ان الموضوع سيكون سهلا بعد أن شاهدوا ما حدث، وتكرر المشهد وعندما سأل الوالي (بابا بندرجية، هذوله شنو، نواب لو وزراء؟) اجاب الجميع بصوت واحد: (مولانا هذوله وزراء) أجابهم: (آني اكول همه الاخوة النواب)، قالوا: (لا مولانا، احنه نعرفهم لان همه ذوله اللي وقعوا على إلغاء البطاقة التموينية)، هنا غضب الباشا وصاح: (وين الجلاد؟) حصل هرج ومرج ومن جديد قام المفتي والسيد والاعيان يتوسلون بالباشا، فهدأ وبدورهم اخرجوا الليرات ودفعوها وسارعوا بالخروج ركضا.
ثم نادى المنادي على أهل الخانات والجايخانات للوقوف بين يدي الوالي، وهؤلاء شاهدوا ما جرى فصعب الامر عليهم، لان الوالي لا يقتنع. فتكرر العرض نفسه وقال الوالي: (بابا جماعة الخانات والجايخانات، هذوله شنو، نواب لو وزراء؟) فما كان منهم الا أن فوضوا "بهلول" جليس المقاهي ليكفهم شرّ القتال، فنهض وقال: (باشا، هذوله لا همه وزراء ولا همه نواب، هذوله غضب من رب العالمين ونزل علينه.. وهاي جامعيلك كل واحد خمسين ليرة وخلينا نولي ويرحم والديك)، فاستهجن الوالي كلامه ونهره:
ـ ايبااااااااه.. بهلول أفندي صاير محلل سياسي!
مقالات اخرى للكاتب