كتب رسلي المالكي: ان تقرا على شريط الاخبار خبر وقوع انفجار ارهابي ليس كما تعيش الحاله و تشاهد ما يحدث بعينك المجرده .. بلا كاميرات .. و لا نص على جريده .
اليوم صباحا ، هز انفجار سيارة مفخخه مبنى الدائره التي اعمل بها (مستشفى) و المباني المجاورة لها ، لوهله و في لحظه ، تحول كل شئ الى نظره سوداء مشوشه مصحوبه بغبار و صدمه صوتيه عنيفه .. ليت ان كل شئ انتهى الى هنا .. لكن كان الاسوأ لم يكن قد حدث بعد .
في وظيفتي التي ترتب علي جمع معلومات المصابين و الجرحى و حالاتهم و ارسالها الى المديريه ، كنت في الممرات اتابع سير نقالات الجرحى ، معظمهم من رجال الشرطه ، كان مشهدا لا يبدو و كانه جديد على العراق حيث نرى مشاهد مماثله دائما .
الكارثه حدثت عندما ادخل شاب على نقاله مسرعه الى غرفة الطوارئ ، كان مصابا في صدره و عنقه على مايبدو ، كان اسوا المصابين حالة ، فدمه كان قد غطى صدره و لم يبد واعيا .
ادخل الى غرفة الطوارئ ، و اثناء متابعتي ضمن الكادر ، فهمت انه قد وصل مفارقا الحياة .
كانت الفوضى في كل مكان ، النقالات التي تنقل الجرحى ، الدماء في غرفة الطوارئ ، الكادر كله اصبح كخلية نحل ، لم يكن هناك فرق بين عامل تنظيف يسحب " سدية " جريح ، و طبيب .. و فني او اداري .. الجميع يريد ان يساهم بانقاذ الجميع .
في خضم كل ذلك ، دخلت فتاة في العشرينات من العمر ، شقراء ، تبدو من عائلة متعلمه ، وقد بدا عليها الانهيار و الصدمه ، دخلت و حشرت نفسها بين اجساد الاطباء و سديات الجرحى ، لتصل الى اخيها الممدد على النقاله ... جثة هامده !
كان الالم يعتصرنا جميعا و هي تتوسل اخاها ان يصحو من غفوته ، كان تصرخ بهستريا ، و بوجع .. ولم تشأ ان تصدق انه فعلا .. رحل !
و بينما هي كذلك ، دخل والدها لياخذ نصيبه من الصدمه القاتله ، كان يصرخ و يبكي و لم يدر ماذا يفعل ، لم يكن في ايدينا حيله ، لقد فقدنا ابنه قبل ان يصل المستشفى .
خرجت الفتاة و جلست الى جانب ابيها و هم في حالة وجع ، و الم ، و يكاء وفقد ، كان يتوجب علي جمع معلومات الشهيد منهم ، لكن و هم في هذه الحال ، كيف ؟؟!!
جلست الى جانبها ، كنت اشعر انني استطيع التحدث اليها اكثر من والدها الذي فقد صوابه ، كانت اقوى ، سالتها : هل بامكاني التعرف الى اسمه ؟ صرخت بوجهي و قالت : اسمه ؟؟ وهل رحل كي تاخذ اسمه ؟!
انتابني سيل من المشاعر التي لا توصف ، قلت : حتى و ان كان جريحا فقط ، احتاج الى اسمه او الى اي ورقه ثبوتيه ! قالت لي اسمه ، محمد .. الطالب في كلية الصيدله - المرحله الثانيه ..
قلت : كم عمره ؟ نظرت الى عيني بتركيز و شرود في آن واحد ، حدقت الي ، بدا كل شئ حولي و كانه بلا صوت ، كانت نظرتها تريد ان تبوح بشئ ، كل الفوضى حولنا و الضجيج تحول في مسمعي الى صمت مطبق ، جالت بعينيها يمينا و عاودت النظر الي ، قالت : اليوم عيد ميلاده !
شعرت و كان كل مسامة في جسمي اخترقته ابرة حادة ، كان الموظفون حولي ينظرن الينا ، لم اشا ان ابدو فاقدا للسيطرة على مشاعري ، تظاهرت باني اكتب المعلومات ، ثم نهضت و رحلت .
وصل اخاه الى المستشفى و هو طبيب ، او طالب طب كما فهمت ، و هنا عرفت السبب الذي جعل الفتاة اقوى من ابيها ، لقد كانت بانتظار اخيها الطبيب ليتفحص جثة اخوهم ، عله حي الى الان ، فلم تشا ان تصدق كلام اطباء المستشفى بانه رحل ، وصل الاخ الى جثة اخيه ، و خرج ، و حينما ابلغناه ان علينا نقله الى الطب العدلي ، انهارت الفتاة ، صرخت بوجه اخيها الطبيب : " انتظرتك لتخبرني بانه لا يزال حيا !! محمد مات ؟!!" ..
بدوت و كاني اعيش حلما كئيبا و مزعجا ، لقد تم تدمير عائلة باسرها بقتل ابنهم في عز شبابه ، مشيت الى مكتبي وصوت الفتاة و صراخها يعلو في باحة المستشفى ، كان خداها ملطخين بدم اخيها الذي انحنت عليه مضرجا بدمه ، دخلت الى مكتبي ، و انا اتخيل اكثر من مليون قصة مشابهه حدثت في العراق بعد 2003 .
لا عزاء لنا ، و كلنا ننتظر الطابور ، الحمد لله انني اعلق قرص الهويه برقبتي منقوش عليه اسمي و فصيلة دمي ، فلا احد يعلم متى سيكون التالي .
رسلي المالكي
بتاريخ الفاجعه
15-5-2014