في الطريق الى مطار بغداد الدولي يوم السبت الموافق 7/6/2014 افتقد وفدنا المغادر الى الصين في دورة تدريبية احد اعضاء الوفد ، وبعد التدقيق في الاسماء وجدنا ان زميلنا (عبد الرحمن) وهو من سكنة الموصل هو العضو المفقود ، وبعد الاتصال به من قبل مسؤول الفريق اخبرنا بأن عبد الرحمن الموصلي تعذر عليه السفر الى بغداد للمغادرة مع الوفد لأن الاوضاع الامنية في الموصل مضطربة ..
آنذاك توجسنا خيفة الا اننا لم نتصور مطلقا ان الموصل سوف تسقط بيد العصابات التكفيرية ولم يدر بخلدنا ان تلك العصابات سوف تتوغل جنوبا باتجاه صلاح الدين وكركوك لتسقط تكريت وبعض نواحيها في قبضتها بالاضافة الى عدد من اقضية ونواحي كركوك وتتوسع بعد ذلك لبعض اقضية ديالى ..
هذا الكابوس المرعب لا أظنه يخطر على بال اكثر العراقيين الذين مهما بلغ تشاؤمهم وأحباطهم وعدم ثقتهم بالحكومة واجهزتها الامنية فأنهم كانوا يعولون على الجيش العراقي في الحفاظ على أمن البلاد خصوصا مع ما ابداه ذلك الجيش الباسل من عمليات بطولية في مواجهة التكفيريين في انحاء غرب وشمال العراق خصوصا في الرمادي وابنتها العاقة الفلوجة .
ولكن يبدوا ان كل تلك الهلوسات قد تبخرت في فاجعة الموصل التي كانت ارهاصات سقوطها بيد الدواعش المتخلفين عقليا بمثابة الكشف عن الوجه الحقيقي لحقيقة الوضع الامني الهش في العراق ، مجموعة من القادة (الكبار) في الاجهزة الامنية يفرون في منتصف الاحد الى كردستان العراق ويفر في أثرهم مسؤولي الحكومة المحلية في الموصل ويتبع الاولين والاخرين جميع عناصر الجيش والشرطة في الموصل والذين تقدر اعدادهم بعشرات الالاف تاركين عدتهم ومعداتهم لقمة سائغة للدواعش واذنابهم في مشهد يعيد الى اذهاننا انسحاب واستسلام عناصر الاجهزة العسكرية والامنية أبان سقوط نظام البعث الصدامي.
المالكي وحكومته ومستشاري حكومته وقيادات ائتلافه وقياداته الامنية سقطوا في فخ الموصل والدواعش على ما يبدوا ولكن من اسقطهم ؟ ولكن القدر المتيقن انهم أسقطوا انفسهم قبل ان يسقطهم الاخرين لأنهم لك يكونوا الا عبارة عن خردة كبيرة جدا من المال والاعلام .
المؤامرة نظرية طالما اتهم العرب والمسلمون أنهم من عشاقها وروادها ولكن بعد ما حصل في المواصل والمدن الاخرى فلا يمكننا ان نفسر ما حصل سوى بالمؤامرة أو (اللعبة) التي يبدوا ان منظميها يدركون ما يفعلون لأنهم خططوا لما حصل وسوف يحصل باتقان تام وحرفنة عالية والمنظمين الذين اتحدث عنهم قطعا لا اقصد بهم الذيول المتواجدة في العراق لأن هؤلاء عبارة عن مرتزقة مأجورين يرفعون راية (الاسلام) لينشروا الفوضى الخلاقة التي تنتجها تلك المؤامرات التي نتحدث عنها والتي حيكت وتحاك بصورة مستمرة في دهاليز الداخل والخارج من اجل ان تستمر اللعبة كما يشتهيها الامريكان وحلفائهم من الاصدقاء والاعداء .
الفوضى العارمة او الخلاقة ( Creative Chaos) هي الركيزة الاساسية لمشروع الشرق الاوسط الكبير الذي انطلق من العراق وعاد ادراجه الى العراق ايضا بعد عصف ببعض دول المنطقة بصورة يسيرة مقارنة بالعراق وذلك لأن هذا البلد مبتلى بأنه مهد الحضارات وانه بوابة العالم والجسر الرابط بين الشرق والغرب وبأنه قلب العالم النابض بالبترول ولأن ايضا الارض الخصبة لتحقيق مشروع اللوبي الماسوني لما يتمتع به من كثافة عالية في نسبة النسيج الاجتماعي المتعدد على صعيد القوميات والاديان والطوائف بالاضافة الى الكثير من الخصائص والمميزات التي يجدها قادة اللوبي الماسوني متوفرة بصورة نادرة في العراق.
الموصل التي استسلمت لعصابات داعش والبعث بهذه الصورة المذلة حتما سوف تدفع الثمن غاليا سواء من خلال تسلط هذه العصابات المتخلفة انسانيا وثقافيا وعقائديا او نتيجة للمعركة او المعارك التي سوف تشهدها لزمن ليس بقصير بعد ان تمكن المحتلون لنينوى من استلاب كل مقدراتها المادية والعسكرية بالاضافة الى الانتشار العجيب لحركة التكفير في صفوف مجتمعها واوساطه الشبابية بالاضافة الى روح الحنين والعودة للسلطة والتي يحلم البعثيون بأن احتلال الموصل وبشراكة داعشية سوف تكون فرصة العمر بالنسبة لهم للتسلط من جديد عبر اسقاط واحتلال المزيد من المدن بغية اعلان اقليم البعث الداعشي .
ولأننا كما اسلفنا لا نستطيع الترقب بنتيجة اللعبة لأن اللاعبين المجانين في الساحة ليسوا احرار في انهاء اشواطها وانما حصتهم هي النزول الى الملعب واللعب الى ان يعلن حكم المباراة صافرة النهاية التي قد تكون اشد ضجيجا ودموية من كل الصيحات والصافرات السابقة.
مقالات اخرى للكاتب