غير معقول أبداً أن يتواصل هدر دم العراقييين واتلاف أملاكهم، على مدار الايام وساعاتها بكل هذه الخفة وهذا الاستهتار، فيما تبدو الحكومة وأجهزتها الأمنية، ومعها البرلمان، مستسلمة لإرادة الارهابيين، غير مكترثة بما يجري وغير معنية بمصائر مواطنيها.
أحصت وكالة فرانس برس أمس سقوط أكثر من 330 قتيلاً خلال أقل من اسبوعين منذ أول الشهر، ويعني هذا ان عدد القتلى خلال الشهر الحالي يمكن أن يتجاوز الرقم 750، وهو ما يماثل عدد ضحايا الشهر الماضي من القتلى وحدهم (761)، ويحافظ على معدل القتلى خلال الاشهر الاخيرة (2500 قتيل في ثلاثة أشهر بحسب بيانات الامم المتحدة، وليس بيانات حكومتنا التي تمتنع عن تقديم احصائيات حقيقية عن أعداد القتلى والمصابين وقيمة الأملاك والأموال المدمرة، في علامة قوية أخرى على عدم مبالاة الحكومة بمحنة مواطنيها على هذا الصعيد).
منذ العام الماضي عاد الارهاب لينفلت من العقال ويصبح خارج السيطرة برغم التصريحات المتكررة لرئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وتهديده ووعيده بمحاسبة الضباط المسؤولين عن القواطع التي تقع فيها الأعمال الإرهابية، وبرغم الجولات المصورة لأغراض الدعاية للوكيل الأقدم لوزارة الداخلية.
نحن نعرف لماذا يتواصل الإرهاب ويتفاقم.. نعرف هذا من نظام المحاصصة الذي تتمسك به النخبة السياسية النافذة في السلطة، وأولها حزب الدعوة الاسلامية الحاكم وقياداته .. نعرف هذا من الفساد المالي والاداري المتفشي في أجهزة الدولة جميعا بدراية ورعاية من هذه النخبة وعلى رأسها حزب الدعوة الحاكم وقياداته .. نعرف هذا من تخاذل مجلس النواب عن القيام بواجبه في المراقبة والمحاسبة .. نعرف هذا من تقصير السلطة القضائية والهيئات المستقلة (النزاهة وحقوق الانسان بخاصة) في تطبيق مبادئها التي يفترض أن تحكم عملها، بخضوعها لارادة الحكومة وسكوتها عما وُجدت لتفضحه.
لكننا لا نعرف: ماذا تفعل قواتنا المسلحة، الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الأخرى، مادامت لا تحفظ الأمن؟
ولا نعرف أيضاً: لماذا تُنفق المليارات على الجيش والشرطة وتسليحهما ولماذا تُعقد الصفقات بالمليارات لشراء الاسلحة والمعدات العسكرية بينما نعاني، الى جانب الانفلات الأمني، من تردي الخدمات العامة كلها من كهرباء وماء ونظافة وسكن ونقل وصحة وتعليم وسواها؟
ولا نعرف كذلك: ماذا حققت "المصالحة الوطنية" والأموال الهائلة المنفقة عليها؟
ولا نعرف أيضاً وأيضاً: لماذا يتكبر علينا رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وكبار مساعديه والمسؤولين في وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني فلا يخبروننا بحقيقة ما يجري ويدور وأسبابه ودواعيه؟
ولا نعرف أخيراً وليس آخراً: ماذا يفعل مجلس النواب بشأن دوره في المراقبة والمحاسبة؟ وما مبرر وجوده، بالرواتب والمخصصات الضخمة التي يتقاضاها أعضاؤه حتى بعد انقضاء خدمتهم (هل يقومون بخدمة ما؟)، اذا كان لا يراقب ولا يحاسب؟ .. لماذا يعجز عن كسر شوكة القائد العام للقوات المسلحة والمسؤولين الأمنيين وجلبهم الى قبة البرلمان ليخضعوا للمساءلة والمحاسبة، كما يجري في كل البلدان التي توجد فيها برلمانات وحكومات تحترم نفسها؟
مقالات اخرى للكاتب