يتحقّق التغيير الحقيقي والاصلاح الجذري، الدستوري، إِذن، من تحت قبّة البرلمان، فاذا نجحنا في تغيير تركيبة مجلس النوّاب القادم فتلك هي الخطوة الاولى في الاتّجاه الصّحيح.
فما المقصود بذلك؟!.
قبل الإجابة ينبغي سرد الملاحظَتين المهمّتَين؛
الاولى؛ صحيح انّ إنجاز مثل هذا التغيير صعبٌ وصعبٌ جداً، الا انّهُ ليس بمستحيلٍ.
فعلى الرّغم من انّ (العصابة الحاكمة) استحوذت على كلّ شيء، السُّلطة والمال والاعلام، فاشترت الرجال والأقلام والكثير من [النُّخب المزعومة] وحولّتهم الى إِمّعات تكرّر حروف وعلامات الموافقة بكلّ الطّرق من دون ايّ تفكيرٍ او تثبُّتٍ وانتباه، ولكن يبقى هناك في المجتمع الكثير جداً من الطّاقات المستقلّة القويّة والشّجاعة والمبدئيّة التي فشلت (العصابة الحاكمة) في شرائِها وشراء ولائها وتسخيرها لتحقيق أهدافها الشّخصيّة الانانيّة والحزبيّة الضيّقة والعائليّة والمناطقيّة والعنصريّة والطائفيّة!.
هذه العناصر هي المعوَّل عليها في تحقيق التغيير المرجو والاصلاح المرتقب! ويظلم العراق والعراقيّين من يدّعي بعدم وجود مثل ذلك في المجتمع! او انّهُ مدفوعٌ من [العصابة] لإنزال اليأس في النُّفُوس وبالتالي الاستسلام بالواقع المرّ رغماً عن أنف الجميع!.
ثانياً؛ انّ التغيير والاصلاح نتاج خطوات متراكمة في الاتّجاه الصّحيح، مهما كانت صغيرة او بطيئة، وهو ما يُسمى بالمثابرة التي تحتاج الى التّضحية والعزيمة والاصرار وكلّ ذلك مع وجود رؤية واضحة!.
وبالعودة الى كلّ تجارب الشّعوب والامم التي نجحت في بناء نظمها السّياسية الديمقراطيّة وبمختلف اشكالِها وألوانها، فسنجد انّ التّغيير الذي أنتج حاضرها المتطوّر والحضاري والمدني اليوم لم يتحقّق فجأَةً او بضربةِ حظٍّ مثلاً او بعصا موسى السحريّة! ابداً وانّما هو نتاج نجاحات مُتراكمة بسيطة وكبيرة شريطة ان تكون بالاتّجاه الصّحيح، فانْ تتقدَّم خطوة بالاتّجاه الصّحيح تعقبها خطوتان او ثلاثة بالاتّجاه المعاكِس مثلاً او الخطأ او الى الوراء فذلك لن يُنتج تغييراً مرجوّاً او إِصلاحاً مُرتقباً أَبداً.
حتى قوانين الانتخابات المعمول بها اليوم في الدّول الدّيمقراطية، فهي لم تكن بهذا الشّكل الحضاري والمدني الرّاقي منذ البداية، اي منذ لحظة التّدوين، وانّما مرّت بمراحل عدّة تطوّرت خلالها لتصل الى ما هي عليه اليوم، عندما أخذ المشرّع بنظر الاعتبار تطوّر الظّروف والحاجة والنّجاحات والإخفاقات التي رافقت التّجارب الانتخابيّة بكلّ أمانة وشفّافيّة، لم يتعصّب خلالها لحزبٍ او كتلةٍ او شريحةٍ او عشيرةٍ! وانّما ظلّ متعصّباً فقط لمفهوم الدّولة ولقِيَم الدّيمقراطيّة التي كانت الملهِم الحقيقي لكلّ ما كان يفكّر بهِ ويسعى لتحقيقه، جيلاً بعد جيلٍ!.
اذن؛ نحن الآن في ظلّ هذه التحدّيات الخطيرة جداً، ومع استئثار (العصابة الحاكمة) بكلّ شيء، بحاجةٍ الى شرطَين أساسيَّين لإنجاز التغيير والاصلاح، الا وهما ان نثق بقدرتِنا على ذلك فلا نكرّر بعد الآن العبارة القاتلة والمدمّرة [ميفيد] وان نُثابر متحلّينَ بالصّبر! فلا نستسلم او نتراجع او نيأس أَبداً.
نعودُ للإجابةِ على السّؤال الذي صدّرنا به المقال؛
ماذا نقصد بالدّعوة الى تغيير تركيبة مجلس النوّاب الحاليّة؟!.
كلّنا نعرف جيداً انّ مشكلة مجلس النوّاب منذ اوّل دورةٍ ولحدِّ الان تتلخّص فيما يلي؛
١/ سيطرة عدد من زُعماء الكُتل والذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدَين على كلّ شيء.
صحيح ان عدد النوّاب يفوق الـ (٣٠٠) نائباً الا انّهم لا يمتلكون حولاً ولا قوةً امام زعماء كُتلهم وأحزابهم، انّهم كالكومبارس في المشهد التمثيلي، السّياسي هنا!.
انّ زُعماء الكتل يتعاملون معهم كراعٍ يَهُشُّ على غنمهِ في حضيرةِ الحيوانات او في المرعى!.
فكيف نغيّر هذه المعادلة؟ كيف يمكننا ان نلغي سيطرة هذه الزُّمرة الصغيرة على هذا التكتّل الكبير من النوّاب والذي كما أسلفنا يتجاوز الـ (٣٠٠) نائب؟!.
كيف يمكن ان نجعل قبضتهم تسترخي ليفكّر النوّاب بحرّيّة أكبر؟! كيف يمكنُنا ان نشتّت شملهم ونفكك قبضتهم الحديديّة؟!.
مقالات اخرى للكاتب