إنه في ليلة ما، قبل اثني عشر عاما من الآن تساءلت بحيرة: (ما يحصل شي زين لو مو زين).
ليلتها تسمر العالم كله امام التلفاز، وعن نفسي لم ابرح مكاني في مواجه تلفزيوننا (الناشينال) مشدوها، مصدوما من هول ما اشاهد. وقفت مليا اتشرب تفاصيل الصور التي اعيدت على مدار ايام: طائرتان تنتحران ببرجي التجارة العالميين اللذين ما سمعت بهما قط قبل تلك اللحظة.
مذيع قناة الشباب الذي اعتمر اليشماغ والعقال مغلوبا على امره، لم يستطع مواراة دهشته، فالحدث دراماتيكي والتصوير حي. احدهم ألقى بنفسه او سقط من ارتفاع شاهق، "انها كارثة بحق" قال معلق اجنبي...
حيرتي لم تأتِ من فراغ، فقد عانينا الأمرين من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الامم المتحدة علينا على نحو غير مسبوق في تاريخ العقوبات الاممية، والولايات المتحدة هي المخطط والمنفذ، والنتيجة جوع وحرمان وفقر مدقع، أطفال معاقون بالجملة، تفكك للمنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع وموت بطيء لمؤسسات الدولة...
كنت ممن يتمنون ان تشرب امريكا من الكاس نفسها التي اذاقتنا الحنظل، ولا ان اتمنى قتل الابرياء لأي ذريعة كانت، فهذا مبدأ مرفوض بتاتا لكل انسان.
حالة الجمود الذهني التي عشتها اسرت مقدرتي الصبيانية في وقتها، على تحليل النتائج التي سوف تلدها هذه الهجمات.
ما القادم يا ترى؟ اكتفيت بان صرعت شفتي: "الله اعلم".
وصلتني الاجابة، حالما رأيت اطفالا فرحين، يلعبون الكرة والى جانبهم جثة رجل مقتول ملقاة على الرصيف! احدهم يذهب ليعيد الكرة فيتسلى بالقفز من على الجثة المتفسخة، لا شك عندي انه عرف الحقيقة، ولا يعتقد ان الرجل نائم مثلما قالت لي والدتي لما رأيت جثمان جدتي للمرة الاخيرة.
في اسوأ الاحتمالات لم اتوقع ما وصلنا اليه، ما تخيلت حتى في ابعد نقطة من التشاؤم ان تصير ايامنا طوال عشر سنوات بهذه الحمرة، ولا التسليم بعدم اعادة الحياة لمهرجان الربيع الموصلي، ولا التفيكر في الهجرة عن البلد على خطى الملايين، او حتى ان اقدم تنازلات حول مبدأ الوحدة الوطنية... كل ذلك مقابل عودة الامان فقط.
نراهم يحيون كل عام ذكرى ضحايا الحادي عشر من ايلول، اكاليل ورد وشموع ودقيقة صمت ودموع رسمية وشعبية، ونشيد وطني وأعلام ترفرف على قبور مرمرية نحتت عليها اسماء ميشيل وساندرا ومايكل وجميس ...
اما نحن، فقد جمعنا انفجارات تهدم الف برج عالمي، وسجلنا الف يوم دامٍ، والف شهيد في شهر، والف دمعة في يوم، والف الف ام ثكلى وزوجة ارملة وطفل يتيم.
ضحايانا لا يتمنون شمعة او زهرة او نشيدا وطنيا غير متفق عليه، جُل ما يريدون جثامين غير مقطع الاوصال تودع في قبور ترابية بلا اسماء، ان شئتم.
مقالات اخرى للكاتب