من الصعب انكار فكرة مضمونها ان التحدث عن الاشياء أسهل بكثير من التعامل معها هذا يعني من باب أولى أن من الصعب بدرجة أكبر وضع الافكار موضع التطبيق لان ذلك يجعلها على المحك ورغبات الناس لا تتفق في الأعم الأغلب مما يجعل السؤال مطروحا عن كيفية التوفيق بين الميول المتعارضة في وقت الأزمة على وجه الخصوص ؟
لا أعرف في حقيقة الأمر اذا كان ما أكتبه في هذه السطور يقترب من محاولة فهم أيهم أكثر قوة وتمتعا بالروح الرياضية أهو الملاكم الخاسر بعد جولات متعددة وطويلة في نزال حامي الوطيس وهو يبارك لخصمه الرابح أم تلك الفتاة الجميلة التي تجد في نفسها الجرأة والشجاعة عندما تقدم على المشاركة في احدى مسابقات ملكات الجمال فهي تضع كل غرورها واعتدادها بجمالها في موضع الاختبار والتقييم من جانب الاخرين.
ان الفكرة المتقدمة تنطبق كثيرا على من يتحدثون عن السلام في أي ميدان وفي أي وقت ومع ذلك تبقى حقيقة قائمة تقول: ان السلام الدائم لا يمكن أن يتحقق في ظل شرعنة الأوضاع غير العادلة التي تصيب البعض من الاطراف باجحاف واضح فما يبقى كامنا في النفوس سيمثل دائما عنصر الحقيقة التي سيضطر الطرف الاخر لمواجهتها في يوم من الأيام اذن السلام شيئ والقبول بالأمر الواقع شيئ اخر.
يلخص أحد الكتاب وهو “روبرت كابلان” النظرية الواقعية في فكر هنري كيسنجر ببعض المبادئ الأساسية التي يرى انها محددات الرجل لهذه النظرية وهي: (1.الفوضى أسوأ من الظلم. الظلم يعني ان العالم غير كامل لكن الفوضى تعني ان العدالة غير متوفرة لأي كان، بحيث تصبح الممارسات الحياتية البسيطة واليومية أعمالا محفوفة بالخطر 2.ليست الاشكالية الأساسية في السياسة السيطرة على الشرور ولكن وضع حدود للحق. فلا شيئ أخطر من اقتناع مجموعة من الناس بتفوقها المعنوي حينها تنشأ الديكتاتوريات3.المهمة الأساسية لرجل الدولة هي تفادي الثورات). هذا يعني بكل تأكيد أن لا رجل دولة في العراق مطلقا منذ تأسيس الدولة العراقية الأولى بجلوس الملك فيصل الأول على عرش العراق في العام 1921.
أما المفكر الايراني “علي شريعتي” فيقول: (عندما تقرر الوقوف ضد الظلم توقع انك سوف تشتم….ثم تخون….ثم تكفر لكن اياك أن تسكت عن الظلم من أجل أن يقال عنك أنك رجل سلام). الكلام المذكور أيتها السيدات أيها السادة صحيح جدا لأن رجل السلام لا يقبل بسرقة الحقوق. اذن علينا أن نميز بين المفاهيم بطريقة صحيحة لكي نتمكن من بناء أسس متينة للحوار اذا أردنا لحوارنا أن يكون شفافا ومنتجا ومحققا للنتيجة التي نسعى للوصول اليها.
في المؤتمرات التي يحضرها دعاة السلام الحقيقيون لا ترى مظاهر الترف وترتيبات السلطة التي يعتقد من يمارسها انها تجعله في مرتفع ينظر منه الى الناس بينما هم في السفح فيراهم صغارا وهم ليسوا كذلك بل في بعض الأحيان وللوهلة الأولى تشعر عندما تلتقيهم بنوع من البساطة والطيبة لا تجدها عند الغالبية العظمى من الناس والنتيجة المذكورة تنطبق على من أعنيهم بصرف النظر عن انتماءهم الديني أو القومي أو الطائفي. في الجانب الأخر ترى صورة معاكسة حيث المتعاطين للشأن السياسي الأكثر بعدا عن السلام والأكثر حديثا عنه في الوقت ذاته لكن من دون أية نتيجة ملموسة تجعلنا في مواجهة الهدف النهائي بحيث نمسك به ونتلمسه ونشعر بدفئه والذي يبدو أن تلك الحكاية الساخرة التي أطلقها أحد العراقيين من الذين قدر لهم أن يعيشوا تحت ظلال سيوف مرتزقة الحجاج بن يوسف الثقفي ما زالت تجد لها موطئ قدم بل وأكثر من موطئ قدم – ذكرت هذه الحكاية أكثر من مرة في أكثر من مناسبة- حيث يروى:
(ان عبد الملك بن مروان أرق ذات ليلة فاستدعى سميرا يحدثه: فقال السمير كانت بالموصل بومة وكانت بالبصرة بومة. فخطبت بومة البصرة بنت بومة الموصل لابنها. فقالت لها بومة الموصل: لا أجيب خطبة ابنك حتى تجعلي صداق ابنتي مئة ضيعة خربة.
فقالت بومة البصرة: لا أقدر على ذلك ولكن ان دام ولاتنا سنة أخرى أتيتك بما تريدين).
مقالات اخرى للكاتب