قبل اقل من شهر خرج الاعلام الايراني بتصريح لنوري المالكيت مفاده ان حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير لا يوافقان على انفصال كوردستان عن العراق واكد بانهما يجاملان حزب الاغلبية في حكومة اقليم كوردستان ( الحزب الديمقراطي الكوردستاني) في تصريحاتهم العلنية بالموافقة على الذهاب للاستفتاء . هذا التصريح كان يوجب على الحزبين اصدار بيانات نفي رسمية من اعلى هرم القيادة فيها الا انهم احجما عن اصدار مثل هكذا بيان واقتصر ردهم على بعض اعضاء الاتحاد في تصريحات نفي خجولة , ما اعطى انطباعا لدى الشارع الكوردستاني بصحة كلام المالكي وفق مبدا ( صدق وهو كذوب) . لكن يوم امس نشر السيد قوباد طالباني ( ابن السيد جلال الطالباني ) ونائب رئيس وزراء اقليم كوردستان على صفحته الرسمية تصريحات تؤكد موقف الاتحاد الرافض للاستفتاء بل واستقلال كوردستان , بحجج واهية اقل ما يقال عنها انها تصنع لعقلانية مبالغ بها , او كما يقال باللهجة العامية العراقية ( تعيقل)
فقد تسائل السيد قوباد طالباني عن (( ان كان الكورد لا يستطيعون حل المشكلات السياسية والادارية الداخلية فكيف بامكانهم الاتفاق على مسالة مصيرية كالاستقلال ؟) واضاف (( انه من المتوجب ان يجعل من اعلان الاستقلال فرصة وكرنفالا على المستوى الدولي من اجل ميلاد دولة جديدة وليس اختلاق المشكلات والاوضاع المتوترة في الشرق الاوسط المليء اصلا بالازمات)) واكد ((على ان طريق الوصول للاستقلال كهدف كبير لا يمكن ان يتم اتخاذ قرار متسرع بشأنه لان الاقليم ليس مهيئا على المستوى الداخلي ولا خارج الاقليم، لذا فان الامر يستلزم المزيد من الوقت والعمل ))
ان هذه المبالغة في تصنع الحكمة والمنطق تفقد قيمتها عندما تكون غير حقيقية تخفي وراءها اسبابا اخرى غير تلك المعلنة , وسنحاول فيما يلي الاجابة على بعض النقاط التي يصر اكثر اعضاء هذين الحزبين على ترديدها وتكرارها :
اولا ....هل يعقل ان يتحول خيار استقلال كوردستان من قرار لشعب كوردستان الى قرار لاحزابه بحيث تؤثر خلافاتهم السياسية عليه ؟, ثم ما علاقة المواطن الكوردستاني بمشاكل حزبية لا تعبر عنه ولا تمثل اولويه عنده طالما هي متمحورة في المنافسة على المناصب والنفوذ ؟
يبدو ان الاحزاب الكوردستانية تتغافل عن انها لا تمثل عند الشعب الكوردي الا وسيلة للنضال لا اكثر, وانه لايحق لاي منها اختزال القرار الكوردي في يده , فقد اعطى الكورد من خلال هذه الاحزاب ( كوسيلة) مئات الالوف من الشهداء كي يحصل على حقوقه القومية المشروعة في الاستقلال والحرية , لا كي يسيطر هذا الحزب على الاخر , او ياتي هذا الحزب او ذاك ويقمع حقا اصبح الشعب قاب قوسين او ادنى منه لمجرد وجود مشاكل بينها .
ثانيا ... الطرح الذي يتبناه الان بعض اعضاء حزب الاتحاد ( وليس كلهم ) وحركة التغيير يعكس افتقارهم لقدرة تقييم الاولويات وتسلسلها , فاذا ما تمت المقاربة بين ( الاستقلال - وترسيخ الديمقراطية - والقضاء على الفساد الاداري والمالي ) فان الاولوية يجب ان تكون للاستقلال ثم بعد ذلك ناتي الى ترسيخ اسس
الديمقراطية وبعد ذلك يمكن الحديث عن القضاء على الفساد المالي والاداري , اما ان تكون الاولويات بهذه العبثية في التسلسل ويعطى ترسيخ الديمقراطية والقضاء على الفساد الاولولية على حساب الاستقلال , فان ذلك يعكس ضبابية في الرؤية السياسية الصحيحة وخربشات سياسية لبعثرة الوضع الداخلي .
فمهما كان وضع الديمقراطية والاقتصاد في كوردستان بائسا ( حسب ما يدعون ) , ومهما كان الفساد مستشريا في مؤسسات كوردستان فهذا لا يعني انها تشكل اولوية على حساب الاستقلال , فهذه الظواهر السلبية يمكن حلها بمرور الوقت سواء الان او لاحقا لانها تحتاج الى الية عمل طويلة ومقعدة قد تاخذ وقتا طويلا بعكس الاستقلال الذي هو ارادة ملحة فرضتها ظروف اقليمية يجب اقتناصها .
وهنا يجب الاشارة الى ان طرح موضوع الديمقراطية وترسيخها يعتبر ترفا سياسيا في الظروف الحالية ومع التحديات التي نواجهها . فالكورد لازالوا يعيشون حالة ثورة رغم تحولهم من النضال المسلح الى النضال السياسي جراء تغير ظروف العراق , ومن البديهي ان الثورات لاتكون مطالبة بان تكون ديمقراطية . ورغم ذلك فان سقف الديمقراطية الموجود في اقليم كوردستان هو اعلى بكثير من كل دول المنطقة .
ثالثا....لو ان الاحزاب الثورية تفكر بنفس المنطق الذي يفكر به حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير لما استقل اي من شعوب العالم , ففكرة تاجيل الاستفتاء او الانفصال لحين حل المشاكل السياسية بين الاحزاب الكوردية والمشاكل الاقتصادية التي يمر بها الاقليم هي فكرة سطحية تثير الاستغراب وتعبر عن حالة البطر السياسي الذي تعاني منه تلك الاحزاب . فوجود كوردستان كاقليم له حكومة ومؤسسات رسمية سياسية واقتصادية هي حالة استثنائية جدا في حالات تحرر الشعوب التي استقلت , فاغلب تلك الشعوب تحررت وتحولت الى دول انطلاقا من حالة الثورة ومايصاحبها من فوضوية تنعدم فيها كل ما يمكن تسميته بالنظام , فثورات العالم لم تمتلك وزارات وحكومات ومؤسىسات كما هو حال كوردستان بل تحولت مباشرة الى حالة الدولة , ومع ذلك نجحت في ترسيخ دولها , فلماذا هذا التخوف المصطنع والتوجس من الاستقلال؟
ثم من قال ان اقتصاد كوردستان يجب ان يتحول الى واحدة من ااقتصاديات العالم المتطور كي نتمكن حينها فقط من الاستقلال , ومن قال ايضا ان المشاكل الداخلية يجب ان تصفر كي نفكر في الاستقلال ... هل يتصور الاخوة ان دولة كوردستان القادمة ستخلو من مشاكل حزبية داخلية , وهل هناك دولة في العالم لا توجد فيها مشاكل سياسية ؟ غريب ان تتمكن احزاب بهكذا طروحات من جذب جمهور لها في الشارع الكوردي .
رابعا .... ايا ما كانت الاسباب فاننا نرى ان الكلام عن تاجيل الاستفتاء انتظارا لظروف افضل يعكس قراءة خاطئة لمتغيرات المنطقة وعدم فهم حقيقي لها . فطوال قرن من الزمن لم تمر على المنطقة ظروفا اكثر ملائمة من الظروف الحالية التي تشهد فيها دول المنطقة علاقات سياسية متناقضة وحالة من انعدام الثقة ستحول دون نجاح اي تنسيق بينها لاجهاض الطموح الكوردي . فاي ظرف ننتظر افضل من هذا الظرف ؟ هل يتصور الاخوة في الاتحاد او التغيير ان ياتي ظرف تطلب فيه الدول الاربعة (العراق – ايران – تركيا – سوريا ) من الكورد الانفصال عنهم مع قبلة على الجبين الكوردي ؟
خامسا.. نريد ان نوجه هذا السؤال للاخوة المعارضين او لنقل المتخوفين .. ماذا لو ان الكورد انتصروا في قتالهم ضد حكومة العراق سنة 1975 ؟ حينها لم نكن نمتلك مؤسسات حكومية او اقتصادية وكنا نعيش حالة
ثورية تتطلب منا البدء من الصفر في كل المجالات .. هل حينها كان الاخوة سينصحون شعبهم بالانتظار قليلا لغاية امتلاكنا مؤسسات حكومية واقتصادية مستقرة ومن ثم نذهب لبناء دولة ؟ ان ما يطرحونه اليوم من نظريات تعكس انهم وطوال سنوات الثورة الكوردية لم يؤمنوا بما كانوا يرفعونه من شعارات .
سادسا ...ذكر السيد قوباد طالباني انه (ان كان الكورد لا يستطيعون حل المشكلات السياسية والادارية الداخلية فكيف بامكانهم الاتفاق على مسالة مصيرية كالاستقلال).. وفي الحقيقة فان السيد طالباني يعرف تماما من هي الجهة التي تجهض كل محاولة لحل هذه المشاكل لهثا وراء اجندات اقليمية , وهي نفس الجهة التي تشاركه الراي في عدم الذهاب للاستفتاء . ان كان تقيم ادارة الدول تكون حسب امكانية حل المشاكل السياسية بين احزابها . كان الاجدى بنا ان نقول ان وجود مشاكل سياسية بين اجنحة الاتحاد الوطني هو مؤشر على عدم امكانية استمرار هذا الحزب , ووجود مشاكل بين احزاب ادارة السليمانية المحلية هو دليل عدم قدرتهم على ادارة هذه المدينة .
ختاما نريد القول .. بان كل هذه النقاط هي مبررات واهية لا تمثل حقيقية الاسباب التي تقف وراء رفض هذه الاحزاب او بعض اعضائها للذهاب الى خيار الاستفتاء , والسبب الحقيقي هو ان هناك جهات اقليمية ليس من مصلحة امنها الوطني ان تستقل كوردستان ولذلك فهي تحاول اثارة مشاكل داخلية بواسطة اطراف معينة لاضعاف الجبهة الداخلية , وبالطبع فان هذه الجهة الاقليمية تعودت على تحقيق اهدافها في كل الاماكن بتحريك اذرعها فيها , ويظهر انها وجدت ضالتها في تلك الاحزاب بعد ان فشلت كل محاولاتها السابقة للوقوف بوجه ارادة الشعب الكوردي , وكلما اقتربنا اكثر من الموعد المفترض للاستفتاء فان هذه الجهات (الداخلية والخارجية) ستزيد من تصعيد المواقف بغية تضعيف الجبهة الداخلية , مما يحتم على الشعب وحكومة اقليم كوردستان الانتباه ومعالجة الامور بمزيد من الحكمة والهدوء كي نحقق في الوقت المتبقي ما كنا نصبوا اليه من عقود
مقالات اخرى للكاتب