الفساد في كل أشكاله وأنواعه أينما حلّ هو حالة مرضية وكارثة على البلد وثرواته ومستقبل أجياله ...وتتعدد أشكال الفساد ونسب تأثيره بتعدد مهارات المفسدين ودرجة تمدد نفوذهم في مفاصل الدولة ومؤسساتها...وللفساد في العراق رؤوس وأذرع وأطراف أخطبوطية ومخالب لم تستثن مؤسسة أو دائرة خدمية أو تنفيذية إلا ونشبت فيها تلك المخالب المسمومة .. ولقد عانى العراق ولازال يعاني ومنذ سقوط النظام البعثي من تفشّي وإستفحال هذا المرض الخبيث...الذي تتفاوت درجات خطورته من مؤسسة الى أخرى ...تفاوت على مستوى الإنحطاط وإنحدارالقيّم الى سافل درجاتها..فعندما يكون الفساد متفشّيا في مؤسسة إقتصادية أو تجارية أو غيرها من المؤسسات المدنية الأخرى ...قطعا هذا الفساد هو تخريب للمنظومة الإقتصادية وتبديد لثروات البلد وإعتداء صارخ على حقوق المواطن وإعاقة لنهضة البناء والتطور...ولكن عندما يكون الفساد في مؤسسة عسكرية وأمنية فتلك هي الكارثة الكبرى على الوطن والمواطن ...لأن وجود المفسدين في هاتين المؤسستين يعني ضياع وطن وهدر كرامة الإنسان.. وخطورتهم لاتتوقف عند سرقة المال والتهاون في ساحات التدريب وأخذ رواتب الجنود مقابل تركهم في بيوتهم فحسب ...بل تعدى الأمر الى التهاون مع الإرهابيين والتعامل معهم لتسهيل مرورهم من والى المدن الآهلة بالسكان لتنفيذ جرائمهم وتهريب سجناء الإرهاب مثلما حصل في سجن ابي غريب وغيرها الكثير مقابل رشاوى مادية! حتى أدى هذا التردي والإنهيار الخلقي وتفشي الفساد الى تراجع أداء المؤسسة العسكرية والأمنية الى أدنى مستوياتها القتالية في حماية حدود البلد ومدنه الداخلية...لقد غفل أغلب القادة العسكريين الجانب المعنوي للجيش بسبب ولاءاتهم الحزبية والطائفية وأنانيتهم الشخصية ...وركزوا على الجانب المادي وصار شغلهم الشاغل مسك العقود وجني الأموال ... وبدل الولاء للوطن وللعقيدة العسكرية صار همهم أرضاء من تفضّل عليهم ومنحهم المنصب والرتبة .. وأنعكس ذلك على أداء الجندي العراقي حتى بات يفتقر لأبسط قواعد التدريب المهني فضلا عن غياب العقيدة المعنوية التي تعزز لديه المستوى القتالي للدفاع عن الوطن..الأمر الذي لفت أنظار المرجعية الدينية العليا وكان موضع إهتمامها وطالبت القيادة العراقية الجديدة في أكثر من مناسبة بضرورة إجراء عملية إصلاح للمؤسستين العسكرية والأمنية وكررت التأكيد على ذلك في خطبة الجمعة الإسبوعية وفي كل لقاء مع رؤساء السلطة التنفيذية ..ولقد باشر القائد العام للقوات المسلحة الدكتور العبادي بعميلة الإصلاح فأصدر قرارا بإعفاء مجموعة من كبار القادة وإحالة بعضهم على التقاعد..ولكن يبقى هذا الإجراء غير كافٍ ولايرقَ الى مستوى الطموح ..فالمؤسسة العسكرية بدءا من قائدها العام السابق الى أصغر قائد ميداني هي أمام تساؤل شعبي ومسؤولية تأريخية لابد أن يكشفوا النقاب عن خفايا تلك المرحلة التي ندفع ثمنها اليوم من دماء أبناءنا التي تنزف يوميا بسبب ذلك التهاون بالواجب العسكري الذي أدى الى الإنهيار الكبير أمام عصابات إرهابية ...ومن ثم إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية مع تمتعه بالإستقلالية الكاملة عن المؤسسة السياسية وينحصر واجبه فقط في الدفاع عن الوطن وليس عن رموز حزبية أو حكومية.
مقالات اخرى للكاتب