وقت الفراغ هو الوقت الذي يقوم الإنسان فيه بنشاطات مختلفة ويختار بحرية النشاط الذي يريد القيام به دون أن يكون ملزماً بأداء نشاط معيّن، ولكن أوقات الفراغ أحياناً تكون مرهقة للإنسان أكثر من الوقت الذي يعمل فيه اذا ما استغلها بالمفيد الجيد، وإذا لم يستغلها سوف يشعر بالضجر والكآبة ما يجعله يسيء استغلال ذلك الوقت، فالعمل هو الذي يخلص الإنسان من الكآبة والضجر ويملأ فراغه.
كما إن قياس تقدّم المجتمعات مرتبط بإدراك وتقدير أفراد المجتمع لأهمية الوقت، وما يعكس الإطار الثقافي لمجتمع ما هو قيام أفراده بالسيطرة على الوقت، فأوقات الفراغ تختلف من مجتمع، لآخر فهناك مجتمعات ترى بأنه وقت للتأمل وأخرى ترى أنه وقت للتسلية، ومن يرى أنّ الوقت من ذهب، وحتى بين أفراد المجتمع نفسه نرى اختلاف في تقدير قيمة الوقت، والوقت من النعم العظيمة التي أنعم الله بها على الإنسان.
ويبحث العديد من الناس من شتى الأقطار عن طرق النجاح المختلفة والمفاتيح التي أوصلت الناجحين في شتى المجالات إلى ما هم عليه من نجاح وعن أسرارهم فهذا هو السؤال الأهم الذي يطرحه العديدون وغالباً ما يصل الناس إلى حقيقة مهمة تتعلق بالنجاح ألا وهي استغلال الوقت فإنّ استغلال الوقت بفاعلية وعدم تضييعه يعد السر الأول للنجاح وكما قال هنري فورد: ” من الملاحظ أن الناجح هو مَن أحسن استغلال الوقت في حين ضيعه غيره “.
ويُعد استغلال الوقت هو أحد المهارات التي يمكن التدرب عليها إلا أنّها في الوقت ذاته تحتاج إلى التصميم والإرادة بشكل كبير وخاصة مع التطور التكنولوجي الهائل الحاصل في وقتنا الحالي والذي أدى إلى زيادة الانشغال في الأمور الضارة وإبعاد الناس عن الأمور المهمة فلذلك تعتبر قوة الإرادة هي أهم الأمور لإستغلال الوقت بفاعيلة في وقتنا الحاضر فحتى مع التخطيط المستمر لا يستطيع الإنسان استغلال وقته فيما هو مفيد واستغلال أوقات فراغه إلا بالابتعاد عن المُلهيات بمختلف أشكالها وأنواعها.
ومن المهم أيضاً من أجل استغلال الوقت بفاعلية تقسيمه عن طريق عمل جدول بالمهام المختلفة خلال الأسبوع بأكمله وترتيبها بحسب الأولوية والوقت وتخصيص الوقت أثناء عمل هذا الجدول للعائلة والعمل والراحة والترفيه وتطوير الذات مما يؤدي إلى زيادة الفعالية بشكل كبير، ومن الجيد أيضاً استغلال الأجهزة الذكية من أجل عمل الجدول بالمهام خلال الأسبوع فقد طورت الشركات المختلفة تطبيقات تسهل القيام بجدولة المهام الأسبوعية بشكل سريع وبسهولة تامة.
ومن الأمور المهمة أيضاً لإستغلال الوقت بفعالية هي أن ينال الشخص قسطاً كافياً من الراحة عن طريق الحصول على وقت كافي للنوم خلال الليل وعدم تقليل هذا الوقت على حساب أي أمر آخر فعند عدم نيل قسط كافي من النوم يؤثر هذا سلباً على الفعالية خلال اليوم مما يؤدي إلى عدم التركيز في مختلف الأمور، وللقيام بالأمور المختلفة بفعالية وبوقت قصير يجب عدم التركيز على أكثر من أمر في وقت واحد فإن عقل الإنسان مبرمج ليركز على أمر واحد في الوقت الواحد ويجب التذكر أيضاً أنّ السرعة ليست بديلاً عن العمل الدقيق.
ولإستغلال الوقت بفعالية يجب الإهتمام بالجوانب الأخرى من الحياة أيضاً فالإنسان يحتاج الوقت من أجل الراحة والترفيه وتجربة نشاطات جديدة على الدوام من أجل إعادة النشاط والحيوية، كما أنّ ممارسة الرياضة بشكل يومي يعتبر من الأمور المهمة لزيادة التركيز بشكل عام مما يؤدي إلى انجاز المهام بوقت أسرع وفعالية أكبر.ولجسم الإنسان حقٌ عليه وبالتالي يجب منحه وقت فراغ لكي يقوم باستثمار هذا الحق، كأن يمتع عينيه برؤية المناظر الطبيعية الخلابة أو أن يريح جسده بعد عناء العمل، وتقسيم وقت الفراغ من الأشياء كثيرة الأهمية حتى يستطيع الإنسان استغلاله بفائدة، والكثير من الشباب في سن المراهقة يجد صعوبة في استغلال وقت فراغه وأحياناً نجد سوء استغلال للوقت من قبلهم وهذه مشكلة تواجه الكثير من الشباب في وقتنا الحاضر.
ممارسة هوايات
أما عن الأطفال فهم يحتاجون لأوقات فراغ تمكنهم من ممارسة هواياتهم والأشياء التي يحبونها والأهم من ذلك أن لا يشعر الطفل بضغط الوقت وأن يمارس ما يريد بحرية دون إجبار، لأنّ الطفل إن لم يجد وقت فراغ سوف يعاني من الضغوطات ويعيش حالة من العزلة، وقد أجريت مجموعة من الدراسات في جامعة مالاغا الاسبانية أن الضغوطات التي يتلقاها الطفل من المدرسة وأحياناً من الأهل تسبّب مشاكل لدى الأطفال منها مشاكل في الأكل وفي النوم وآلآم في البطن وتراجع المستوى الدراسي وتغيّر السلوك نحو العدوانية فالأطفال يتميزون بطاقة وحيوية كبيرة وإن عدم توفر وقت فراغ كافي للطفل كي يفرغ طاقاته قد يصيبه ذلك بالأمراض وهذا ما ننصح به أولياء الأمور بتنظيم وقت الطفل وتشكيل مجموعة من الفعاليات التي يقوم بها.
أهداف أوقات الفراغ
التخفيف من حدة التوتر النفسي الذي يصيب الإنسان بعد فترة من العمل والمجهود الشاق وبذلك فإنّ حُسن إدارة الوقت هي أساس التعامل الفعال مع الضغوطات النفسية.
تشعر الإنسان بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وتجعله أقدر على احترام القوانين والأعراف وتنمية التعاون بين أفراد المجتمع.
الحد من الضغوطات التي تواجه الشباب وتوجيهها نحو نفع المجتمع ونحو مصلحة الشخص وأسرته.
أهمية وقت الفراغ
أجرى علماء النفس بعض الدراسات حول أهمية الوقت كضرورة لحسن تنظيمه واستغلاله بما يعود على الفرد والمجتمع بالفائدة والوقت يمر ولا نشعر به فهو يمرّ بسرعة كبيرة والأعمار تمضي ولا ندرك ذلك ؛ فالوقت محدود وكل لحظة وكل دقيقة تمضي فقد ذهبت ولا يمكن بأي حال من الأحوال استعادتها وبهذا لا يمكن تعويضها، فالمهام العظيمة ينجزها الشخص حين يستغل وقته بكفاءة وفاعليه فإن ازدهار وتقدم المجتمعات يقاس بإدارتهم للوقت لإن ادارة الوقت تساعد الإنسان على إنجاز أهدافه وطموحاته وتقوية الروابط الاجتماعية من خلال قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء كما تعطي الشخص إحساساً بالراحة والسعادة عند الخروج لرحلات ترفيهية والتي تساعده على تطوير نفسه ذاتياً وتحسين إنتاجيته من خلال السرعة في أداء الأعمال.
كيفية استثمار أوقات الفراغ , الجوانب التي يمكن للفرد ممارستها في وقت فراغه:
الجانب الثقافي: وهي رياضة العقل وتكون ملائمة مع الفرد في مجاله الذي يدرسه أو الذي يعمل فيه, ويتجسد بالتالي:
يمكن للشخص أن يستثمر وقته بالقراءة والكتابة والتعرف على الثقافات وقراءة المعلومات القيمة.
أن يُستغل هذا الوقت في فهم القدرات وفهم من هم حولنا.
أن نستطيع تفسير وتحليل ما يحدث من ظواهر سياسية واجتماعية واقتصادية وبطريقة واقعية ومنطقية.
إجادة فنون التعامل مع الآخرين وانتقاء الكلمات المناسبة وحُسن الحديث على أساس الحق.
اتباع سلوكاً يعكس الدِين والثقافة المجتمعية ويعزز الثقة بالنفس.
أن نستغل ما اكتسبناه من معلومات وعلوم ومعارف في خدمة الدين والمجتمع والناس.
التعلم والاستفادة من الدورات التي تنظمها المؤسسات.
اقتناء الكتب وعمل مكتبة خاصة داخل المنزل للقراءة والتثقف والتعلم في وقت الفراغ.
كتابة الشعر او الخواطر او المقالات او القصة.
الجانب الترفيهي: وهي النشاطات التي يختارها الفرد بعد مجهود وتعب أو بعد معاناة نفسية، فيضفي لنفسه شعور بالفرح والراحة والطمأنينة والسعادة, ويتجسد بالتالي :
النشاطات الترفيهية إمّا أن تكون رياضية جسدية أوعقلية باكتساب المعرفة .
مشاهدة بعض الأفلام التاريخية ومشاهدة القنوات التعليمية.
مساعدة الأسرة في الأعمال المنزلية.
قراءة المجلات الثقافية والصحف الإخبارية والتعليمية.
ممارسة النشاطات الرياضية اليومية.
القيام ببعض الرحلات الترفيهية مع العائلة والأصدقاء.
زيارة المتاحف والمعارض والأماكن الأثرية.
جمع الصور والكتب العلمية القيمة.
تطوير الهواية كالرسم او النحت الخ.
الجانب الديني : وهي رياضة الروح وتكون نفسيه بالقيم الإيمانية.
قراءة القران الكريم أو تعلم تفسيره وتلاوته .
قراءة كتب دينية غير مضللة الهدف بل واضحة المنحى.
الذهاب لدور العبادة .
مشاهدة البرامج التلفازية التي تعزز التفقه بالدين .
عمل زيارات ميدانية لدور الأيتام والمحتاجين وأيضاً كبار السن ورفع الروح المعنوية لديهم.
قضاء الوقت بالقيام ببعض الواجبات الاجتماعية كزيارة الأقارب.
العلاقة بين وقت الفراغ والجانب الاقتصادي
توجد بعض الدراسات التي كشفت عن وجود علاقة تفاعلية بين وقت الفراغ وبين الجانب الاقتصادي للمجتمع وهذه العلاقة لا تتم إلّا إذا اكتمل الوعي الثقافي لدى الشباب في المجتمع بأهمية الوقت وأهمية استغلاله جيداً وهذا الدور يقع على عاتق المؤسسات التعليمية التي تخرج أجيالاً من الطلاب ويجب أيضاً توفير الإمكانيات المادية لإنشاء النوادي والمكتبات وعمل ندوات لتوعية الأسر في مجال إدارة الوقت.
ساعات الفراغ يمكنها أن تنمّي القدرات والمهارات الكامنة داخل الإنسان وتطوره ليصبح فرداً فعالاً في المجتمع وتحرّره من روتين الحياة اليومية، ولهذا فإنه يمكننها أن نعتبر وقت الفراغ حق إنساني للجميع وهو ثروة ثمينة من ثروات تقدم الأمم والمجتمعات، والدولة التي توفر الإمكانيات وتهيء المناخ المناسب لأفرادها وتحثهم على استغلال وقت فراغهم فإنها تخفف وتمنع وقوع الجريمة في المجتمع من خلال استيعاب الاطفال والشباب في النوادي الرياضية والمكتبات الثقافية التي تبعدهم عن جو الطرقات والشوارع قدر الإمكان، وإذا رجعنا في إلى الإنسان القديم وكيف كان يقضي وقت فراغه دون وجود الأجهزة الالكترونية والذكية ووجود شبكات التواصل الاجتماعي فإننا نجد أن الإنسان كان يستمتع في قضاء وقته بالصيد والموسيقى وركوب الخيل وتعلم الرماية والسباحة، وقد تفوق الشعب الصيني القديم وعرف بصنع الطائرات الورقية ذات الألوان الزاهية التي كانوا يستخدمونها في أعياد الميلاد والمناسبات الخاصة، وكذلك ألعاب الرماية وألعاب القوى البدنية من صيد وسباحة ومصارعة. أما في عصرنا الحديث ومع التطور التكنلوجي والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية نجد تطوّر في مفهوم استغلال الوقت، ولا بدّ هنا من ذكر (المادة 24 ) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي يؤكد و ينص (على كل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، ولاسيما في تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر) ولكن لا ننسى أن هناك معوقات قد تحول دون إداء الكثير من المهمات في أوقات الفراغ وعدم اهتمام المدارس والجامعات بالطلبة وتطوير مهاراتهم وهواياتهم، رغم ذلك لا بدّ من التأكيد على أنّ الوقت نعمة وثروة يجب استغلالها وعدم الاستهتار بها.
مقالات اخرى للكاتب