تثير تفاصيل لعبة السلطة في الولايات المتحدة نهاية كل أربع سنوات مشاعر مختلفة لدى مراقبيها في الشرق، وحصرا في دولنا المنهكة سياسيا واجتماعيا، حيث تدق على أوتار المقارنة بيننا وبينهم متناسية الكم الهائل من الزمن الحضاري في صفحاته الاجتماعية والتربوية، والبون الشاسع بين ما وصلوا إليه وما نحن نراوح فيه، فبينما يجيدون هم لعبة تداول السلطة حتى النصر، بالشكل الذي رأيناه في لعبة الانتخابات الأمريكية الأخيرة دونما أن تراق قطرة دم واحدة على خلفية الصراع بين المتنافسين، حيث يعلن المهزوم في نهاية اللعبة وبروح رياضية رفيعة، انه لم يحقق النصر بل ويبارك لمنافسه الفوز معلنا بأنه سيكون داعما له في خدمة بلده، في الطرف الآخر الأكثر إثارة وتباطؤا في التقدم يذهب المتنافسون على السلطة سواء في النسخة المستنسخة من اللعبة الديمقراطية باستخدام أسوأ مظاهر التخلف في المجتمعات الشرقية ألا وهي الشد الديني أو المذهبي أو العشائري والمناطقي لتسلق السلطة وسحق المتنافس الآخر حتى وان استخدمت عمليات التزوير الهائلة، أو في الصيغة المتوارثة أجيالا بعد أجيال، وهي الانقلاب الدموي الذي يبيد الآخر ويقتل كل المنافسين لتبقى السلطة لواحد أحد! ولقد شهدنا عبر أكثر من نصف قرن عمليات التبادل الدموي للسلطة في بلداننا عموما، حيث لا يكاد المرء يجد بلدا واحدا دونما برك لدماء المتنافسين على كراسي الحكم، نعم الحكم المطلق والهيمنة الكلية على منابع القوة ومصادرها وهياكلها العسكرية والمالية، لان الحاكم هنا يحكم الجميع شعبا ووطنا، وهناك يحصل العكس تماما، حيث يحكم الشعب والوطن الفائز بالسلطة، ولذلك نراه لا يستطيع تجاوز كونه موظفا يؤدي واجبا وطنيا ضمن برنامج ومجموعة قوانين تحدد مجاله الحيوي وصلاحياته بما يخدم مصالح بلاده العليا. أما في بلداننا فالفائز المنتصر في كلتا الصيغتين، صناديق العشائر والأديان أو الانقلابات، فهو مصدر التشريع، وهو حامي الحمى، وفي الآخر وإن تواضع قليلا فهو ظل الله على الأرض، ونعمة من نعم السماء، كما وصف (المفكر العربي القومي) ميشيل عفلق الرئيس السابق صدام حسين، يوم نجح في تصفية معظم رفاق دربه وحزبه، واعتلى منصة الحكم فارسا لا منافس له، بعد أن أعدم بيد من تبقى من قيادات حزبه كل منافسيه، ليصبح كما قال عنه عفلق نعمة من السماء!
إذن هكذا هي اللعبة عندنا في العراق ومعظم بلدان الشرق الأوسط، نجيدها حتى الموت والفناء لأحدنا ويجيدوها هم حتى النصر كما، تنتهي اللعبة يتبادلون التهاني ويعود كل منهما إلى موقعه الذي تحدده نتائج اللعبة، أما نحن فلا عودة للثاني بانتصار الأول ولا خيار إلا الطحن والتراب، إنها تراجيديا البداوة الدينية والسياسية والاجتماعية، لا تقبل القسمة إلا لواحد احد، والآخر إلا حفنة تراب أو طحين!
قالها الرجل وفعل.. انه صدام حسين قبل سنوات طويلة، خاطب المعارضين لحكمه بأنهم يريدون انتزاع الحكم منه ومن حزبه فقال قولته الشهيرة إلا حفنة تراب ويقصد العراق.. وصدق الرجل وها نحن نشهد بأعيننا كيف يتم تحويل حواضر العراق وسوريا واليمن وليبيا إلى حفنات من التراب والدمار وأطلال من مدن كانت ذات يوم، وصدق آخر من ذات الثقافة حينما أطلق لحيته وترك غرائزه تتحرر من كل قيود وحدود ليمارس لعبة الانتقام من داعش وبيئة داعش ومن والاها فعلا وقولا ونية.. و ( إلا طحين )، وصدق الرجل فقد طحن كل شيء من حوله، ليمارس هو الآخر لعبته في السلطة!
بين الرجلين أكثر من ربع قرن، وبين الحجاج وصاحب ( إلا تراب ) مئات السنين، وما تزال البداوة ترفض مغادرة كياناتنا النفسية والاجتماعية والعقائدية، وأوطاننا وشعوبنا تذبح من الوريد إلى الوريد أو تمزق انتحارا من اجل فرض صيغة للحياة على الجميع وباسم الرب دوما والتوكل عليه مع صيحات الله اكبر، تبدأ كل حفلات وحمامات الدم للوصول إلى السلطة واستعباد الآخر!
مقالات اخرى للكاتب