لن ينتهي الحديث عن الانتخابات الأمريكية بمجرد الإعلان عن النتائج ، بل الأمر يستغرق وقتا طويلا حتى تتضح رؤية هذا الرجل الذي صنع المفاجأة واقتحم أسوار البيت الأبيض بقوة وحماسة لم تشهدهما أمريكا من قبل.
و ترامب ذلك الرجل الذي خلق هواجس كثيرة وكبيرة لعدد ليس بالقليل لزعماء العالم وفي مقدمتهم زعماء الشرق الأوسط الذين كانت أمنيتهم فوز هيلاري كيلنتون المعروفة لهم والتي تعاملوا معها في ملفات كثيرة ولا نبالغ بقولنا إنها كانت المحرك الرئيس لموجات ما يسمى بالربيع العربي الذي توقف عند دول معينة دون أن يصل لدول أخرى بحكم إنها محمية من قبل واشنطن.
هذه الحماية ركز عليها ترامب في خطبه الانتخابية بتأكيده إنها لن تكون مجانية،وكرر ذلك في أكثر من خطاب من جهة،ومن جهة ثانية اتهم بعض الدول ومنها السعودية وقطر بدعمهم للإرهاب لدرجة إن السعودية دخلت دائرة التنافس الانتخابي من بوابة قانون (جيستا) من جهة ديمقراطية وإن رفضه أوباما ونقضه إلا إن الكونغرس نقض النفض الرئاسي مما يعني إن الديمقراطيين سلكوا ذات الطريق الذي سلكه ترامب في إتهام السعودية بدعم من قام باحداث سبتمبر 2001.
وهذا الإتهام بحد ذاته وجد صدى كبير له في أمريكا وخارجها وبالتأكيد ستكون هذه النقطة حاضرة في (ترامب الرئيس) ولن تغيب عن ذهنه وهو يتجول في أروقة البيت الأبيض باحثا عن خيارات سياسية لتنفيذ ما حمله من وعود للناخب الأمريكي الذي يهمه الآن مدى قدرة الرئيس على منح أمريكا مزيدا من القوة لاستئصال أورام الإرهاب التي يعتبر الكثير من الأمريكان إن إدارة أوباما كانت متهاونة جدا في ردعها والتصدي لها واستئصالها.
وبالعودة إلى الانتخابات الأمريكية ونتيجتها الكبيرة نجد إنها أرضت البعض وخيبت آمال البعض الآخر سواء داخل أمريكا أو خارجها وهذا يعني إن الانتخابات الأمريكية ليست حدثا أمريكيا فقط بل هي حدث عالمي تتوقف على نتيجتها أشياء كثيرة سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي أو حتى الصراع في العالم الذي بدأ يستعيد قطبيته الثانية بعد إنفراد أمريكي لأكثر من عقدين.
الرضا كان في روسيا والعراق وسوريا ومصر بدرجة أكبر من أية بلدان أخرى في العالم، فيما كان التوجس سمة الأوربيين الذين ينظرون لترامب على إنه رجل أعمال أكثر مما هو سياسي وبالتالي يشعرون بأن هذا الرجل وإدارته القادمة لن يقدموا خدمات مجانية لهم مقابل أي خطر قد يتهددهم،وهذا ألأمر ينطبق على دول الخليج العربي ومشاكلها الكثيرة سواء مع بعضها البعض أو مع جارتها إيران،وهذا الأمر يتطلب من دول الخليج العربي وخاصة العربية السعودية بالذات أن تغيير سياستها الخارجية وتنهي ملف اليمن بأسرع ما يمكن وتتبنى خطاب معتدل في المنطقة يبعدها عن دائرة الاتهام التي رسمت لها الحملة الانتخابية لترامب صورة الدولة الراعية للإرهاب ،وترامب في جزئية مهمة في حملته الانتخابية استند على تحفيز الحماس لدى الناخب الأمريكي وإخراجه من دائرة البرامج الانتخابية التقليدية وتركيز ترامب على قضايا جوهرية ذات بعد أمني وسياسي لأمريكا أبرزها قضايا الإرهاب وتصريحات القوية في هذا الشأن وتشخيصه للدول الراعية له،مضافا لذلك كله إن تمكن من خلق قناعات جديدة لدى الناخب الأمريكي بضرورة انتخابه من أجل عودة هيبة أمريكا التي تراجعت في العقدين الأخيرين. مضافا لذلك كله(نبرة الكاوبوي) التي غازلت الكثير من ألأمريكان الذين افتقدوا هذه النبرة التقليدية في أوباما وبالتأكيد لم تكن موجودة في نبرة هيلاري الأنثوية وبالتالي فضل الأمريكان الفيل ترامب كراعي بقر لسنواتهم القادمة.
في ظل وجود أنظمة سياسية صنعتها أمريكا ووفرت لها الحماية وباتت اليوم تشكل خطرا عليها أو على ألأقل بدأت تعمل لحسابها الخاص بعيدا عن مصالح أمريكا وما تريده.
وخلاصة القول إننا أمام أمريكا جديدة قد تحمل لنا الكثير من المفاجآت وتغيير الكثير من التحالفات في العالم والمنطقة بشكل خاص ،خاصة وإن إدارة ترامب ستتسلم ملفات غاية في التعقيد وتصبح مهمة الرجل الفيل وإدارته القادمة تفكيك هذه الأزمات وإيجاد بعض الحلول المناسبة حتى وإن تتطلب الأمر غضب الحلفاء التقليديين في المنطقة وفي مقدمتهم دول الخليج العربية .
مقالات اخرى للكاتب