هناك مثل دارج لدينا، غالبا مايقال فيمن يفرط بما لديه من قوة يمتلكها، ويستعين بقوة غيره، متحملا تبعات لجوئه هذا وسلبيات اعتماده على الغير، يقول المثل؛ (يعوف امه وابوه ويركض وره مرة ابوه)..!
شاهد مثلي هذا تصرفات قادة بلد مثل العراق، يمتلك من الثروات ما (يسد عين الشمس)، وله من الخيرات ما يغنيه عن الاستعانة بغيره، مع هذا كله نراهم -الساسة والمسؤولين- يجوبون فيافي الأرض وبلدانها طولا وعرضا، بغية طلب المعونة المالية والمساعدات المادية، من صندوق نقد أو إقراضٍ، وكأن أرض العراق ممحلة عن توفير الضروري من الأموال، لاسيما حين تكون الحاجة ملحة وماسة اليها، لدرء مخاطر جمة كالتي يتعرض اليها البلد اليوم. ومادعاني الى استذكار مثلنا أعلاه، هو خبر مفاده؛ “توجه وفد عراقي برئاسة قحطان الجبوري مستشار رئيس الجمهورية، الى العاصمة البلجيكية بروكسل، من أجل الحصول على دعم دولي للعراق في محاربة الإرهاب وإعادة المناطق المحررة”..!
تعيدني ذاكرتي مع هذا الخبر الى الجدال الذي نشب بين فرقائنا السياسيين -وهم دوما متفارقون- قبل عام تقريبا، يوم تصدر موضوع إقدام روسيا على مشاركة العراق في حربه مع داعش النقاشات، وقامت بشأنه وجهات النظر على قدم وساق، إذ انقسمت الآراء بين مؤيد أشد التأييد ومعارض بقوة، فالمؤيدون يرحبون بمشاركتها من باب أن الغاية تبرر الوسيلة، والخلاص من شر داعش غاية كل عراقي حريص على بلده وتربة أرضه، فيما جمح المعارضون برأيهم الى إبعاد الشبح السوفييتي عن الساحة العراقية، خشية نشوب حرب عظمى بين الكتلتين الغربية -متمثلة بأمريكا وحلفائها- من جهة، وبين الشرقية وهي روسيا ومن يقف معها من دول شرق أوربا، والدول الشرق أوسطية والشرقية، وماخشيتهم إلا لكون العراق سيكون إذاك ساحة احتراب وصراع وتصفية حسابات قديمة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وسيدفع ثمنها -كالمعتاد- أولاد (الخايبة). وقطعا لكل من المؤيد والمعارض أساليبه في الإقناع وحججه التي يظنها مقنعة ومبررة لموقفه. وفي الحقيقة أن كلا منهما -روسيا وأمريكا- كما يقول مثلنا: (لا خال ولد ولا عم بنيه)..! فالإثنان لهما مصالح في أرضنا، وكل منهما يبكي على ليلاه وليس (لسواد عيون العراقيين). وبذا يكون من الأجدى الاعتماد -بالدرجة الأساس- على قواتنا العسكرية والأمنية وقوى الحشد الشعبي والعشائري، وكذلك قوات البيشمركة في محافظات العراق الشمالية. والغريب في ساستنا المتربعين على عرش الصدارة في إدارة البلد، أنهم لايأبهون لهذه الأحداث الخطيرة بما يوازي تداعياتها على البلاد والعباد، فهم يعمهون في غيهم مستقتلين على منافعهم الخاصة ومآربهم الفئوية والحزبية، وكذلك الإقليمية التي يقدمون من خلالها خدمة جليلة لأسيادهم المتأبطين للعراق شرا مستطيرا. وباستذكار الماضي القريب، تحضرني مقولة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري حين زار العراق، يومها قال مخاطبا ساستنا مانصه:
“يجب أن توجد وحدة وطنية بين العراقيين لطرد المتمردين التابعين لتنظيم داعش الذين سيطروا على أجزاء كبيرة في شمال العراق وغربه”..!
وأظنها رسالة واضحة، إذ ماقصد كيري إلا السياسيين الذي لعبوا بمصائر العراق والعراقيين ماشاء لهم لعبه، ولاأظن فرقة أكثر من فرقة ساستنا الذين شبوا وشابوا على الصراعات والمناكفات، والتي أدت الى ما آل اليه الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي للبلد، تاركيه ينزلق في غياهب سلب الأرض من طامعين في الخارج، ونهب المال والثروات من فاسدين في الداخل، وتضييع الإرث الحضاري على يد أوباش مسيرين بأياد تخطط وترسم لمسح العراق من خارطة الحضارات، من دون أن يرعووا لبلدهم وشعبهم. وإنه لمن المعيب عليهم أن تأتيهم التوجيهات التأديبية والإرشادات الأخلاقية من قادة وزعماء من شرق الأرض ومغربها، فبقول كيري إشارة واضحة ان لاسبيل لطرد الإرهاب غير وحدة السياسيين ووقوفهم صفا واحدا أمامه. ولا أظنني أضيف جديدا لو رددت ما أنشده معن بن زائدة واعظا أولاده، فلعلي أنضم الى قائمة واعظي ساستنا ومرشديهم وموجهيهم ومؤدبيهم، يقول معن:
كونوا جميعا يابني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى الرماح إن اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت أفرادا
مقالات اخرى للكاتب