الأنتخابات : واحدة من مظاهر السلوك الديمقراطي السوي داخل المجتمع , ومهما كان مستوى الوعي وعراقة التجربة , فالممارسة حالة اغناء وتصويب وتهذيب للنهج الديمقراطي بشكل عام , ورغم مستوى الأحباط وخيبات الأمل , فاليأس هنا لا يشكل مخرجاً بقدر ما هو انهزامية قد تنتج عنها انهيارات غير سارة من داخل شخصية المواطن , وقد تفضي الى الأنحدار مع تيار الأنتكاسة , التبريرات ـــ على ان المقاطعة هي ردة فعل وطنية ـــ واهية وفي احيان كثيرة تعبر عن حالة انكسار , تنتهي الى مطبات اوهام الحلول المجانية السريعة كـــ ( خرافة الأسقاط ) مثلاً .
لا نختلف , ان نتيجة ثلاثة دورات انتخابية سابقة , كانت ثلاثة حكومات بائسة فاسدة متخلفة منغلقة طائفياً وقومياً , سارت ولا زالت عكس الطموحات الوطنية والأجتماعية المشروعة للناخب العراقي , لكن هذا ليس خللاً او اعوجاجاً في طريق الحريات الديمقراطية التي يحلم بها المواطن مستقبلاً زاهراً , انه خلل واعوجاج بذات الأحزاب والتكتلات التي استقوت وتطفلت على الدعم الخارجي , بعد التورط بملفات خطيرة لا تستطيع الخروج منها بلا ثمن , مقتنعة على ان ايمان المواطن العراقي بمشروعه الوطني واعتماده الديمقراطي سبيلاً , واصراره على المشاركة النشيطة الواعية في الأنتخابات, سيهدد مصيرها احزاب كانت ام شخصيات , لهذا نجد لسانها ينبح ايماناً بالديمقراطية وقلبها ملحداً بها .
هل سنشترك في الأنتخابات القادمة ام نقاطعها ... ؟؟؟؟ .
سؤال استثنائي ملح مطروحاً على الرأي العام العراقي , الأجابة عليه تشكل نقطة مصيرية على مفترق طريقين , فأما الثبات على ارضية القيم الوطنية والصبر على حتمية المتغيرات والتطورات التي ستخترق غلاف السلبية التي تؤطر الوعي العام وتوقظ الحراك المجتمعي نهظة وطنية , سلمية الأصلاح والتغيير واعادة البناء , واما الأنحراف وصولية وانتهازية وضلال في طريق اوهام الحلول المجانية عبر مغامرات الأسقاط وخرافات مكاسب الصدفة .
يعتقد البعض , ان نتائج الأنتخابات القادمة , ستكون تكرار للقوى التي استحوذت على السلطة والمال والأعلام وسخرتها لمصالحها وتعزيز مواقعها , قد نتفق اذا نظرنا الواقع من خارجه لكن سنختلف بالتأكيد اذا نظرنا اليه من داخله , وقسنا حجم المتغيرات الكارثية التي تركتها الأنظمة الشمولية دماراً مخيفاً على بنية المجتمع العراقي وادركنا, ان حقيقة الواقع تعكس حصيلة خمسة عقود من التمزيق المنظم للهوية الوطنية العراقية المشتركة وتدمير فض للنسيج المجتمعي وخراب مبرمج للوحدة الوطنية, اشتركت فيه قوى شريرة , دولية واقليمية , تطوع النظام البعثي محلياً لتمرير ومواصلة تلك الخيانة البشعة حتى عام 2003, ثم استورثتة بعض القوى الطائفية القومية وواصلته نهجاً مشيناً على امتداد العشرة سنوات الأخيرة , كيانات تتحكم في حراكها صلات عقائدية ايديولوجية وولاءات نفعية وتبعية محكومة بأسباب العمالة من خارج حرم الوطنية العراقية .
رغم كل الذي حدث وسيحدث , لكن الأنسان العراقي يقف دائماً على ارضية الذات الوطنية , التي لا يمكن النيل منها مهما كان حجم الهزائم والأنتكاسات وحالات الأحباط وخيبات الأمل واليأس التام احياناً , فالمجتمع العراقي لا زال يتنفس برئـة الوطنية العراقية , ماسكاً عروة مشروعه الوطني للتحرر والديمقراطية , رافضاً بصبر وشجاعة وثبات جميع المشاريع الطائفية العرقية للتجزئة والتقسيم , ومهما اتسعت الأنشطارات الطائفية القومية والجغرافية والنفسية , فقوة الجذب المصيري تبقى الغالبة في النهاية , واذا ما دقت مطارق قوى التقسيم والتحاصص على معدن الوحدة الوطنية التاريخية , ستكون ردة الفعل ـــ شعب واحد لوطن موحد ــــ .
قد لا تحدث في الأنتخابات القادمة نتائج باهرة ( جذرية ) على اصعدة التغيير والأصلاح , لكن هناك تحولات ستحدث بالتأكيد , ثم تتراكم ردود افعالها مظاهر وانعكاسات ايجابية في الشارع العراقي وتتواصل نجاحات التجربة ويكتسب حراك الواقع مساحات ارحب , ومن خارج وداخل العملية السياسية وكياناتها المعطوبة بالفساد والأنحطاط , ستخرج قوى وشخصيات وطنية مخلصة وتتبلور حالة جديدة ستكون طريقاً آمناً لخروج العراق والعراقيين من المأزق الراهن , فالأنتخابات لا تعني الأكتفاء في ان نرمي اصواتنا في صناديق الأقتراع , بل انها واحدة من مواجهات الوعي التي يخوضها الرأي العام العراقي على جبهات متعددة , حالة متغيرات نوعية لحراك شامل , سياسي وثقافي ونقابي مستقل , يربط خيط النجاحات فيها بين كل دورة انتخابية واخرى .
بعض القوى غير النزيهة , تضغط على العراقيين نفسياً ومعنوياً , تأخذ من الواقع اسوءه لتعزز فيهم قناعة خاطئة , بعدم جدوى المشاركة في الأنتخابات ( المقاطعة ) , لكنها بذات الوقت , وعبر اعلامها وشبكة تنظيماتها واخطبوط علاقاتها مع جماهير احزابها ومناطقها , تدعوا الى المشاركة النشيطة في الأنتخابات , تصور لهم , ان مصيرهم مهدد على الصعيدين الطائفي القومي, تلك اللعبة الكريهة , يجب ان تواجه بنشاط اعلامي وطني , فرق كبير بين ان تسحب الجماهير ثقتها من القوى التي خذلتها واستخفت بأصواتها وتعاملت طائفياً ومذهبياً وعرقياً مع دولتها ووطنها من دون ان تحترم حاضرها وتضمن مستقبل اجيالها, وبين ان تمنح اصواتها لمن يستحقها من القوى والشخصيات الوطنية المعروفة بنزاهتها وكفائتها واحترام ثقة ناخبيها .
لقد ولى ذلك الزمن البعثي البغيض , حيث كانت قيمة الأنسان العراقي لا تساوي الرصاصات التي اخترقت جسده , اليوم ورغم كثرة المآخذ وخيبات الأمل وتسلط الحثالات على مصير العراقيين , فأنه يشكل قوة تغيير واصلاح هائلة وحالة وعي تقف ثمارها على ابواب مواسم النضج , وان ثقل صوته سيعدل كفة الميزان لصالح حاضر ومستقبل الوطن والمواطن , فلنشارك في الأنخابات بثقة وقناعة حتى لا نخسر انفسنا وننتحر بأصواتنا, هنا فقط نستطيع ان نرتقي بالعراق ليرتقي بنا .
مقالات اخرى للكاتب