وقع، ويقع المسؤول العراقي "الجديد" في اغواء الحضور الاعلامي المفتوح والمُسَهّل له، فيختصر الطريق الى بقعة الضوء عن طريق التصريحات السياسية اليومية اللجوجة التي يعوز الكثير منها الاقتران بالافعال، وسلامة اللغة، او يخلو من الفائدة والاضافة والضرورة والدواعي، بل اننا نقف على مشهد كوميدي من المباراة المحمومة في الخُطب، والخطب المضادة، والتصريحات والتسريبات والردود والنفي والتعقيبات وعبارات التشهير والاسقاط، ابطالها مسؤولون مباشرون، او متحدثون عنهم، او قريبون منهم، عبر مختلف وسائل الاتصال والمنتديات ومنافذ الاتصال بالراي العام، حتى ليتساءل المراقب عما بقي للاعلاميين والمعلقين وأصحاب الرأي ان يقولوه، وكل شيء قد قيل، تصريحا وتلميحا وتسريبا.
ومنذ تشكيل الفريق الجديد للحكم، قبل ثلاثة اشهر، كنا نعتقد (ونتمنى) ان نطوي عهدا اتسم بفوضى التصريحات والخطب، والانصراف الى الافعال التي تمس حياة وامن الملايين، بدلا من الاقوال التي لاتعني شيئا، وتنقية الكلام الرسمي من حشوات الغث واللجاجة، ومن تكرار الظهور امام الجمهور بمناسبة وبدون مناسبة، واعادة النظر بفحوى الخدمة الاعلامية التابعة لـ"الدولة" بانهاء هيكلية التعامل مع المقامات الحكومية (الخبر الاول محجوز للمسؤول الاول، مهما كان ذلك الخبر شكليا وبلا فائدة او معنى، والمانشيتات محتكرة للكبار) اما المؤتمرات الصحفية فصارت تثير التساؤل عن دواعيها لا عن اهميتها، فالدواعي واردة في حسابات الظهور الاعلامي، والاهمية مفقودة في حسابات ما يتهدد البلاد.
يكفي التذكير هنا بان المسؤولين، من اعلى المقامات حتى ادناها، صاروا يديرون مكاتب جبارة للاعلام، تلاحق كل شاردة وواردة، والكثير من خدماتها يحرص على تلميع "الزعيم" وبعضها، وربما اغلبها، تطبخ على يد جهلة ومتمرنين وانصاف اعلاميين، ودليلي في ذلك ازدحام السطور بالاغاليط والتخبط وانعدام المهارة وجملة الاخطاء اللغوية، وبعضها يكشف عن سوء معرفة بالمزاج العام للملايين التي شبعت من الكلام والوعود والتلويح بالايدي، وتبرئة النفس من المسؤولية عما يحدث من شنائع وخطايا.
يقول وليم شكسبير بهذا الصدد "الكلمات التي تفتقر إلى المعاني لا ترتقى إلى السماء" ويضيف "الإيجاز خلاصة الذكاء" وفي سورة الصف (2) جاء في القرآن، القول "لِمَ تقولون ما لا تفعلون" و "كَبُر مَقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون" فيما يؤكد داعية الاصلاح الديني احمد امين " الإنسان هو الوحيد (بين المخلوقات) الذي يستطيع أن يخدع، وأن يظهر على غير طبيعته، وأن يقول غير ما يعتقد، وأن يفعل غير ما يقول" وفي الشعر يقال "والمرء بالفعل لا بالقول نعرفه" وأيضا "أَنَّ الْحُلْمَ يَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ الشُّغْلِ/ وَقَوْلَ الْجَهْلِ مِنْ كَثْر الْكَلاَمِ" والخلاصة "ان كثرة الكلام لا تخلو من معصية" كما تشير التعليمات المسيحية.
اخاطب بهذا كبار المسؤولين.
"فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفةً ...
حَفِظْتَ شَيئاً، وغابَتْ عنك أشياءُ"
ابو نؤاس
مقالات اخرى للكاتب