طالما تشدق بعض المفكرين والمثقفين من القوميين العرب بنزول الاسلام في الجزيرة العربية على انه اصطفاء الهي للعرب لامتلاكهم خصائص معينة لا تمتلكه شعوب اخرى , وبدأت بعض الحركات القومية العربية في بدايات القرن الماضي بالتركيز في ادبياتهم على هذا الموضوع وإظهار الاسلام وكأنه ثورة حاول الرسول ( العربي ) عليه الصلاة والسلام من خلالها جمع العرب وتوحيدهم في مواجهة الامبراطوريتين الفارسية والرومانية مجردين الرسالة المحمدية من بعدها الروحي ليضعوها في فلك توجهاتهم القومية . وهكذا يمكن اعتبار الشعب العربي هو الشعب الوحيد الذي سخر دينا سماويا لخدمة طموحاته القومية في خطوة تعتبر سابقة فريدة من نوعها على مر التاريخ البشري في الوقت الذي لم تحاول ايا من الشعوب الاسلامية الاخرى تسخير مشاركتهم في صناعة التاريخ الاسلامي لأهدافهم القومية بسبب التداخل التاريخي الزماني والمكاني بين الحضارات المختلفة التي اجتمعت في بوتقة الاسلام بصورة يصعب فرزه وتوجيهها لخدمة طرف معين , بينما استطاع منظروا القومية العربية من استغلال نزول القران باللغة العربية وانطلاق الرسالة المحمدية من شبه الجزيرة العربية تعريب الحضارة الاسلامية بالكامل ساعد في ذلك السذاجة الايجابية للشعوب الاخرى بتفانيها في خدمة الاسلام وإبعاد العصبيات القومية من طريقها رغم ان الحس القومي العربي تبلور مبكرا منذ العصر الاموي ولغاية يومنا هذا .
ليست هناك مشكلة في ان يسمع الانسان صدى صوته فيما لو بقيت اثار ادلجة التاريخ الاسلامي عربيا محصورا ضمن الوسط العربي , لكن المشكله ان هناك اجيالا عربية تربت على هذا الطرح وتصورت ان كل العادات العربية والمزاج العربي وطريقة التفكير العربية هي من صميم الاسلام وهنا مكمن الخطر , فقد نشئوا على انه لا انفصام بين الاسلام والعروبة فهما صنوان لا ينفصلان وكما اعطى الاسلام للعرب ورفع من شانهم فإنهم يعتبروا انفسهم ذووا فضل على الاسلام والشعوب الاخرى , فظهرت اجيالا عربية تفرض رؤى وأفكار على الفكر الديني ليس للدين علاقة بها وليست من الدين في شيء بل هو مزاج وفكر عربي بحت اثر على الاسلام الى يومنا هذا ويزداد تأثيره يوما بعد يوم .
ان الاسباب التي دعت الى ظهور البعثة الاسلامية في شبه الجزيرة العربية حسب مفهومنا البشري وليس حسب المغزى الالهي ( الذي نجهل مقاصده) تتلخص بالأسباب التالية :-
لم تستطع الديانة المسيحية واليهودية من التوغل في شبه الجزيرة العربية والانتشار فيه لأسباب عديدة تتعلق بطبيعة الحياة السائدة وطريقة تفكير المجتمع القبلي هناك , فاقتصر الدين اليهودي على قبائل سكنت شبه الجزيرة العربية بعد ان تم طردها من الامبراطورية الرومانية و اقتصر الوجود المسيحي على حالات فردية , اما السواد الاعظم من هذه القبائل فقد بقيت تدين بالفكر الوثني وعبادة الاصنام التي هي حالة متأخرة جدا عما كان موجودا انذاك في العالم .
وجود الكعبة المشرفة التي كانت ( وحسب الروايات الدينية ) مركزا لتوحيد الله وعبادته فتحولت الى مركز لاستقطاب الوثنية ومحجا لعبدة الاصنام .
رغم السلبيات الموجودة حينها في المجتمعات خارج الجزيرة إلا انها كانت محكومة بقوانين الهية او دنيوية تختلف عما كان موجودا من نظام القبلية في الجزيرة العربية والتي يكون فيها انتشار اي فكر او دين غير خاضع لأي شكل من اشكال قوانين وتشريعات دولة.
افتقار المجتمع البدائي في الجزيرة الى افكار روحية او فلسفية ترتقي بالفكر العقائدي البشري هناك ساعد على سهولة تلقف الناس هناك لفكرة الاسلام والدخول فيه , فازدهار الفلسفة في اوروبا مثلا ووجود افكار روحية في بلاد فارس جعلا منهما بيئة غير ( خام ) لانتشار دين سماوي بالسرعة والديناميكية التي انتشر فيها في الجزيرة .
وجود شعب لا يملك قيمة حقيقية لمعنى الحياة وتتمحور حياته بين السيف ونتف من ابيات شعرية تختزل فيهما كل معاني الوجود لديه , لذلك فنزول دين يعد افراده بجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت سهلت عليه التضحية بحياته الدنيوية من اجل نيل حياة اخروية افضل , وهكذا استطاع الاسلام ان يستغل سلبيات المجتمع الصحراوي ويحولها الى مكسب ديني يخدم فكرة انتشار الدين الاسلامي فصنع مقاتلا مسلما يحارب بضراوة من اجل نيل احدى الحسنيين اما النصر وما فيها من غنائم وسبايا وأما الشهادة والجنة وما فيها من نعيم .
ان هذه هي الاسباب المتاحة لفهم المغزى الالهي في اختيار الجزيرة العربية لتكون مبعث الرسالة المحمدية اما الاسباب الالهية الاخرى فلا يتسنى لنا معرفتها باعتبارها شانا الهيا . ومع ذلك فان ما عاناه الاسلام من الشخصية العربية لا يقل ابدا عما هو مذكور في القران من معاناة موسى والدين اليهودي من ممارسسات بنو اسرائيل .
فعلى الرغم من ان الاسلام قد نزل ليتمم مكارم الاخلاق فقد بقي العرب في الجزيرة العربية غير مدركين لحقيقة الاوامر الالهية بسبب تشدد الفكر البدوي والعربي بشكل عام فحاول الاسلام التعامل مع هذا الفكر بشكل تدريجي تمثل في اقرار الكثير من الاوامر الالهية عليهم على مراحل وإبقاء القسم الاخر من الفضائل مكتفية بتهذيبها .ومع ذلك فبمجرد وفاة الرسول رجعت اغلب القبائل العربية وارتدت عن الاسلام بينما اسلمت الشعوب الغير اسلامية كلها بعد وفاة الرسول في وقت الفتوحات الاسلامية .
مقالات اخرى للكاتب