زارتنا في الأيام القليلة الماضية الصحفية الأردنية – الفلسطينية الشجاعة حنان الكسواني التي عرفناها على نحو خاص من خلال تحقيق صحفي استقصائي (صحيفة الغد الأردنية) كشفت فيه عملية تغيير تاريخ صلاحية البسكت الإندونيسي الخاص بتلاميذ المدارس والأمهات الحوامل المورّد الى العراق بواسطة برنامج الغذاء الدولي التابع للأمم المتحدة.
تجلّت شجاعة الزميلة الكسواني في اختيارها وتنفيذها موضوعاً صعباً للغاية، تعرضت بسببه الى المضايقات والتهديد ومحاولات التشهير، لثنيها عن الكشف عمّا توصلت اليها من حقائق صادمة ليس فقط لجهة تغيير تاريخ الصلاحية وإنما أيضاً لجهة ظروف العمل غير الإنسانية في ورشة التغيير. كما تجسّدت شجاعتها في زيارة بغداد في هذا الظرف الذي هو من أصعب ظروف بغداد، وبخاصة على الصعيد الأمني.
الزميلة الكسواني التي حضرت الى بغداد بدعوة من النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين لتعريف زميلات المهنة وزملائها بخبرتها في مجال الصحافة الاستقصائية، وبتجربتها في إعداد وتنفيذ تحقيق البسكت، حرصت على استثمار الزيارة للحصول على المزيد من المعلومات بشأن القضية من الجانب العراقي، فجرى الاتصال بوزارة التربية لهذا الغرض. لا أخفي دهشتي، وتقديري، للسرعة الفائقة التي تجاوب فيها وزير التربية الدكتور محمد تميم مع رغبة الزميلة الكسواني.
الرغبة نُقلت الى الوزير مساء الخميس، وصباح السبت (أمس)، وهو يوم عطلة، وجدنا في انتظارنا في ديوان الوزارة وكيل الوزارة ونصف دزينة من المدراء العامين فيها.. حضروا مع ملفاتهم السمينة بوثائق المكاتبات الداخلية والمتبادلة مع الوزارات الأخرى وبرنامج الغذاء الدولي. وعلى مدى ساعتين أجاب الوكيل والمدراء العامون عن أسئلة الزميلة الكسواني بشفافية عالية.
ستحتاج الزميلة الى بعض الوقت لمراجعة الوثائق كيما تُعدّ الحلقة الجديدة من تحقيقها. وبالطبع فأنها لن تُصدر حكماً وانما يقتصر دورها، بوصفها صحفية مهنية، على عرض المعلومات المتوفرة لديها ومطابقتها مع المعلومات التي تحصلت عليها من المصادر الأخرى.
أظن ان مسؤولي وزارة التربية محقون في إخلاء مسؤولية وزارتهم مما جرى على الاراضي الاردنية، ومن أية تبعات مترتبة على عملية تغيير تاريخ صلاحية البسكت، فلا علاقة من قريب أو بعيد للوزارة بالعملية، بحسب الوثائق التي اطلعنا عليها أمس. وما يعزّز هذا الظن ويرفعه الى مرتبة اليقين عدم تردد الوزارة في فتح ملفاتها ووضعها في متناول الزميلة الكسواني ومن رافقها، وكنت أحدهم.
هذه الشفافية تبعث على الثقة بسلامة موقف وزارة التربية. وهذه التجربة أضعها برسم سائر الوزارات ومؤسسات الدولة التي يتعين أن تدرك ان من واجبها فتح صناديق أسرارها للاعلاميين، لتمكينهم من الوصول الى المعلومات ونقلها الى الناس، فحقُّ أساس للناس أن يعرفوا الحقيقة حتى لو كانت صادمة وجارحة.
مقالات اخرى للكاتب