في برنامج حواري على قناة بلادي وصف المقدم الناس الذين يطلقون النار بأنهم ( دواعش السطوح) ..هكذا بكل بساطة! فهل الامور تحدث صدفة في الحياة بلا سابق انذار خصوصا ً اذا كانت ظواهر اجتماعية !! بالتأكيد لا يدور في خلد احد ان يكون بصدد الدفاع عَمّن اطلق النار عشوائيا ً بعد انتصار منتخبنا لكرة القدم على ايران فهو تصرف لا مسؤول من فوضويين ولا اباليين. لكن هذا ليس بمانع من تحليل هذه الظاهرة وأعادتها لجذورها وأول هذه الجذور هو الاعلام.
-وكما كان متوقعا ً- الاعلاميين ومنهم الرياضيين تبرأوا من دورهم التراكمي فيما حصل وبدأوا كيل التهم للناس وكأن الاحداث تحدث بلا مقدمات وهم من مقدماتها فنسوا دورهم في ترديد ترتيلاتهم الخاطئة كرة القدم توحدنا -جهلا ً منهم - إذ لا اتصور ان هناك من يقبل ان تختفي كل وشائج الوحدة الوطنية لتبقى فقط كرة قدم مستديرة يرتفع الشعور الوطني معها كلما ارتفع تصنيفها بترتيب الفيفا وينخفض هذا الشعور بانخفاضها ..
ايضا ً من جذورها ظاهرة ترييف المدينة وزحف القيم العشائرية منذ اول انقلاب في 58 واستمر الوضع بالسوء تصاعديا ً حتى بلغ اوجه بعد انتفاضة 91 وما تلاها من احداث من قيام الرئيس السابق بالتدخل المباشر باختيار شيوخ العشائر الموالين له وأبعاد اولئك الذين انتفضوا ضده او انتفضت عشائرهم فَخَلق مصطلح شيوخ التسعين.وبعد 2003 استمرت الحكومة على ذات النهج الخاطئ بالاستمرار في استغلال العشيرة وتحويلها الى حبال من بين حبال السلطة التنفيذية تسوس بها الشعب فحرفت العشيرة عن دورها الحقيقي كمؤسسة اجتماعية لها طقوسها الخاصة في بيئتها الاجتماعية , حيث قام رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بخلق ما اسماه شيوخ الاسناد كامتداد لشيوخ التسعين وانفق عليهم المليارات حتى انه قدم لكل منضم لشيوخ الاسناد سلاح شخصي بقيمة 3000 دولار.اذن العرف العشائري في اطلاق النار في المآتم والأفراح والختان كان مفهوما ً ان يتوسع ليشمل اطلاق النار بعد انتهاء مباريات كرة القدم لان المجتمع المدني انحسر امام قيم عشائرية متضخمة ومتمددة بتشجيع سياسيات خاطئة لحكومات متعاقبة حرفت العشيرة عن دورها المتميز.
هذه الحادثة – اطلاق النار - كسواها تخضع لثنائية عتيدة تتحكم بمجتمعنا ككل -وبضمنه مسؤوليه باعتبارهم نتاج له - وهي ثنائية القوي والضعيف فهي المحرك الاساسي والدافع لكل تصرفاتنا فذاتنا تتوق دائما ً الى ان تكون بموضع القوي وجعل المقابل بموضع الضعيف لذا ترانا نعيش سباق كراسي. والسبب شعور عدم الامان الموجود منذ قرون والذي تجذر بانقلابي 58 و 63 وما تلاهما من حصول سحل للجثث في الشوارع وتعليق للناس على اعمدة الكهرباء. ثم غياب فادح للعدل لذا هدفنا ان نكون ذوات قوية تؤمن نفسها امنيا ً واقتصاديا ً فتسرق وتتسلط لتشعر بالأمان الاقتصادي والشخصي .
تتفرع من هذا الدافع المهم نقطة فرعية تعمل كدافع لتصرفاتنا وهي ذكورية المجتمع فالذكر هو القوي والأنثى _ المقابل - هو الجانب الضعيف , وهنا لن احاول انتقاء الالفاظ وتجميلها بل دقة وضعنا وخطورته تجبرنا على الفاظ مباشرة وقصيرة واضحة بلا مجاملة. المجتمع الذكوري سيتفرع عنه ولا شك مفهوم متصل بالذكورة اتصالا ً مباشرا ً وهو الانتصاب الذكوري فالعشيرة قد تمر بهكذا حالات ومنها حادثة ظهور تصوير لأحد شيوخ العشائر وهو يشهر مسدسه على حقوقية كما نُقل. طبعا ً لو تم له الامر لاعتقد انه كان سيصيبها بأصبع قدمها الكبير.كان يرتدي البدلة اي يقول صحيح انا رجل عشيرة لكني مثقف اجمع الثقافة مع العشيرة. المسدس هنا وسحبه هو بلغة علم النفس بديل مقبول اجتماعيا ً عن العضو الذكري.
بنفس التفسير يمكن ان نفسر اعتداءات حمايات الوزراء والمسؤولين على السيطرات فذكاء العقل الباطن ومن اجل توسيع تطبيقه لهذه الفكرة نراه يلجأ للرمزية ويوغل بتجريدها مستغنيا ً حتى عن الرمزية المادية للمسدس ويكتفي برمزية السلطة والذكورية المتولدة من مرافقة المسؤول.فما دام المسؤول يمر بحالة انتصاب وشيوخ العشيرة يمرون بها اذن المواطن الضعيف قد يرغب بالتماهي معهم وان يكون قويا ً وان لمرة فيقرر ان يمر بحالة انتصاب وان لفترة وجيزة فيرتقي سطح منزله مغطيا ً انتصابه بعذر مقبول ويبدأ بإشعال السماء بالنار.
ذكورية المجتمع الكاسحة وظواهره الاجتماعية عجزت ان تقف امامها هيبة الدولة وسطوتها , ففي مباراة سابقة ارتقى ضابط منتسب للداخلية - وهو اخ لأحدى قريباتي –سطح العمارة وبدأ باطلاق النار مع المطلقين. وفي استعراضات القوة في شوارع الحبوبي بعد فتوى المرجعية انتشر اطلاق النار حتى اني كنت حاضر في احداها انظر للضابط بجانبي فهو يسمع ما اسمعه لكنه سيتحرك ان كان سيتحرك حجر الرصيف وانا المدني بجنبه بدأ دمي بالغليان ونظراتي تقول له لم تبقي طلقاتهم في الهواء اي هيبة لرتبتك.وفي اطلاق نار ثاني انتقدته امام صديق لي فكان على وشك ان يبتلعني ولسان حاله يقول لا شان لك بما يقوم المتطوعون للجهاد .لكن المرجعية سرعان ما انتقدت هذه الظاهرة الخاطئة وانتصرت لهيبة الدولة وان اطلاق النار يعني انتصار لداعش في انهم نقلوا الحرب الينا وان لا هيبة للدولة ستبقى وسنتخلى عنها لقوى بديلة وهو ما لم يكن المطلوب من اعلان الفتوى.كل هذه الامور تجتمع لتولد بيئة تخلق وتكيف تصرفات الناس.
مقالات اخرى للكاتب