ساحة الاحرار النصب التذكاري الذي طالما توسدته جموع المظلومين والمحرومين والجياع للمطالبة بحقوقهم وللتعبير عن قضايا همومهم ومعاناتهم فاصبح منبرا للحرية للشعب المقهور يقصده الناس من ارجاء العراق للتعبير عن مطالبهم او الانطلاق بثوراتهم التي ترتبط بوجودية الإنسان وحريته مستلهمين من قضية الإمام الحسين عليه السلام دروس الإصلاح والتحرر من كل أشكال الخوف والاستعباد والعبودية والذين يعتبرونها القضية المركزية التحررية للثورة ضد كل اشكال الظلم والفساد والطغيان
ومن حيث لا تزال قضية الإمام الحسين عليه السلام محور للجدل الديني والاجتماعي والسياسي القائم بالرغم من عمر تلك الحادثة الدموية التي تعرض لها عبر حقبات التاريخ السحيق حيث لا تزال شعارات تلك القضية شاخصة في النفوس والاعماق تلهب في الذاكرة وجرح عربي يتوسد الخاصرة
الإمام الحسين ع والذي خرج ثائرا طالبا بالإصلاح وإقامة الحكم العادل الذي تنطبق عليه اسس العدالة والحق والفضيلة وصلاح الانسان وبعد ان خرج الإمام واتباعه مطالبين بالاصلاح قتلته الفئة الباغية الضالة التي كانت تتمسك بمخالبها الوقحة في السلطة في كربلاء واريقت دماءهم الطاهرة في اسوأ مشهد دموي من القتل
ثم تتحول مجزرة القتل فيما بعد الى حرب تاريخية لكل الثورلا التحررية وحرب ثأرية وعقائدية ومصيرية لم تضع اوزارها حتى عصرنا الحالي .فلم تكاد تخلو حقبة زمنية على مر السنين إذ لم تشهد فيها ثورة ومطالبات وانتفاضات وفي كل حركة قيام للجهاد وحركة تمرد ضد كل اشكال الظلم والطغيان والفساد والتي كانت المحور الرئيسي لثقافة الثورة وعناصر امتدادها وديمومتها لكل ثورات الثائرين ضد الظلم ورموز الظلم والطغاة وكانت شعارات الثائرين تجسيدا لكل عناوين الثورة الحسينية وحتى في عناوينها الثأرية من اقطاب الظلم والطغاة. والمتتبع لهذا الحدث التاريخي والمنعطف الخطير في تاريح الأمة الإسلامية لوجد ان هنالك ترابطا وثيقا وصلة متلازمة لكل الثورات التي تلاحقت بعد ثورة الامام الحسين التي تم الاجهاز عليها من قبل جيش الحكومة الأموية والمتعاونين معها في سفك دماء الامام الحسين ع واهل بيته واصحابه. والتي اصبحت فيما بعد نقطة فاصلة في مسيرة ا لامة الاسلامية وانقسامها الى معسكرين بين الطالب بالثأر والمطلوب وبين جانب اخر من ادبيات ثورتها في الاصلاح والتغيير واحقاق العدالة وبين نزعة السلطة الحاكمة وأدوات غطرستها وظلمها ….
ان لغة الدم والثأر لن تولد سوى المزيد من اراقة الدماء والتوغل في الثأر وخصوصا حينما يكون بين طرفين نزاع عقائدي او فكري وبين طرفي النزاع بين شعب وسلطة وخصوصا اذ كانت تلك السلطة ورموزها تحمل فكرا مختلفا او تنتمي لعقيدة مختلفة او اتجاهات اخرى ضد اتجاهات الثائرين او القائمين بالثورة فلغة الدم وخصوصا في المجتمعات العربية لغة معقدة في اطارها العام كونها تخضع لإرادات وعادات مشبعة بالفكر القبلي المعقد تعطيه الاحقيه القبلية وحتى الدينية للمطالبة بالدم شرعا وعرفا وقانونا
ان ما حدث مؤخرا من ردات فعل خطيرة من قبل الاجهزة الامنية المكلفة بحماية المنطقة الغبراء من اطلاق النار على المتظاهرين واراقة الدماء على اسوارها ..يدل على ان هنالك مؤشرا خطيرا وحدثا كبيرا قد يحدث في ردة فعل اعتيادية وطبيعية مشحونة بردات فعل انتقامية وعاطفية تأخذ منحى جديد على خطى الثورة رغم التوصيات من قبل اللجان التنظيمية لها وحسب ما رفعه من شعار للثورة الزعيم مقتدى الصدر بأن الثورة سلمية حتى النهاية ..لكن لا احد يستطيع ان يتنبأ بالأحداث المتسارعة للمواقف وحدتها وردات فعلها وخصوصا ما رافق الحدث من تصريحات لمسؤولين حادة ضد المتظاهرين وما رافقتها من اعمال شحن وتأجيج سياسي وتلويح باستخدام القوة ان اسلوب السلمية التي اتبعها المتظاهرون طيلة فترة التظاهرات والاعتصامات اعطت القوة الدستورية والشرعية للتظاهرات بكل اساليبها وادبياتها الأخلاقية ...والقت تعاطفا شعبيا واسعا تعاطفت معها كل القوات الامنية والعسكرية وخضعت لارادة سلميتها وانضباطها ..لكن سلمية التظاهرة البيضاء تم تفريغها من محتواها بعد ان عجزت الحكومة من السيطرة عليها وقمعتها بالرصاص الحي للمرة الثانية وحولتها الى ثورة حمراء مصبوغة باللون الأحمر ولتشهد نقلة خطيرة في مسيرة الثورة ولونها الابيض ورايتها العراقية .. قد لا يحمد عقباه ان جاءت العاصفة الثورية الصدرية وتحولت الى ثورة مسلحة ستحرق الخضراء ومن فيها وخصوصا ان استعانت اطراف الحكومة بحماية حصونها من قبل قوى خارجية تتمثل بوجودية محتل جديد يفرض سلطة الحكومة التي فقدت شرعيتها الدستورية والاخلاقية والقانونية واصبحت مطلوبة للشعب بجريمة القتل العمد لابناء شعبها
وان الدعاة الجدد للديمقراطية وادعاءاتهم حول احترام ارادة الشعوب والحريات المدنية فعلوا ما لم يفعله (حزب البعث) !
وأجزم هما وجهان لعملة واحدة ، في تكرار اعمال القتل والقمع واستخدام القوة المفرطة من غير وجه حق ضد الأبرياء المطالبين بحقوقهم الشرعية والدستورية والقانونية . لكن الدعاة تفوقوا وبكل جدارة على سلفهم البعث باسلحتهم المتطورة وعقليتهم الهمجية وميليشياتهم الوقحة . شكرا للدعاة الحفاة على هذه المجازر العلنية ..والسلام على شهداء الحرية الذين كانوا امتدادا لشهداء الطف في ثورتهم التحررية الخالدة
مقالات اخرى للكاتب