اختاري الموت او اللاموت فجبنٌ ان لا تختاري . . .!
يبدو ان المرشحة الفرنسية مارين لوبن, زعيمة الجبهة الوطنية لحزب اليمين المتطرف, والمرشحة الأقوى والأوفر حظا لخوض الإنتخابات الرئاسية الفرنسية متأثرة بقصيد نزار قباني (اني خيرتك فأختاري ما بين الموت على صدري او بين دفاتر اشعاري), حيث بدأت لوبن مرثون حملتها التنافسية للإنتخابات الرئاسية برفع شعارها الإنتخابي الذي ستمهد به طريقها السياسي بتطهير فرنسا ممن تدور حولهم الشكوك من مزدوجي الجنسيات من خارج الإتحاد الأوربي والذين تعتبرهم لوبن بأنهم مصدر تهديد للأمن الوطني الفرنسي من خلال الأعمال المشبوهة التي يمارسونها.
هذه الخطوات بلا شك ستتخذها لوبن في حالة تمكنها من تخطي المرحلة الثانية بنجاح في نيسان القادم, وفوزها بالإنتخابات الرئاسية الفرنسية, والتي لا احد يستطيع التكهن بما سـتأتي به الأيام, وهل ستتفوز مارين لوبن في مارثونها الأنتخابي الرئاسي ام ستسحقها التوقعات مثلما سحقت جيوش التوقعات الأمريكية من قبلها السيدة هيلاري كلنتون واردتها طريحة الفراش.
وكما قال الشاعر العربي القديم: تقّدرون وتضحك الأقدار. . .!
مارين لوبن, اعتبرت الأمن الوطني الفرنسي هو الهاجس الأول الذي ستوليه الأهمية القصوى في برنامجها الرئاسي والذي ستتوجه بقرار وطني لا يحتمل التأخير :أما فرنسا وأما الرحيل خارج أسوار فرنسا .جاء ذلك في المقابلة التي اجرتها معها القناة الفرنسية الثانية, وايضا في خطبها النارية التي اطلقتها كجزء من حملتها الإنتخابية اثناء جولاتها المكوكية لدعم حملتها الإنتخابية والترويج لسياستها التي تعرف بالإسلاموفوبيا.
تصريحات السيدة لوبن تدخل في اطار ممارسة حقها الدعائي والسياسي كإمرأة سياسية, يحق لها القيام به او الترويج له كجزء من برنامجها السياسي الفرنسي, وهي بلا شك ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في هذا المضمار السياسي المتقلب الأمواج.
تصريح السيدة لوبن يشمل جميع مزدوجي الجنسيات من خارج الإتحاد الأوربي الذين يتواجدون على الأراضي الفرنسية بإستثناء مواطني روسيا الذين تعتبرهم لوبن جزءا من دول اوروبا.
ما يُثير الإستغراب لدى اليهود الفرنسيين هو التصريح الإستفزازي الذي ادلت به مارين لوبن والذي اثار موجة من السخط والتذمر والغضب بين صفوف اليهود الفرنسيين الذين اعتبروه بمثابة رسالة واضحة المعالم بين البقاء في فرنسا او اختيارهم اسرائيل, ليس هناك اختيار ثالت, (لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار) ولهذا كانت له ردود افعال مدوية وصدى في الشارع الأسرائيلي, وفي الساحة الفرنسية من قبل اليهود الفرنسيين الذين يعتبرون اسرائيل قبلتهم الدينية التي لا يمكن التخلي عنها او التخلي عن الجنسية الأسرائيلية.
الجديدر بالذكر, ان حزب الجبهة الوطنية التي تتزعمه مارين لوبن يُعتبر معاديا للسامية, «Anti-Semitic» (معاداة اليهود كمجوعة عرقية ودينية), وهذا ما يستشعر به الفرنسيون اليهود مزدوجو الجنسية, حيث يشعرون بعدم الأرتياح جراء الإستفزازات التي تمارس ضدهم, ومن مضايقات, خاصة ما يتعلق بإرتداء القبعة او الطاقية اليهودية في الأماكن العامة والتي تضمنتها التصريحات الإستفزازية لمارين لوبن, والتي كما يُفهم منها ما بين السطور بأنه إجراء تتخذه الحكومة الفرنسية في مجابهة الإسلام الراديكالي المتطرف.
من جانب آخر, هنالك إستياء وإمتعاض في صفوف الجاليات اليهودية الفرنسية, ولغة الإستياء والإمتعاض تُثار في الإعلام ومواقع التواصل الأجتماعي, فبعض الناشطين اليهود يرَّون في تصريحات مارين لوبن المعادية لليهود حالة من التجني ضد اليهود الذين يعتقدون بأن اوروبا تخلصت على اقل تقدير من ستة ملايين يهودي واستبدلتهم بــ 20 مليون مسلما, وانهم (الأوربيون) تخلصوا من اليهود ومواهبهم الثقافية والعلمية في الإبتكار وخلق أمل لمستقبل افضل لإطفالهم, واستبدلوهم بالمسلمين الذين اغرقوا أوروبا بالقذارة والجريمة وحولوا مدنها الجميلة الى احياء فقيرة كما في العالم الثالث, ناهيك عن محاولات التخطيط لقتل وتدمير مضييفيهم. ويستطردون بالقول: بأن تصريحات لوبن الإستفزازية أشبه بالقرار النازي المعادي لليهود الذي يحمل في طياته ذكريات الكراهية والحقد الذي مارسه الحزب النازي الألماني ضدهم.
وفي ظل موجة السخط والتذمر والغضب اليهودي, والخوف من المجهول المرتقب الذي يستشعره الفرنسيون اليهود, تطفو على السطح الفرنسي حالة أخرى لا تقل في حجمها من التذمر والإستياء الذي يشعر به الفرنسيون اليهود, حيث يشعرالمُسلمون من جانبهم بأن تصريحات مارين لوبن تحمل في طياتها رسالة إستفزاز وإنذار مسبق لمستقبل وجودهم في فرنسا, سيّما وان التحولات السياسية في العالم الغربي بعد فوز مرشح الحزب الجمهوري الأمريكي دونالد ترمب, والذي حَركَ ما كانَ ساكناً عندما القى حجراً كبيراً في بُركة ماء راكدة, وتحديداً عندما إستثنى مواطني سبع دول مسلمة من دخول الأراضي الأمريكية في اولى قراراته الإقصائية, ستلقى بظلالها وانعكاساتها السلبية في المسقبل القريب على معظم دول العالم, وخاصة دول اوروبا التي تحتضن الكثير من الجاليات المسلمة. ناهيك عن حالات التخريب والأعمال الإرهابية التي تشهدها اوربا بين الحين والآخر على يد ما يسمى بالجماعات الإسلامية المتطرفة, والتي بلا شك ستؤثر سلبا على مزدوجي الجنسيات من الجاليات الإسلامية التي تضعهم الأحداث بين مطرقة القرارات السياسية العشوائية وسندان الضياع وفقدان هوية الإنتماء لتراب الوطن الأم, وهم بهذا لا ذنب لهم سوى أنهم هُجُّروا من بلادهم او هَجروا بلادهم بحثاً عن الأمان والحرية والعيش الكريم.
المُسلمون ايضاً, يرَّون بأن تصريحات مارين لوبن ستخلق حالة من الفوضى والإحتقان, ويرَّون بأنه بدلا من إشاعة أجواء الأمن والتعايش السلمي الذي يَطمح له العالم بأسره, ستثير توجهاتها الإنتقائية ربما موجة من الغليان في صفوف الجالية المسلمة وتحديدا مواطني الجنسيات المزدوجة من خارج الاتحاد الأوربي.
وهنا يمكن القول, بأن تصريحات مارين ستمهد لخلق حالة من الفوضى والإحتقان والصراع في اوروبا والتي بلا شك ستجد لها أرضاً خصبة من المشتركات اثر التحولات السياسية والمتغيرات الدراماتيكية السريعة التي تعصف بالعالم والذي بدت علاماته تلوح في الأفق وتتمايل قبضاته في تصريحات مارين لوبن الأخيرة المشابهة نوعا ما لقرارات دونالد ترمب الإقصائية.
والسؤال هنا الذي لا يحتمل الصمت: هل ستنجح مارين لوبن في مشروعها السياسي لو افترضنا بأنه كُتب لها الفوز في الإنتخابات الرئاسية الفرنسية, ام ستصطدم أمواج سفينتها المبحرة بشراع حزبها اليميني المتطرف بصخور معارضة سياسية اوربية لا تتوقعها وسط امواج البحر الهائج المتمثل بالسياسة الدولية المتغيرة الأوجه والتي تحكمها المصالح والمنافع والتوجهات الخارجية؟!
أحمد الشحماني
land.of.ishtar@gmail.com
مقالات اخرى للكاتب