العراق تقسيم ثلاثة يساوي ـــ خراب البصرة ـــ ان لم يكن صفراً , معادلة كريهة قطعت اشواط بعيدة في تمزيق وحدة العراقيين وجغرافيتهم , واسست لثقافة مخيفة جعلت المواطن مضطراً لأجترار اقدارها , لا يعرف اين تتجه به ومن يدفع به حتى نهايتها, فاصبح نادراً ما يتذكر ذائقة الأنتماء وشهية الولاء ورؤية هوية المواطنة .
بعد التغيير عام 2003 وسقوط النظام الطغموي ودولته البعثية , واكمال الفاجعة في سرقة وتهريب التاريخ العراقي عبر حدود ووسائل كانت معدة داخل اضبارة النوايا الأخرى للأحتلال , وفي اجواء الفرهود الشامل , اختار الحاكم المدني الأمريكي السيد بول بريمر وبأشراف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء, الوجوه البديلة للرموز البعثية الساقطة , بغية اكمال ما عجز عن انجازه النظام البعثي من مشروع تقسم العراق , معتمداً تشكيل حكومة التحاصص والتوافق اساساً للتمثيل الطائفي القومي على حساب المشروع الوطني العراق , تلك الوجوه , ما كان العراق يتخيل ان تحكمه وتتحكم بمصيره ومقدراته كبديلة للنظام البعثي , القليل رفض ان يتعامل مع شعبه ووطنه وهوية انتماءه بمثل تلك الطريقة المهينة, الأغلبية ازدحموا حول طاولة قراءة الفاتحة على روح المواطنة , مدفوعين بجوع قديم للسلطة والثروات والجاه والمستحيل الذي وفره لهم جنود الأحتلال , كل طرح على طاولة الفرهود , النسبة السكانية للمكون الذي سيمثله داخل خيمة النظام الجديد للتحاصص والتوافقات , مسافرون في قطار اللعبة المشبوهه لا يعرفون بداية الطريق من نهايته , سوى انهم سيتحكمون كل بمصير المكون الذي ادعى تمثيله , نظام مشرعن بهامش متواضع من الحريات الديمقراطية ودستور لا يستطيع من بينهم ان يرتديه بمفرده كما انه لا يستوعب مجموعهم , فكانت قسمة ثلاثية الأضلاع غير منتظمة , الضلع الشيعي متمترس ثأرياً داخل ثكنة مظلوميته والضلع السني ماسك ذيل التاريخ مسكون بهوس عودته كما كان امارة لمظالمه والضلع الكوردي المنحدر مع تيار اوهامه القومية حتى نقطة اللامعقول وفقدان توازن الحلم مع الواقع , العراق الوطن والأم والخيمة والشراكة والهوية والمستقبل والمصير , حشر داخل معادلة القسمة على اضلاعه , فكانت نتيجتها الموت المجاني لألاف الشهداء ومعاناة الملايين من الأرامل والأيتام والمعوقين والمشردين وخراب مرعب للبيئة الأجتماعية وحرائق فتنة لا زالت تجتر اخضر ويابس حاضر ومستقبل العراق .
المواطن العراقي , المحبط من داخله , فاقد الثقة بمن يدعي تمثيله , حلم مستقبله يترنح على حبل الهاوية , يخاف عليه السقوط فيشده الى امل تقويم الهامش الواهي للحريات الديمقراطية الذي تكرم به الأحتلال , ودستور نتف الواقع ريش مواده المحتالة , انه صراع بين غضب صمته وكذبهم ( المصفط ) , بين انتماءه وصدق ولائه وتبعيتهم , بين ثرواته المسروقة ودلالي المزادات السياسية , بين بؤس واقعه وعبثية اغلبية برلمانية عبرت على ظهر ثقته واصواته , بين حلمه في حاضر كريم ومستقبل افضل, ووحشية قوى الظلام والردة , صبوراً حتى اذا كان موعد الخلاص بعيداً, حريصاً ان يضع قدميه على البدايات السليمة لطريق مستقبله , اخطاءت ثقته مكانها لثلاثة دورات انتخابية , وانتحرت قضيته بأصواته , لكنه بالتأكيد قد تعلم الدرس واسلوب التعامل مع اضلاع القسمة الثلاثية , لم يبق على الأختبار الأصعب ( لأنتخابات 2014 ) الا عام واحد , ولا نطالبه بتحقيق متغيرات هائلة ـــ فالوقت مبكر ــ بقدر ما نتمنى ان ينجز نتائج مثمرة وتحولات نوعية تساعده على تحرير مصيره من قبضة المتطفلين على تقديس جهيله ومشروع استغفاله , ويرفع ما يستطيع من ثقل معاناته للأربعة اعوام القادمة , ليتفرغ الى اعادة ترتيب اوراق وعيه ورؤياه للقادم من مواجهات مصيره .
هنا ايضاً على الخيرين من داخل الحكومة وخارجها , وهم يشكلون وفرة نخب داخل حراك المجتمع العراقي, عليهم ان يتجاوزوا غيابهم وارباك مواقفهم وادوارهم المجاملة , ويطرحوا انفسهم بقوة وثقة ضمن قوائم وافراد في الأنتخابات القادمة ويتجنبوا القبول بهامشية الأدوار ضمن قوائم الأنتكاسة لأطراف مشروع القسمة , انه جهد يجب ان تشترك فيه النخب الوطنية والرأي العام من داخل حراك الشارع العراقي , انه جهد استثنائي جدير بأستعادة الهوية الوطنية المشتركة الى ضمير ووجدان المجتمع العراقي , فالأرادة الحرة لا تُصنع ولا يمكن استيرادها , انها الذات الذكية عندما تتفاعل بوعي مع محيطها .
لقد استهلكت اطراف ثقافة التقسيم اغلب ادواتها , ولا تملك الآن الا بقايا تشويهات ورتوش شعاراتية مظللة تتصيد فيها بعض المكاسب الأنتخابية في العكر من مياه الغياب النسبي للوعي الجمعي , ولم يبق امام القوى الراغبة والصادقة في احداث تغييرات واصلاحات جذرية , الا ان تحسن استعمال ادواتها الوطنية واختيار مواقع البديات ثم التصميم والصبر والفعل المثمر .
العراقيون يوجعهم صمت الغضب ورغبة الأصلاح والتغيير , تاريخهم وحاضرهم وعظم معاناتهم , تضغط الآن لولادة عراق جديد, لا نرى على طلعته اسمال مرحلة الأقتسام والتحاصص .
كم سيكون جميلاً , ان نرى العراق مقسوماً على واحد في معادلة وطنية تكون نتيجتها الحتمية شعب واحد لوطن واحد , كل مكون فيه , يشعر بأن العراق له مثلما هو للجميع , وتصبح فيه نوايا ومفردات القسمة والتقاسم الطائفية القومية العرقية مخجلة على قارعة مستنقعات التاريخ , ان لم تتراجع دون عودة الى اماكن تجد فيها حدود حريتها في ممارسة طقوسها طائفية كانت ام قومية دون السماح لأتساع مظالم ايديولوجياتها او تكرار محاولاتها ابتلاع الدولة والمجتمع معاً .
مقالات اخرى للكاتب