من الفضائل الحميدة التي يحرص عليها المرء في سفره، أن يزور المكتبات والمساجد، فهي معيار، تُعرفُ عبره الدول والمجتمعات. ويمكن تحديد درجة التقدم والتخلف من خلال ماتبثه أماكن العبادة، وأماكن القراءة والمطالعة، لروادها وأبناءها.
وصباح هذا اليوم، اغتنم فرصة مرافقة الأم الغالية لطبيب القلب بالبليدة، ليزور إحدى المكتبات بوسط المدينة. وبعدما اقتنى لأبنائه "العربي الصغير"، وهي مجلة شهرية، جيدة الإخراج، وسهلة، وممتعة، وجذابة، ومفيدة. اشترى كذلك لنفسه، كتاب حول تصحيح بعض الأخطاء اللغوية الشائعة. وبما أنه لم يتصفحه بعد، يؤجل ذكر اسم الكاتب والكتاب، إلى مناسبة أخرى، إن أتيحت.
وبينما هو يجوب المكتبة، إذ يقف على الرف الخاص بالمطويات:
فتستوقفه المطوية الأولى بعنوان: " التحذير من المسلسلات التركية".
والثانية بعنوان: " التحذير من مسلسل عمر بن الخطاب".
والثالثة يحذر فيها صاحبها من مشاهدة قنوات عربية بعينها، والتي تتبع دولا بذاتها، أوجهات ذكرها صاحب المطوية، ثم أردف صور القنوات، وزاد عليها، أن حذّر من قنوات الرسوم المتحركة، والأطفال التابعة لها.
ليست من صلاحيات هذه الأسطر، أن تناقش التحذير، بالقبول أو الرفض، فهي أراء رآها أصحاب المطويات، ولاتلزم إلا أصحابها. لكن الذي دفع لكتابة هذا الأحرف، وجعل صاحبها يسرّ على الكتابة، ولاينتظر الصباح، هي:
لماذا التحذير لايشمل المسلسلات التي تبثها دول أصحاب المطويات؟.
لماذا التحذير لايشمل القنوات التي تموّل من طرف دول أصحاب المطويات، خاصة تلك التي أشعلت النيران في سورية، وتعمّدت عدم إظهار الدخان في بيتها؟.
لماذا الإصرار على التحذير من مسلسل عمر بن الخطاب بالذات، رغم أنه كان من الناحية الفنية ضعيفا، وكان أقل سوءًً، مقارنة ببعض المسلسلات، خاصة ذاك الذي قدّم مسلسل خالد بن الوليد؟.
بتاريخ: الأربعاء: 06 رمضان 1433هجري الموافق لـ: 25 جويلية 2012، كتب صاحب الأسطر مقالة بعنوان: "زوال عقدة الصورة من خلال مسلسل عمر بن الخطاب"، عرض فيه يومها، سلبيات وإيجابيات المسلسل، إذ ببعضهم، يمطرونه بوابل من التهديد والوعيد، لأنه في نظرهم خالف العلماء، الذين حذّروا من مشاهدة المسلسل، رغم أنه ذكر السلبيات والايجابيات.
إن تعمّد إظهار التحذير، من مسلسل، أو قناة، أو كتاب، أو كاتب، وإخفاء في نفس الوقت، التحذير من مسلسل آخر، وقناة أخرى، وكتاب آخر، وكاتب آخر، هو الذي يجب منه الحذر والتحذير.
فالمسألة ليست في التحذير من هذا أو ذاك، فكل يحذّر مما يراه يستوجب التحذير، لكن الذي يستدعي التحذير منه، هو لماذا الصمت المطبق، عن هؤلاء وأولئك، وعدم التحذير منهم؟.
ومن الإنصاف، أن يحذّر المرء نفسه أولا، ومن يليه ثانيا، ولو كان الوالد والولد، ثم ينتقل بعدها إلى أبعد مسافة إن أمكن. وليعلم أن سماء الأطباق، تخترق الأبواب المغلّقة بسهولة ويسر، والناس تتبع القوي في أداءه، ولو حذّرتهم منه، وتعرض عن الضعيف في أداءه، ولو ظلّ يحذّر الناس، فكن قويا في أداءك، يغنيك التحذير
مقالات اخرى للكاتب