لا شك ان جزءا من معلومات الخطاب الامني الرسمي لما يجري من مواجهات مع الجماعات الارهابية المسلحة صحيح، لكن ضعف البناء الاحترافي لاشكال تقديم هذا الخطاب يفرط حتى بهذا الجزء الصحيح من المعلومات، سيما ان ثمة لتلك الجماعات اقنية ناشطة تروج لخطابها ومعلوماتها، وثمة جهات سياسية تعارض الحملة العسكرية تقدم خطابا امنية يختلف كل الاختلاف مع الخطاب الامني الرسمي، ينافسه ويتشكك فيه.
مواجهات الانبار تكشف عن معايب الخطاب الامني الرسمي الذي يصر على تجهيز فكرة "الاقتدار" و"الانتصار" وانصاف الحقائق، انطلاقا من مفهوم قديم، عفا عليه الزمن، يقول: لاينبغي ان يعرف المواطن الصعوبات والاخفاقات الميدانية والخسائر، لأن ذلك يضر بمعنويات المواطن والمقاتل، وهو تدبير لم ينجح في السابق (في كل حروب العرب) وجاء بنتائج سلبية كارثية حين كان الاعلام والصحافة تحت هيمنة السلطة، فكيف اذا ما انقلب الوضع وصار الاعلام الآخر سيد الساحة.
على ان الخطاب الامني الرسمي هو من اعقد واخطر وظائف الحكومة لمحاصرة الجريمة وتعبئة المواطنين حيالها، وقد ينقلب الى الضد من وظيفته إذا ما قـُدم بعجالة وتخبط وتضارب، بل وقد يكون عاملا في ترويج الجريمة والتغطية عليها حين يكون هذا الخطاب بيد موظفين غير مهنيين او غير متخصصين او غير مؤتمنين على حياة المواطن ومصالح البلاد.
الدول الحريصة على أمنها، في ظل العاصفة التي هبت على تقنيات الاتصال، تعكف على بناء خطاب امني منهجي صارم يقوم على كيمياء المصداقية والاقناع واحترام العقل ويتجنب اللف والدوران وانصاف الحقائق واستغفال الجمهور ودس معلومات اضافية وغير واقعية ضد “العدو” كما انها تعهد مسؤولية الخطاب الامني الى خبراء في التعبئة والاعلام ممن يمتلكون معارف في القانون الجنائي واللغة والسايكولوجيا وعلم المخاطبة وكفاءة التنبؤ واحتساب الحساسيات والمخاطر لضمان التأثير في الجمهور وكسبه.
باختصار شديد، يمكن القول ان ثمة فجوة بين المواطن العراقي والخطاب الامني، وثمة، بالمقابل، إصرار عجيب على تقديم الجملة الاعلامية الامنية على خطى ابجدية الاعلام الدعائي القديم المستهلـَك الذي تعوّد القول بعد كل هزيمة: الرئيس سالم. انتصرنا.
“ أدعي على ابنى بالموت، و أكره اللي يقول آمين".
مثل مصري
مقالات اخرى للكاتب