هدف هذه المقالة هو الأجابة اولا عن تساؤلين شغلا اهتمام العراقيين:
• لماذا لم تفرز الحياة السياسية بعد التغيير قائدا سياسيا بمستوى رجل دولة؟
• وما السبب الذي جعل العملية السياسية في العراق منتجة للأزمات؟
انك ان وجهت هذين التساؤلين الى الناس لكان خلاصة جوابهم، ان السياسي يهمه الكرسي والثروة "وليذهب الآخرون الى الجحيم".وان وجهته للمحللين المعنيين بالشأن السياسي لكانت خلاصة اجاباتهم..ان التغيير في العراق جاء بتدخل اجنبي،ولو ان القوى السياسية العراقية كانت هي التي اطاحت بالنظام الدكتاتوري،لأفرزت قائدا سياسيا يوحّدها فتلتف حوله،لكنها كانت اشبه بفرق عسكرية متجحفلة في خنادق..لكل خندق عنوان وقائد..يجمعها هدف واحد هو التخلص من النظام،وتفرّقها مصالح حزبية وطائفية وقومية.
ومع صحة هذه الاجابات فان لنا، نحن المعنيين بعلم النفس السياسي والاجتماعي، تفسيرا مختلفا..هو ان السياسي العراقي..احول عقل..وصبرا علينا الى ان نكمل توضيح ما نقصده.
يعني (الحول) بالمفهوم العام عدم وضوح رؤية الاشياء بسبب خلل في العصب البصري.وبهذا المعنى يكون الحول العقلي عدم وضوح الأفكار،الرؤى،الواقع..بسبب خلل في عقل المصاب به. وتختلف مستويات هذا الخلل بحسب حدتها..من الشيزوفرينيا بانواعها..الى البرانويا بانواعها..الى الدوجماتية التي تعد علّة الحول العقلي لدى الغالبية المطلقة من السياسيين.
ولكي تتوضح الصورة لحضراتكم..اليكم آلية عمل الدوجماتية في عقل صاحبها:
ان الدوجماتي لا يسمع الا نفسه، ولا يتقبل الرأي الاخر،وغير قادر على التخلي عن ارائه حتى لو بدا له خطؤها. والدوجماتية تعمل على تشكيل شخصية تتصف بصلابة الرأي التي لا تسمح لصاحبها أن يتزحزح عن مواقفه..لأن الآخرين يفسرونه ضعفا، بل انها تدفعه الى فرض آرائه بالتحذير،بالتهديد،بالحرمان،بالقوة والعدوان.
والدوجماتي يكون عقله محشوا بقيم ومعتقدات ماضوية لها صفة اليقين المطلق بصحتها، والرفض السريع لأي دليل او مناقشة تتعارض مع معتقداته..ومعاداة من يحاول تفنيدها بالمنطق والحجة،والنيل من الآخر ان وجد فيه خطرا يهدد معتقداته او وجوده، والنظر الى الامور الجدلية على انها ابيض واسود فقط..ومن يعارضه يكون عدّوه.
تلك كانت هي الاسباب الخفية التي جعلت العملية السياسية منتجة للازمات ،وهي الصفات التي تنطبق على العقل السياسي العراقي (الديمقراطي!)بعد التغيير.والتساؤل الأهم والأخطر هو:
• ماذا بعد داعش؟!.هل سيبقى العقل السياسي العراقي على حوله؟
ما نخشاه..ان يكون القادم اخطر. ذلك ان الدوجماتي غير قادر على تغيير مواقفه واتجاهاته نحو الجماعات الاخرى حتى لو تطلبت الظروف ذلك. ولا تحسبوا هذا قولا اكاديميا او نظريا،فالدراسات الميدانية من واقع الاحداث توصلت الى ان الدوجماتية هي السبب الرئيس للخلافات السياسية التي غالبا ما تنتهي بحروب،وأنها (مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين.
ما ينبغي ان ننتبه له هو ان الدوجماتية (مخدّرة) الآن بفضل داعش التي اضطرت الدوجماتيين والطائفيين الى ان يتوحّدوا..ولكنها ستصحو ما ان ينتهوا من داعش ويضعهم الواقع امام مهمة عطّلتها الدوجماتية اثنتي عشرة سنة هي (المصالحة الوطنية)..التي من اهم شروط تحقيقها ان تتمتع الأطراف السياسية بالانفتاح الفكري والقدرة على التسامح،والمرونة في تقديم تنازلات متبادلة..اثبتت السنوات العشر الماضية ان العقل السياسي العراقي كان فيها (أحولا)..يحمّل الجماعة الاخرى كلّ اسباب الفشل السياسي والخدمي وخلق الازمات..مع انه شريك فاعل في خلقها..وفوقها، يرى ان جماعته على حق والأخرى على باطل!.
وما يزيد من خشيتنا،ان ما حصل من عمليات (أخذ الثأر)الذي صاحب استرجاع تكريت،وما جرى من تضخيم اعلامي لتجاوزات حسبت على طائفة معينة برغم ادانة الحكومة لها ،وما سبقها من اعمال انتقام في سبايكر، فضلا عن عائق آخر يهدد المصالحة الوطنية في العراق هو طموح ايران في ان تكون بغداد عاصمة الامبراطورية الفارسية!..قد يتكرر في الانبار والموصل..فتفتح بابا آخر لجهنم ،ما لم يستثمر العراقيون (غفوة) الدوجماتية..بتعزيز توحدّهم ونقله من حالة موقفية الى حالة مبدأية،والبدء بفك شرنقة الدوجماتية عبر خطاباتهم في فضائياتهم ووسائل اعلامهم..بما يفتح نوافذ اوصدتها في عقولهم لسنين،وزادها سياسيو الزمن الديمقراطي باغلاق ما بقي منها بالكونكريت..عمل رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي على ازالة قسم منها..وينبغي علينا..سياسيون واكاديميون ومثقفون مساعدته على فتح نوافذ..ليس فقط في العقل السياسي العراقي..بل ان جماهير الأصابع البنفسجية بينهم الكثير من هو..(احول عقل) ايضا
مقالات اخرى للكاتب