كلما سمعت او قرأت عبارة (الاعلام الاسلامي) تذكرت ان المعارضة الاسلامية بطيفها الواسع قدمت من بلدان المهجر تجربة اعلامية جيدة موجهة الى الداخل ، وقد تعد نموذجا اعلاميا تعبويا ناجحا ومنسجما مع المرحلة على صعيد الصحافة والاذاعة والتلفزة ، لكن المشاركين في تلك التجربة كانوا يشعرون بأن النموذج التعبوي لا يمكن ان يمد الرأي العام دائما بمادة تبليغية ذات مضامين عميقة ، فلا بد للاعلام في مرحلة التعبئة ان يخصص جزءا كبيرا من جهده للتنمية الثقافية والتغيير وتقديم المضمون العقيدي والاخلاقي للمجتمع ، وتعريف المشروع السياسي وركائزه الفكرية التي تميزه ، وان لا يبقى العمل الاعلامي احادي الجانب ، كانت حجة القائمين على الاعلام الانشغال سياسيا وعسكريا وعدم وجود وقت كاف للبلاغ الثقافي وبذلك بقي على الدوام بلاغا ضعيفا وتقليديا ومفتقرا للجاذبية وعاجزا عن المواكبة والتحديث ، الا ان ذلك الضعف اصبح فيما بعد مؤشرا على الفراغ الكبير الاكثر خطرا ، فقد اتضح لاحقا ان الاعلام الاسلامي لم يكن فقط فقيرا في مضامينه الثقافية بل كان يشكو من حالة فراغ وغياب اديولوجي ، فاغلب الاحزاب والشخصيات لم يكن لديها مشروع سياسي مستقبلي بديل في العراق ، وبعضها كانت لديها رؤية وبرنامج سياسي بديل لكنها لم تحرص كثيرا على طرحه في الاعلام ، كما ان ضريبة المهجر جعلت بعضهم حائرين بين نموذجين النموذج الديمقراطي اللبرالي العلماني اللاديني الاحدث في العالم ، والنموذج الاسلامي الشيعي المعروف بولاية الفقيه في زمن الغيبة الكبرى وهو مبحث معروف ، فاذا روجوا في اعلامهم للمشروع الاول اتهموا بأنهم سائرون في ركاب اميركا والغرب ، واذا روجوا للمشروع الثاني اتهموا بأنهم امتداد لايران ! وكأن ولاية الفقيه ملك مسجل بأسمها ! وقد ادت هذه المعادلة المخيفة الى لجوء بعض الاسلاميين العراقيين في اعلامهم المعارض الى اسهل الحلول وهو ابقاء المشروع السياسي المستقبلي مسكوتا عنه ، واحيانا حصره بموضوعات متناثرة وعامة حول العدالة وحقوق الانسان والتنمية بدون اي تأطير اديولوجي ، وعندما سقط النظام السابق وبدات العملية السياسية انغمس اغلب الاسلاميين في المشروع الديمقراطي ، بعضهم قال ان الديمقراطية متوافقة مع الاسلام ويكفي ان نشارك في هذه التجربة لانقاذ البلاد والعباد وابراء الذمة ، خاصة وان الدستور العراقي حرم لاحقا اي تشريع يخالف الاسلام ، فيما قال آخرون : ان المشاركة في هذه التجربة هي مقدمة وحالة انتقالية الى الحكومة الاسلامية التي ننشدها في المستقبل ، لكن على الارض انشغلت معظم الاحزاب الاسلامية في التجربة واصبحت متفرغة تماما للحكومة والبرلمان والصراع على المواقع والمنافع ، واصبح أغلب الاسلاميين يمتلكون صحفا وقنوات واذاعات ومواقع شبكية ، لكنهم يمارسون اعلاما خبريا وسياسيا يركز على تطورات الصراع فقط والموضوعات الآنية ، وبقي البلاغ الثقافي العقيدي مهملا ، فلا يستطيع المتابع لاعلامهم ان يلمس وجود مدرسة او رؤية خاصة ، انه مجرد اعلام لخدمة اللعبة السياسية ، وبناء النفوذ والتفوق والدعاية ومحاولة استخدام الاغطية الطائفية والدينية لاستقطاب المتلقي ، لم يلمس احد من المراقبين ان لدى الاسلاميين مشروعا سياسيا له فهمه الخاص في العدالة والحاكمية ، او له قدرة الربط الفعال بين الحاكمية وخلافة الانسان ، وبين خلافة الانسان وحقوق الانسان ، او له قدرة الرد بقوة على من يعتقدون بافتقار الاسلام الى مشروع سياسي ، ومع ان موضوع الحكم في الاسلام قديم كقدم الصلاة والصوم الا ان كثيرا منهم أخذوا يتكتمون عليه وينادون بالاندماج بالتجربة الديمقراطية اللبرالية . ولكن هذا الانسياق لم يشمل الجميع فقد بقي بعض الاسلاميين يحاول ان يكون له منهجه الخاص في العمل السياسي وطرح المشروع البديل والالتزام بالرؤية الشرعية في الحكم والتعامل مع مشاكل المجتمع ، هذا النقص كانت له آثار واضحة في المشهد الاعلامي والثقافي العراقي اليومي ومن تلك الآثار : 1- كان اعلام صدام قد بذل جهودا جبارة في تشويه المعارضين الاسلاميين والطعن بوطنيتهم ونزاهتهم واتهامهم بالتخلف والجمود ، واستطاع زرع هذه الافكار في العقل الجماعي والرأي العام لثلاثة عقود ، وكانت مهمة الاعلام الاسلامي الجديد تصحيح هذه الرؤية باسلوب منهجي لكنه لم يفعل ذلك ، ومن حاول فعل ذلك لم يكن موفقا بما يكفي ، فبقيت تلك الآثار عالقة في ثقافة المجتمع وفي اللاوعي الجمعي . 2- بعد سقوط نظام صدام لم يظهر قطاع اعلامي صاحب خصوصية فكرية او هوية خاصة ، انه مجرد اعلام خبري سياسي تقليدي لذا لم يعد بحاجة الى كادر اسلامي معد ومدرب فكريا ، بل اصبح بامكان الشيوعي والقومي واللبرالي والبعثي ان يعملوا في دوائر هذا الاعلام بدون اي حواجز او تقاطع في الانتماء ، هناك اعلاميون سلخوا اعمارهم في خدمة الديكتاتورية والعمل كأبواق لديها اصبحوا الآن صوتا لهذه التجربة مع كونها نقيضا للماضي ! كل ذلك يدل على ان اغلب الاسلاميين في العملية السياسية الراهنة هم اسم فقط بلا مضمون ونموذجهم الاعلامي دليل على ذلك ، يمكن وصف بعضهم بأنه علماني متدين ، والعلماني اللاديني خير من العلماني المتدين لأن المتدين يستخدم الدين لتغطية اخطاءه ونياته السيئة ، ولكن يبقى في هذه القصة فريق منتم واصيل وصادق يريد استعادة دوره بين قسوة الاعداء وغدر المنافسين .
مقالات اخرى للكاتب