Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
بحث للمنبر الحسيني – وفاة أمير المؤمنين {ع}... بقلم: الشيخ عبد الحافظ البغدادي
الخميس, أيار 16, 2013

 

 

 

 

 

هناك  أربع نظريات في تحديد هوية المخططين والممولين لمؤامرة اغتيال الإمام  أمير المؤمنين {ع} في مسجد الكوفة سنة أربعين للهجرة، مع تسليمنا أن التنفيذ كان على يد أشقى الأولين والآخرين عبد الرحمن بن ملجم، وبدعم مباشر من الأشعث بن قيس الكندي، وقطام بنت الأخضر التميمية....

               النظرية الأولى وهي المشهورة عند المؤرخين تقول إن  التخطيط والتمويل والتنفيذ إلى مجموعة من الخوارج ....الرأي الثاني يقول : هناك قرائن عديدة أن لمعاوية بن أبي سفيان يدا في ذلك، واشترك هو وعمرو بن العاص في التخطيط والتمويل لهذه المؤامرة ....

                  النظرية الثالثة :..أن المؤامرة كانت من تدبير الأشعث بن قيس الكندي بمفرده، فيما يلقي رأي رابع التهمة على عمرو بن العاص، وأنه أراد أن يتخلَّص من أمير المؤمنين {ع} ومعاوية على السواء لتخلو له أجواء الساحة الإسلامية. سنستعرض في هذه الليلة النظريات الأربعة وما يمكن أن يسجل عليها من ملاحظات، مع أيجاز سيرة الشخصيات التي تولت تنفيذ عملية الاغتيال وارتباطاتها بالأطراف الأخرى موضع الاتهام، وسيناريوهات التنفيذ، فإن ذلك قد يعيننا على معرفة الجهة المخططة والممولة للعملية الأثيمة.

       المعروف إن الخلفاء الراشدين قتل من الأربعة منهم ثلاثة وهذا  يندرج بالقتل مع سبق الإصرار والترصد ، لأن الجاني غالباً ما يهيئ الأسباب، ويترصد المجني عليه في أثناء حياته اليومية الاعتيادية، كالتنقل من بيته إلى العمل، أو إلى المسجد، أو يترصد له حين السفر، وربما يدخل منزله خلسة فيقوم بقتله.....

الاغتيال السياسي :...    تختلف دواعي القتل وأسبابه و تسمياته، فقد يكون لدوافع شخصية ثأرية، أو لأطماع اقتصادية، أو لأسباب مذهبية أو دينية أو عرقية...، وحينما يكون القتل لدوافع سياسية أو أيديولوجية يعرف  بالاغتيال السياسي: وهو اصطلاح يعني التخلص من الأشخاص بالقتل على حين غفلة لدوافع سياسية مرتبطة بالفكر والأيديولوجية عند الأفراد والجماعات، والجاني في الاغتيال عادة يكون مدعوماً من جهة معينة سياسية أو اجتماعية كأن تكون منظمة، أو حزبا أو دولة، غايتهم غالباً تصفية الخصوم لشعورهم بالخطر من المجني عليه بشخصه أو بفكره، أو لإثارة الفوضى في المجتمع أو كحرب نفسية للتخويف أو لغير ذلك من الأغراض .

             وأول عملية اغتيال سياسي حدثت في الإسلام بعد وفاة رسول الله{ص} كانت اغتيال سعد بن عبادة الأنصاري، سيد الأنصار _الأوس والخزرج_ حين اجتمعوا في سقيفة بني ساعده بعد وفاة النبي{ص} للتشاور  في البيعة ، حين وصل أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين للسقيفة  ، كثر الجدال بين الطرفين، ثم حسم ببيعة عمر لأبي بكر، وما أن استقرت به الأمور حتى أرسل أبو بكر إليه يأمره بالبيعة، فقال سعد: ((لا والله لا أبايع حتى أرميكم  بما في كنانتي، وأقاتلكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي)) ، فلما جاء الخبر للخليفة  قال بشير بن سعد: إنه قد أبى ولج، وليس بمبايعكم أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تحركوه، فقد استقام لكم الأمر فإنه ليس بضاركم، إنما هو رجل وحده ما ترك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير فتركه))، لكنه اغتيل بعد ذلك في حوران من أرض الشام سنة خمس عشرة للهجرة في ظروف غامضة،وزعموا أن الجن قتلته، ..!!  

                ثم تلتها اغتيالات أخرى لشخصيات كثيرة، إلا أن هذه الممارسة انتشرت وعلى نطاق واسع في عهد معاوية ابن أبي سفيان، حيث قضى عدد كبير من الشخصيات الإسلامية قتلى على يديه، واشتهرت مقولة ((لله جنودَ من عسل)) مثل اغتيال الإمام الحسن{ع} ومالك الاشتر النخعي وآخرون ..!!

محاولات اغتيال أمير المؤمنين

        أمير المؤمنين{ع} يتمتع بمواهب  فريدة، من العلم، والشجاعة،  والسابقة  والقربى من رسول الله{ص} .هذا جعل عدداَ كبيرا من المسلمين يتعلقون به ..فلا سبيل للتخلص منه  وإزالته عن الساحة إلا  بالتصفية الجسدية وقد جرت عدة محاولات لاغتياله، لصعوبة مواجهة الإمام{ص} في الحرب . فلم يجرؤ احد التقدم لقتله، رغم ذلك تقدم بعضهم كما حصل لمقاتلي  الشام المغرر بهم في صفين طلبوا مبارزة أمير المؤمنين{ع} ..

 1- ومن جملة المحاولات: محاولة يوم الهجرة . فقد تكفل بأخذ النساء والضعفاء إلى المدينة فتهيأ للهجرة، حتى جاءه العباس بن عبد المطلب، فقال: إن محمدا{ص} ما خرج إلا مختفيا ، وقد طلبته قريش أشد طلب، وأنت تخرج جهارا في إناث وهوادج وليس معك رجال من بين قبائل قريش، ما أرى لك أن تمضي إلا في خفارة خزاعة، فقال{ع} :..

أرخِ الزمام ولا تخف من عائق ...إني بربي واثق وبأحمد........     وتحقق ما توقعه عمه  العباس  فقد جعلت قريش في طريقه كمينا، كمن له مهلع غلام حنظله بن أبي سفيان في طريقه بالليل، فلما رآه سل سيفه ونهض إليه،فاستقبله  علي {ع} وجلل رأسه  بسيفه  فقتله فانهزم أصحابه ... ووصل الخبر لأبي سفيان وجاءوا بسيف مهلع القتيل ..واتفق أن حرَّض أبو سفيان نفر من قريش مدعيا إن مع علي {ع} "أمانة ثمانون مثقال ذهبا" وان يعيدها الى مكة ...

       ولكن أبو سفيان رجل جبان كثير التردد والهروب من المواجهة ، فقد أنكر انه أرسل مهلع  وراء علي {ع} بل أرسله لأمر في ثقيف .. قال: مضى إلى الطائف في حاجة لنا. فقالوا له :  هيهات أن يعود تراه، ابعث إليه احضره إن كنت صادقا؟ فسكت أبو سفيان .. وهذه أول مواجهة بين الإمام علي وبني أمية في معركة مسلحة ...

المحاولة الثانية في المدينة  زمن أبي بكر ..محاولة خالد بن الوليد

2- وكانت تلك في خلافة أبي بكر، وروي أنه هو الذي أمره بذلك، قال  (روى البخاري وهو لم يهواه ،حديث أبي بكر أنه قال: لا يفعل خالد ما أُمر به، _ثم قال_ سألت عمر بن إبراهيم بالكوفة عن معنى هذا الأثر؟ فقال: أمر خالد أن يقتل عليا ثم ندم بعد ذلك، فنهى عنه ) .

 

محاولة يوم الجمل

3- رواها الإمام أحمد بمسنده في موضعين، عن الحسن البصري، قال: جاء رجل إلى الزبير ابن العوام، فقال: أقتل لك عليا؟ قال: وكيف تقتله ؟ قال: الحق به فافتك به، قال: لا، إن رسول الله {ص} قال: إن الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)) ، وروي من غير كلمة (لا)، كما عن ابن أبي شيبة في المصنف... وهناك محاولات كثيرة لسنا بصددها.

                    

المخططون لمؤامرة الاغتيال

 

 اشتهر في التاريخ  إن نفرا من الخوارج اجتمعوا في مكة عام 39 للهجرة، ((وهم: عبد الرحمان بن ملجم ،والبرك بن عبد الله التميمي ، وعمرو بن بكر من بني سعد فتذاكروا أمر إخوانهم الذين قتلوا بالنهروان، وقالوا: والله مالنا خير في البقاء بعدهم، فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلال والفتنة فأرحنا العباد منهم،خططوا لقتل َ الإمام علي {ع} ومعاوية  وعمرو بن العاص، توجه كل رجل منهم إلى وجهته فقدم بن ملجم الكوفة، والبرك إلى الشام، وعمرو بن بكير إلى مصر، وجعلوا ميعادهم ليلة واحدة وهي ليلة سبع عشرة من شهر رمضان)) ،

ولكن لم  يذكر  المؤرخون المخططين للمؤامرة والمنفذين، ولم يذكروا عن تمويل العملية ماديا ، ولعل في عدم اعتراض ابن ملجم على مبلغ المهر الذي طلبته قطام دليل على أنه كان يمتلك أموالاَ طائلة ، وله تمويل قوي ..

       لان بن ملجم خارجيا لا يملك عملا تجاريا وحين جاء الكوفة، نزل في تيم الرباب، وصادف قطام فطلب منها الزواج، فطلبت منه مهرا _ثلاثة آلاف، وعبد، وخادم وكان اغتيال أمير المؤمنين{ع}  جزءا من ذلك المهر! فهل كان لقاء ابن ملجم بقطام مصادفة، أم كان زواج الجهاد من جهات تخطط لذلك بين المعارضين ..؟. واستبعد هيام ابن ملجم بها وعشقه للجنس والزواج  خاصة وان له مسؤولية كبيرة وأصبح شيخا عمره خمسين سنة

وقطام يغلي قلبها حقدا على الإمام لقتله أبيها وأخيها، وشفاء نفسها، كان عليها أن تجعل هي لابن ملجم جعلا يرغب فيه لقتل الإمام{ع} ، لا أن تطلب مهرا تعجيزيا (ثلاثة آلاف وعبد وجارية)، اللهم إلا إذا كانت تريد توجيهه إلى جهة التمويل لعقد صفقات ، لم يكن ابن ملجم وصاحباه يأمل في الحياة بعد انجاز مؤامرتهم وقتل القادة الثلاثة، لأنهم ينفذون عملية انتحارية ..قال ابن الأثير في الكامل، إن ابن ملجم أُدخل على الإمام الحسن{ع} فقال: إني والله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به، إني عاهدت الله أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه ولك الله عليَّ أن أقتله، وإن قتلته وبقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك...

        ملخص القصد: لم يكن ابن ملجم يأمل بالبقاء بعد ارتكاب جريمته، فما يفعل بقطام أو غيرها، خصوصا بعد تصريح الرواية أنه قد عاهد الله على قتل علي ومعاوية، والأمر الملفت في الرواية: أنها تنفي اجتماع الخوارج الثلاثة ضمنا، فهو وحده عاهد الله عند الحطيم على رواية الطبري أن يقتل عليا ومعاوية، فأين كان البرك صاحب معاوية، وأين صاحب عمرو بن العاص!؟

         ثانيا :إن أمير المؤمنين{ع} قتل، وزعموا أن معاوية أصيب بجرح فعولج، فشفي منها، وأن عمرو بن العاص صادف انه مريض ذلك اليوم، فقتل رئيس شرطته، وأن من ألقيت عليه مهمة قتل عمرو بن العاص لم يكن يعرفه، ولذا قتل خارجة وهو يظن أنه عمرو، ومن الغريب أن من تولى اغتيال أمير المؤمنين{ع}  ابن ملجم_ كان من اليمانيين الذين سكنوا مصر، بينما ألقيت مهمة اغتيال عمرو على رجل من تميم الكوفة  _عمرو بن بكير_، كما لم يكن ابن ملجم آمنا على نفسه في الكوفة لما مرَّ عند محاولته اغتيال الإمام×في الحمام فكان هاربا في مكة ، فلماذا لم يتوجه ابن ملجم الى مصر لاغتيال ابن العاص، خصوصا وأن دار ابن ملجم في مصر كانت ملاصقة للمسجد ولدار عمرو؟ ولماذا استعان ابن ملجم بآخرين بجريمة الاغتيال، ولم يستعن صاحباه بأحد على قتل معاوية وابن العاص، مع أنه كان على صاحب معاوية وابن العاص أن يتخذا أعوانا لعدم معرفتهما بطبيعة أجواء مصر والشام، وعادات معاوية وابن العاص وكيفية دخولهما وخروجهما الى الصلاة، في حين كان ابن ملجم عارفا بسكك الكوفة مداخلها ومخارجها، وراصدا لتحركات الإمام×بدقة..... هذا يبين أن الرواية المشهورة قد وضعت على  يد وضاع ماهرين  لإخفاء الحقيقة على الأيدي الأثيمة التي خططت ومولت عملية الاغتيال.

                                  

 الرأي الثاني:.. في تخطيط الاغتيال هو معاوية بن أبي سفيان ..

     اتهم بعض الباحثين معاوية بن أبي سفيان بتدبير وتمويل الاغتيال، قال الشيخ باقر القرشي: ذكر المؤرخون هذا الحادث بكثير من التحفظ فلم يكشفوا النقاب عن أبعاده، والذي نرجحه أن المؤامرة لم تكن مقتصرة على الخوارج، وإنما كان للحزب الأموي ضلع كبير فيها، والذي يدعم ذلك ما يلي:

1ـ إن أبا الأسود الدئلي ألقى تبعة مقتل الإمام على بني أمية، في مقطوعته التي رثا بها الإمام فقد جاء فيها:

ألا يا عين ويحك فسعدينا ... ألا فابكي أمير المؤمينا ... رزئنا بخير من ركب المطايا ... وحسبها ومن ركب السفينا.. وكنا قبل مقتله بخير ..نرى مولى رسول الله فينا .... فلا تشمت معاوية بن حرب .. فن بقية الله فينا ... كأن الناس إذا فقدوا عليا ... نعام جال في بلد سنينا .. ألا فابلغ معاوية بن حرب ...فلا قرت عيون الشامتينا ....

  معنى هذا أن معاوية هو الذي فجع المسلمين بقتل الإمام وهو خير الناس، فهو مسؤول عن إراقة دمه، ومن الطبيعي أن أبا الأسود لم ينسب هذه الجريمة لمعاوية إلا بعد التأكد منها، وفي رواية القاضي نعمان المصري،  من المؤرخين القدامى قال : أن معاوية هو الذي دس ابن ملجم لاغتيال الإمام{ع} وجعل له مالا لتنفيذ الأمر ..

نقطة أخرى تؤيد هذا الرأي .. اشتراك الحزب الأموي في المؤامرة هو الأشعث ابن قيس الذي ساند ابن ملجم، ورافقه وسهل له العيون والمساعدين أثناء عملية الاغتيال، وهو صاحب القول : (النجا فقد فضحك الصبح)وكان الأشعث من أقوى العناصر المؤيدة للحزب الأموي، فهو الذي أرغم الإمام على قبول التحكيم وهدد  الإمام بالقتل في صفين ،وقيل كان عينا لمعاوية بالكوفة. فما السر لدعم الأشعث لجريمة الاغتيال. لولا الإيعاز إليه من الخارج؟

حتى لو فعلا عقد مؤتمر لتنفيذ جريمة الاغتيال  في مكة أيام موسم الحج، فلا يستبعد إن المؤتمر بتخطيط الجهاز الأموي من دون شك –فكثير من أعضاء الحزب الأموي نزحوا إلى مكة لإشاعة الكراهية على حكومة الإمام، وأغلب الظن أنهم تعرفوا على الخوارج الذين كانوا من أعداء الإمام، فقاموا بالدعم لاغتيال الإمام، وما يجلب اليقين أن الخوارج أقاموا بمكة إلى رجب ثم نزحوا لتنفيذ مخططهم فمن المؤكد طيلة هذه المدة على اتصال دائم مع الحزب الأموي، وسائر الأحزاب والشخصيات التي تأثرت بسياسة وعدل الإمام ... خاصة أصحاب المناصب المقالين ...

     والذي يدعو إلى الاطمئنان في أن الحزب الأموي كان له الضلع الكبير في هذه المؤامرة هو: أن ابن ملجم كان يأخذ رزقه من بيت المال، وليس له سعة مالية فمن أين له هذه الأموال التي اشترى بها سيفه بألف وسمه بألف؟ والأموال التي أعطاها مهرا لقطام وهو ثلاثة آلاف وعبد وقينة؟ كل ذلك يدعو للاطمئنان أنه تلقى دعما ماليا من الأمويين إزاء قيامه باغتيال الإمام.

               وما  يؤكد أن ابن ملجم كان عميلا للحزب الأموي هو: انه كان على اتصال وثيق بعمرو بن العاص، وزميلا له منذ عهد بعيد، فإنه لما فتح ابن العاص مصر كان ابن ملجم معه، وكان أثيرا عنده وانزله بالقرب منه، وأكبر الظن انه أحاط ابن العاص علما بما اتفق عليه مع زميليه من عملية الاغتيال له وللإمام، ومعاوية، ولذا لم يخرج ابن العاص إلى الصلاة وإنما استناب غيره، فلم تكن نجاته وليدة مصادفة وإنما جاءت وليدة مؤامرة حكيت أصولها مع ابن العاص)) . ..يلاحظ أن الباحث دور عمرو بن العاص في التخطيط للجريمة، والمستفاد من الحوادث أن الجهات الثلاثة الخوارج، معاوية، ابن العاص اشتركوا في الجريمة ..  ثم لو صحت رواية اغتيال معاوية وابن العاص ، كيف يمجد معاوية وكتابه للتاريخ ابن ملجم، حيث بذل لسمرة بن جندب أربع مائة ألف درهم ليروي أن قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِِ))  نزلت في عبد الرحمان بن ملجم .

           واختلاف المؤرخين بتعرض معاوية للاغتيال وإن الضربة وقعت في آليته وعولج فشفي كما اختلفوا في آلة القتل فقيل: كانت سيفا، وقيل خنجرا، فلا يستبعد أن تكون أكذوبة رددتها الألسن لذر الرماد في العيون..

ــــــــ ولو دققنا بحادثة جرت قبيل اغتياله بأسبوع واحد، يقول الراوي خطب الإمام {ع} بالكوفة ونادى بأعلى صوته: الجهاد، الجهاد عباد الله. ألا وإني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج. وعقد للحسين{ع}راية ولقيس بن سعد راية  ولأبي أيوب الأنصاري ايظا, وكان يريد الرجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله، فكنا كأغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان)) .وهذا ما يدعونا الى الشك في توقيت عملية الاغتيال وأنه كان مرسوما بدقة، ويصب في صالح معاوية لا غيره.

وممن تبنَّى هذا الرأي _أي اتهام معاوية بالمؤامرة أحمد عباس صالح في كتاب اليمين واليسار في الإسلام، قال: قبل أن تنشب المعركة يقصد المعركة الثانية التي كان يخطط لها أمير المؤمنين{ع} بعد فراغه من النهروان..

ــــــــــــــ  ..... أليس الاغتيال أسلوبا من أساليب معاوية سواء بالسيف أو بالسم؟ أليس الأمر يدعو الى التفكير والتأمل؟ وهو الأسلوب في التخلص من الخصوم  ليس في هذا الزمان وحده بل في كل الأزمان....،  وأن الشعب كان يعلمها، أو على الأقل يشك في وقوعها، في مقدمة صفوفهم أبو الأسود الدؤلي)) .

 

النظرية الثالثة: الأشعث بن قيس رأس النفاق والفتنة:.

لا يشك احد في الدور الذي لعبه الأشعث بن قيس في اغتيال الإمام أمير المؤمنين{ع} خاصة انه تصدى بنفسه للتخطيط للجريمة، ولعله بموجب أوامر صدرت له من معاوية أو من عمرو بن العاص...؟  أم لا هذا ولا ذاك، لكنه وجد فكرة الخوارج تناسب هواه فساهم فيها؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه في هذا البحث.

من هو  الأشعث ابن قيس ..؟ سمِّي الأشعث؛ لأنه كان أشعث الرأس دائما ، وكان من شيوخ كندة في الجاهلية بمنطقة حضرموت .عرف الأشعث بالخبث والغدر والتلوُّن حتى كانت نساء قومه تسميه عرف النار، وهو اسم للغادر عندهم ، الرجل ارتدَّ عن الإسلام لأجل أن يجعله بنو وليعة ملكا عليهم أيام ردتهم ، وقد أجمل القول فيه الخليفة الأول أبو بكر، فقال: ((ثلاث تركتهن ووددت أني لم أفعل. وددت أني يوم أُتيت بالأشعث بن قيس ضربت عنقه، فإنه يُخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا سعى فيه وأعان عليه)) ...

إسلامه وردَّته:...      روي أنه وفد على رسول الله{ص} في السنة العاشرة من الهجرة وأسلم ، ولما ارتدت بنو وليعة بطن من كندة في حضرموت ، كان عليهم زياد بن لبيد من قبل النبي{ص} وأبي بكر من بعده ثاروا على والي أبي بكر ،  فقتل منهم قادة أبي بكر جمعا كثيرا، ونهب وسبى، ولحق فلُّولهم بالأشعث بن قيس، فاستنصروه، فقال: لا أنصركم "حتى تملِّكوني عليكم" . فملَّكوه وتوَّجوه كما يتوَّج الملك  فخرج إلى زياد في جمع كثيف، وكتب أبو بكر إلى المهاجر ابن أبي أمية وهو على صنعاء، أن يسير بمن معه إلى زياد، فسار إلى زياد، فلقوا الأشعث فهزموه وقتلوا بعض أتباعه، فلجأ الأشعث والباقون إلى حصن في المنطقة ، فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا، ونزل الأشعث ليلا إلى المهاجر وزياد، فسألهما الأمان على نفسه، حتى يقدما به على أبى بكر فيرى فيه رأيه، على أن يفتح لهم الحصن ويسلم إليهم من فيه. فأمناه وأمضيا شرطه، ففتح لهم الحصن، فدخلوه واستنزلوا كل من فيه، وأخذوا أسلحتهم، وقالوا للأشعث: اعزل العشرة، فعزلهم، فتركوهم وقتلوا الباقين - وكانوا ثمانمائة - وقطعوا أيدي النساء اللواتي شمتن برسول الله{ص} ، وحملوا الأشعث إلى أبي بكر موثقا في الحديد ومعه العشرة، فعفا عنه وعنهم، وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة وكانت عمياء فولدت للأشعث محمدا الذي شارك في قتل مسلم بن عقيل ، وفي زمن  عمر خرج الأشعث مع سعد فشهد القادسية، ثم اختار الكوفة دارا في كندة ونزلها .

توليته وعزله: ثم استعمله عثمان على أذربيجان حتى قتل عثمان ، فلما تولى أمير المؤمنين{ع} كتب إليه"إن عملك ليس لك بطعمه، ولكنه أمانة، وفي يديك مال من مال الله، وأنت من خزان الله عليه حتى تسلمه إلي" ....

         فلما أتى منزله دعا أصحابه فقال: إن كتاب علي قد أوحشني، وهو آخذ مني أذربيجان، وأنا لاحق بمعاوية. فقال القوم: الموت خير لك من ذلك، أتدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنبا لأهل الشام؟ فاستحيا))  ، إلا أنه عاد الى خلقه القديم فخاس بالأمانة وانتهب بيت المال، فاضطرَّ الإمام{ع} عزله ..فرجع للكوفة ثانيا ، ولما جرت معركة صفين كان في جيش{ع}  وشهد يوم تخليص مشرعة الفرات من معاوية ثم تزعم حركة الخوارج ..

كان الأشعث طيلة بقاءه في الكوفة يحاول مسايرة أمير المؤمنين{ع}  حفاظا على وضعه الاجتماعي؛ لئلا يقال أنه منحرف فينبذه الناس، وتفلت زعامة قبيلة كندة من يده" لذلك تزوج الإمام الحسن {ع} إحدى بناته لعله ينصلح بهذا التقارب ، ولذلك جاء الإمام علي{ع} وخطب العقيلة زينب زوجة له ..!!!  ولكن ظهرت حقيقته حين سنحت الفرصة عند رفع المصاحف في صفين، وعلت أصوات المعارضة المطالبة بوقف الحرب، رفع عقيرته مخرجا سرَّه إلى العلن، واشتدَّت معارضته، وكانت تأخذ في كل مشهد منحى خاصا وقويت شوكته حتى وصلت إلى مرحلة القطيعة مع الإمام{ع} ....وهو الذي جعل نفسه رسولا إلى معاوية ليسأله لماذا  رفعت هذه المصاحف..؟ وهو الذي رفض أن يكون ابن عباس ممثلا لأمير المؤمنين{ع} في التحكيم .ورفض حكومة الأشتر: بدعوى أنه لم يسعر الأرض غيره، وأصرَّ على أن يكون أبو موسى الأشعري ممثلا في التحكيم ......ولا عجب فقد تقاضى على موقفه  مائة ألف درهم رشوة من معاوية ، ليحث الجيش على الرضا بالتحكيم، فأغ

راهم عليه حتى فعلوا ما فعلوا .

                           يقول ابن أبي الحديد (كل فساد وكل اضطراب في زمن الإمام علي{ع} أصله الأشعث..  وحين عزم الإمام {ع} على النهوض إلى الشام مستفيدا من معنويات المقاتلين بعد النهروان.. وأمر علي{ع} الناس بالرحيل من النهروان فقال :فامضوا من وجهكم هذا إلى الشام. فقال الأشعث بن قيس: يا أمير المؤمنين نفذت سهامنا، وكلَّت سيوفنا، ونصلت رماحنا، فلو أتينا مصرنا حتى نريح ونستعد، ثم نسير إلى عدونا. فركن الناس إلى ذلك، وكان الأشعث طنينا رفيع الصوت فسماه الإمام {ع} عرف النار. فأتى المدائن وتسرب  أصحابه يدخلون الكوفة حتى بقي في أقل من ثلاث مائة، فلما رأى ذلك رجع للكوفة وقد عرف تخاذل الناس ..!!

دوافع الأشعث لاغتيال الإمام (ع)

لم تكن العلاقة بين الأشعث وبين أمير المؤمنين{ع} طيبة في يوم من الأيام، فقد قضى عمره مراوغا له ، قال أبو الفرج الأصفهاني: للأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها)) ، والسبب في ذلك ان الأشعث من عبدة الدينار والدرهم، والجاه والرئاسة، يريد أن يحمد على ما لم يفعل، وهي صفات يكرهها الإمام أمير المؤمنين{ع} الذي نشأ على تقوى الله والزهد في الدنيا، وقاعدة دعوني والتمسوا غيري ، فالاختلاف النفور بين الرجلين ناشئ من الاختلاف في الصفات، ...وهذه قلما يلتفت لها الناس { ما لا توافقه ما لا ترافقه} ...

تصور الأشعث أن يكون أثيرا لدى أمير المؤمنين{ع} مقربا منه، فيرتدي ثوب المخلص ويسلك طرقا ملتوية للوصول إلى غايته، ليتبجح ويدلَّ بذلك على الناس،وهو من طلب أن يزوج ابنته جعده من الحسن{ع} وهو صاحب الهدية الملفوفة .. يذكره الإمام بخطبة  (وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها،كأنما عجنت بريق حية،فقلت أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت. فقال: لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية! فقلت: هبلتك الهبول، أعن دين الله أتيتني لتخدعني، أمتخبط أنت أم ذو جنة أم تهجر؟ والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى)) ، قال ابن أبي الحديد:(كان أهدى الأشعث نوعا من الحلواء}..

                  فلما يأس الأشعث عن نوال الدنيا من طريق أمير المؤمنين{ع}  التمسها عن طريق معاوية، فبدأ التنسيق بينهما منذ وقعة صفين كما مر، وأزداد الأشعث بعدا عن الإمام{ع} يوما بعد يوم، وصار معارضا  له، حتى  أعترضه ذات يوم وهو يخطب على المنبر، فقال: يا أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض إليه بصره، ثم قال: ما يدريك ما عليَّ مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين! حائك ابن حائك، منافق ابن كافر. والله لقد أسرك الكفر مرة  والإسلام أخرى ، فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك. وإن امرأ دل على قومه السيف، وساق إليهم الحتف، لحري أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه الأبعد)) .

                 الخلاصة: دوافع قتل الإمام عند الأشعث كانت كثيرة، بدءا بعزله عن أذربيجان فأضمرها في نفسه، والثانية الأهم اختلاف طبيعة الرجلين وثقافتهم وتربيتهم كل هذه الأمور كافية في إقدامه على ارتكاب جريمته.. 

أما دوره في العملية فقد كان كبيرا جدا، مما حدى بعدد من المستشرقين إلى نسبة التهمة إليه، قال فلوهاوزن في الشيعة والخوارج: ((لم يبق إلا الأشعث ليتهم بالخيانة، وأمر اتهامه أيسر إلى القبول من أبي موسى إذا حسبنا حساب موقفه وتاريخه من أهل البيت ومن الإسلام كله ...

النظرية الرابعة: عمرو بن العاص : نقل الأستاذ أحمد سليمان معروف عن الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الإمام علي قال:"ذكرت بعض الروايات أن ابن العاص هو المدبر للتخلص من علي ومعاوية)) .

وقبل إيراد القرائن نتوقف عند شخصية عمرو بن العاص، ونبذة من أخباره لنكتشف إمكانية أقدامه على مثل هذه الجريمة.****  شخصية عمرو *****

عرف عمرو بالعاص بالدهاء السياسي، والمكر، والخديعة، وقلة الورع في الدين، واستغلال السذج والبسطاء لتحقيق أهدافه الشخصية، ((ومنه بدئت الفتن، وإليه تعود، وتاريخه ثابت مشهور في طيات الكتب، وتناقلته الآثار والسير، وأما في الجور والفجور فحدث عنه ولا حرج)) ...مولده في مكة في السنة التاسعة عشرة قبل الهجرة، ومات وعمره تسعا وتسعين سنة ، ولادته معروفة بالتاريخ * حيث ضعته أمه مجهولا فاختصم فيه جماعة من قريش كلٌّ يدَّعيه ، فغلب عليه جزارها العاص بن وائل ألأمهم حسبا،أنزل الله تعالى فيه: "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ"، وقاتل عمرو رسول الله{ص} في جميع المشاهد، ، وآذاه بمكة، وكان أشد الناس تكذيبا له وعداوة، وخرج إلى الحبشة إلى النجاشي لعله يسترد جعفر بن أبي طالب والمهاجرين منه ، ولما عجز عن ذلك، صنع لجعفر طعاما ألقى فيه السم ليقتله، فنجاه الله تعالى .

ثم أسلم راغما سنة ثمان للهجرة قبل فتح مكة بستة أشهر ، روي أن رسول الله{ص}|ولاه عمان فكان عليها حتى مات ، ثم ولاه عمر بن الخطاب فلسطين والأردن، ثم مصر بعد فتحها، فبقي فيها حتى مات عمر، فأقره عثمان عليها أربع سنين، ثم عزله، فكان ذلك سبب الشر بين عمرو وعثمان، فاعتزل عمرو في ناحية فلسطين، وكان يأتي المدينة أحيانا، ويطعن على عثمان ، وكان شديد التحريض والتأليب عليه .. فلما سعر المعارضة بالمدينة كان في فلسطين، فبينا هو بقصره ومعه ولداه  عبد الله ومحمد، إذ مر بهم راكب من المدينة فسألوه ، فقال: محصور ....، ثم مر بهم راكب آخر، فسألوه، فقال: قتل عثمان. فقال عمرو: أنا أبو عبد الله، إذا نكات قرحة أدميتها .

 

عمرو  ومعاوية:.....

لما استقرَّ الإمام {ع} في الكوفة أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى الشام ليأخذ بيعة معاوية وأهل الشام، فتماهل معاوية في رد الجواب، واستشار أهل الشام وبعض خاصته فيما يفعل، فاقترح عليه أخوه عتبة بن أبي سفيان أن يستعين بعمرو بن العاص، وأن يثمِّن له دينه؛ فإنه صاحب دنيا ، فكتب إليه معاوية يستدعيه، فجاءه بعد تردد، فعرض عليه معاوية نصرته، فقال: ما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك، فقال: مصر طعمة ، وكانت مصر في نفس عمرو بن العاص، لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر، فكانت في نفسه وما عرفه من أموالها فلا بد أن يجعلها ثمنا لدينه... .

وهكذا انضم ابن العاص إلى معاوية، وحضر معه صفين،له باع في الفتنة والخداع، مهندس فتنة رفع المصاحف وما بعدها في قضية التحكيم في دومة الجندل.

وبالرغم من التحالف بين عمرو ومعاوية إلا أن العلاقة بينهما لم تكن ودية ، ولم يثق احدهما بالآخر، يقول كتاب تاريخ الخلفاء إن معاوية قال لعمر يوم المباحثة بينهما ، أدنو راسك مني , رفض سأله لماذا..؟ قال لأنك لا تريد أن تسرني ولكن لتقطع أذني .. قال له معاوية: لك مصر طعمة))، حتى لا تفسد علّي أهل الشام ..!!

ومن صور فقدان الثقة بينهما: حين استعمل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة، أتاه المغيرة بن شعبة وقال له: استعملت عبد الله بن عمرو على الكوفة، وعمرا على مصر فتكون أنت بين لحيي الأسد، فعزله عنها، واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة ، ولو كان يثق به لما استمع إلى نصيحة المغيرة،ودخل عليه يوما فضحك معاوية , فسأله ابن العاص لماذا ضحكت ..؟ قال تذكرت يوم كشفت عورتك في صفين ، فغضب ابن العاص وقال : إنما كشفت عورتي لتجلس أنت على كرسي الخلافة ..!! ثم قال مغضبا : والله يا معاوية، لا أزال آخذ منك قهرا، ولا أطيع لك أمرا، وأحفر لك بئرا عميقا، فكانت تمنيه نفسه الخلافة .....ّ

            لان عمرو بن العاص يرى نفسه مؤهلا للخلافة، لا في زمن معاوية فقط بل قبل ذلك؛ واعتبر عزل عثمان له عن مصر أمرا كبيرا، فغضب على عثمان وكان ذلك سبب العداء بينهما، لأنه يعتبر ُ نفسه أعظم كفاءة من عثمان وأكثر تجربة منه ، وعلل العقاد عزل عثمان لعمرو عن إمارة مصر، بأنه كان يخشى أن يستقلَّ بالديار المصرية، أو تطمح نفسه للخلافة ، وفعلا  ذهب عمرو لأبعد من هذا في استحقاقه للخلافة دون عثمان حين رأى أنه أحق بها من عمر بن الخطاب وأن الأخير غير خليق بها، وذلك عندما أرسل إليه عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة يحاسبه ويشاطره ماله، فغضب، وقال للرسول: ((قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل، والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب، وعلى ابنه مثلها، وعليه ثوب لا تصل رسغيه ، والعاص بن وائل يلبس الديباج مزررا بالذهب .. هذا النفس التجاري في الإسلام ..!! أين أكرمكم عند الله..؟

وتردد عمرو كثيرا بعد أن خلع أبو موسى الإمام أمير المؤمنين{ع} في التحكيم، أن يجعل الخلافة لنفسه أو لولده عبد الله ..فأحسَّ المغيرة بن شعبة بما في نفس عمرو فجاء إلى معاوية يخبره  " إني خلوت بأبي موسى لأبلوا ما عنده، فعرفت انه سيعزل صاحبه ويجعلها لرجل لم يشهد الحرب ، وأحسب هواه في عبد الله بن عمر بن الخطاب. وأما عمرو بن العاص فهو صاحبك ..أحسب سيطلبها لنفسه أو لابنه عبد الله، ولا أراه يرى أنك أحق بهذا الأمر منه، فأقلق ذلك معاوية)) يقول المسعودي فجاء معاوية إلى دومة الجندل بحيلة فجرى بينهما كلام كثير، وكان مما قال له عمرو: هذا الكتاب الذي بيني وبينه عليه خاتمي وخاتمه، وقد أقر بأن عثمان قتل مظلوماً، وأخرج علياً من هذا الأمر، وعرض عليَّ رجالا لم أرهم أهلا لها، وسأرى من استخلف ..فحادثه معاوية ساعة  وضاحكه وداعبه، ثم دعاه للغداء؟ فجيء بالطعام ، وقال له : يا أبا عبد الله، أدع مواليك وأهلك، فدعاهم، ثم قال له عمرو: وادع أنت أصحابك، قال :نعم يأكل أصحابك أولاَ ثم يجلس هؤلاء بعد، فجعلوا كلما قام رجل من حاشية عمرو قعد موضعه رجل من حاشية معاوية، حتى خرج أصحاب عمرو وبقي أصحاب معاوية، فقام الذي وكلَّه بغلق الباب، فأغلق الباب، فقال له عمرو :فعلتها، فقال: إي والله بيني وبينك أمران فاختر أيهما شئت: البيعة لي، أو أقتلك، ليس والله غيرهما! قال عمرو: فأذَنْ لغلامي وردان حتى أشاوره وأنظر رأيه. فقال: لا تراه والله ولا يراك إلا قتيلاً  أو على ما قلت لك، فالوفاء إذن بطعمة مصر، هي لك ما عشت. فاستوثق كل واحد منهما من صاحبه، وأحضر معاوية الخواص من أهل الشام، ومنع أن يدخل معهم أحد من حاشية عمرو، فقال لهم عمرو: قد رأيت أن أبايع معاوية، فلم أر أحداً أقوى على هذا الأمر منه، فبايعه أهل الشام، وانصرف معاوية إلى منزله خليفة..

الخلاصة: عمرو بن العاص لم يكن مخلصا لمعاوية وقضيته، بل كان طامعا بالخلافة، يدبر لخلع علي{ع} ومعاوية معا، وكان عمله لمعاوية لمصلحته غير خالص لوجه الله . الرجل كان معاديا لرسول الله منذ البعثة إلى موته .

 

عمرو  وابن ملجم:... حين ابن العاص قيادة الجيوش لفتح مصر في السنة التاسعة عشرة كان نصف الجيش من القبائل اليمانية: الأزد، وهمدان، وكندة، ومذحج، وحمير، ومنها مراد..وقد اشترك في فتح مصر من مراد وحدها عشرة بطون، وكانت لها في مصر منطقة كبيرة ،وكانت تدار من أحد بطون مراد التي يرجع أليها عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، ويقال إن عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه؛ لأنه كان فارساّ شديد الفتك بمصر،

يكتب بعض المؤرخين عنه أمر بتقريبه عمر بن الخطاب لأنه كان معلما للقران والفقه والحديث في مصر ..!! في ضوء هذا النص كان يحضى بعناية من لدن الخليفة عمر بن الخطاب، وواليه عمرو بن العاص..

عمر بن العاص وقطام :... ليس غريبا أن تكون لامرأة تسكن الكوفة علاقة بوالي مصر، ويكون بينهما تنسيق في قتل أمير المؤمنين{ع} وأتباعه، هذه الحقيقة ذكرها الأديب المصري أسامة أنور عكاشة في مقاله القيم عن دور البغايا في تأسيس الدولة الإسلامية، يقول: قطام بنت الأخضر اشتهرت بالبغاء العلني في الكوفة، وكانت لها قوادة عجوز اسمها لبابة، هي الواسطة بينها وبين الزبائن, كان أبوها وأخوها من الخوارج، قتلا في النهروان, فأصبحت والحقد يأكل قلبها لهذا طلبت من عبد الرحمن ابن ملجم عندما جاء لخطبتها أن يضمن لها قتل الإمام{ع} ويصدقها بثلاثة ألاف درهم وغلام وجارية، فلم يشف غليل هذه الزانية مقتل الإمام بل بعثت إلى مصر من وشى على جماعة من العلويين هناك عند عمرو ابن العاص .. خلاصة القول في ابن العاص:...هذا الرجل شخص انتهازي ضعيف الإيمان ، يبيع دينه بحفنة من حطام الدنيا، وله دهاء سياسي ممزوج بالغدر، وبالرغم من علاقته بمعاوية، إلا أنه كان يرى معاوية جسرا لتحقيق تطلعاته.. فلا يستبعد إن ابن العاص هو الممول والمخطط مع معاوية لتنفيذ هذه الجريمة ... هكذا أثكلت الأمة الإسلامية باغتيال بطل الإسلام الخالد ، علي بن أبي طالب {ع}  الرجل الذي جاهد في طيلة حياته في  سبيل الله منذ صباه حتى يوم فراقه الدنيا .هو الذي جسد القران قولا وعملا وفهما, الرجل الذي حضي بتاريخ لم يحض أي مسلم مثله شرفا وكرما وشجاعة وعلما وسخاء وأيمانا .. السلام عليك يا أمير المؤمنين وأنت تودع الدنيا بقلب يملؤه الإيمان برحمة ربك وجنان الخلد .. ولكنك تركت يتاماك تتلوع هذه الليلة ....

يا ريت الصبح ما جان ينطر ... ولا راسك يبو الحسنين ينطر.. أبابك جم يتيم ابامل ينطر .. بسلامة تكوم يا حامي الحمية ...

وادخل ابن ملجم على أمير المؤمنين {ع} ففتح الإمام عينيه رآه مكتوف وسيفه معلق في عنقه، فقال له بضعف ورحمة: يا هذا لقد جئت أمرا عظيما، وخطبا جسيما، أبأس الإمام كنت لك حتى جازيتني بهذا الجزاء؟ ألم أكن شفيقاً عليك وآثرتك على غيرك وأحسنت إليك وزدت في عطائك؟ ومنحتك عطائي؟ وقد كنت أعلم أنك قاتلي لا محالة، ولكن رجوت بذلك الاستظهار من الله تعالى عليك  فغلبت عليك الشقاوة فقتلتني يا أشقى الأشقياء؟ فدمعت عينا ابن ملجم وقال: يا أمير المؤمنين أفأنت تنقذ من في النار.

ثم التفت إلى ولده الحسن وقال له: أرفق بأسيرك، وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في من شدة الخوف ..؟ فقال له الإمام الحسن أبه هذا قتلك وافجعنا فيك وأنت تأمرنا بالرفق به؟ قال: نعم يا بني نحن أهل بيت لا نزداد على المسيء إلا عفوا وكرما .. بني  بحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدما ولا تغل له يدا، فإن أنا مت فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة وإن أنا عشت فأنا أولى به بالعفو عنه ...قال محمد بن الحنفية: اجتمع أهل البيت حول أبي {ع}  باكون محزونون قد أشرفوا على الهلاك من شدة البكاء والنحيب، وكان الحسين{ع} يرفع صوته بالبكاء أبه  من لنا بعدك ولا يوم كيومك إلا يوم رسول الله .... وكأني بزينب لما نظرت إلى أمير المؤمنين نادت وا أبتاه وا علياه.

قال محمد بن الحنفية: هذه الليلة نزل السم إلى قدميه،فصلى من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره ودخل عليه حجر بن عدي هذه الليلة ..فبكى وأجهش بالبكاء .. وكان يقول : فيا أسـفي على الـمـولى التقي أبي الأطـهار يقتله كافر زنيـــم لعين فــاسـق شقـــي .. فلما سمعه الإمام قال يا حجر كيف بك إذا دعيت إلى البراءة مني؟ ..فقال: والله يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إربا إربا، وأضرم لي النار وألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك.  فقال له وفقت لكل خير يا حجر، جزاك الله عن أهل بيت نبيك.

ثم قال :{ع} هل من شربة لبن؟ فأتوه بلبن فشرب وقال ألا وإنه آخر رزقي من الدنيا..

قال محمد بن الحنفية: لما كانت ليلة إحدى وعشرين، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم، وهو حسبي ونعم الوكيل. وتزايد ولوج السم في جسده حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا ويأسنا منه. ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب، فنظرنا إلى شفتيه يختلجان بذكر الله، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم واحدا بعد واحد، وجعل يودعهم وهم يبكون، فقال الحسن: ما دعاك إلى هذا؟ فقال أمير المؤمنين: يا بني إني رأيت جدك رسول الله {ص}  في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من الأذى من هذه الأمة، فقال لي: ادع عليهم. فقلت: اللهم أبدلهم بي شراً مني، وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي رسول الله: قد استجاب الله دعاك، سينقلك إلينا بعد ثلاث. وقد مضت الثلاث، 

16/5/2013م

 

اقرأ ايضاً

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.46042
Total : 100