تمر الذكرى المائة على ولادة اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا الذين قسما مناطق النفوذ بعد السيطرة على الوطن العربي إلى دول عدة، لاسيما بعد الهزيمة والانكسار التي مني بها العثمانيون بعد الحرب العالمية الأولى لتنطوي مسيرة احتلال باسم الدين دام (600)، وصار الوطن العربي تحت سيطرة قوات احتلال أجنبية جديدة، بعيدا عن ولاية قائمة على العرب ومسيطرة باسم الدين الإسلامي كما فعلت الدولة العثمانية لامتصاص الغضب والرفض من باب عدم مقاومة العثمانيين لأنهم مسلمون
تلك الاتفاقية الدبلوماسية بين جورج بيكو ومارك سايكس في عام 1916 الخاصة بتقسيم الوطن العربي إلى دول عدة وكل واحدة منها مستقلة عن الأخرى فضلا تقسيم الدولة الكردية إلى أربعة أوصال وتشتيت الأكراد مابين العراق، وسوريا، وتركيا، وإيران، لا تزال أثرها السلبي قائماً طوال المائة عام بعدم استقرار شعوب المنطقة نتيجة المشاحنات والعداء المستمر.
معاهدة التقسيم تلك وتحت أنظار روسيا الحليف غير الدائم، ركزت بالخصوص على العراق وسوريا وبلاد الشام عموماً وخلقت في بلاد الشام دولة مستحدثة غير عربية (إسرائيل) في فلسطين التي هي تحت الانتداب البريطاني وجمعت يهود العالم فيها ومن ضمنهم يهود العراق، من باب القضاء على الوحدة بين تلك البلدان مع مصر، وتكون نقطة فاصلة لتلاقي العرب بدولة واحدة مجددا لغرض إضعافهم.
التاريخ يكاد يعيد نفسه بعد مرور (100) سنة ولكن باتفاقيات أخرى بمسميات أخرى وفي دول أخرى ولكن بين جماعات (مسلحة) تسمى بالمعتدلة بعد أن يتم خلق هؤلاء الجماعات المتعددة وقد تكون من طائفة أو مذهب واحد ولكن برؤى مختلفة ويتم تمويلها بالمال والسلاح لخلق الفوضى وعدم الاستقرار بين سكان الدولة الواحدة بعد زرع بذور الفتنة لكي لا يعيش السني مع الشيعي خاصة، والمسلمون عامة مع المسيحيين وغيرهم من الديانات وبمساعدة دول من الخليج الراعية الرسمية للفتن الدينية والإفتاء التكفيري، حتى تطالب كل فئة بمساحة جغرافية تحت مسمى ديني وتعلن دولتها الخاصة، ولكن بطريقة تجزئة المجزأ كما ذكرها الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، وتقسيم المنطقة والشعوب أكثر مما هي عليها ألان، حتى لا تكون هناك جهة أو دولة أقوى من إسرائيل.
في العام 2010 ومع قرب انتهاء صلاحية سايكس بيكو حتى كانت ولادة (تنظيم الدولة الإسلامية _داعش) من رحم السجون الأمريكية التي كانت تديرها في العراق خصوصاً، حيث فيها القيادات الكبرى التي شكلت (الدولة الإسلامية) بقيادة أبو بكر البغدادي الذي ظهر بصور أثناء اجتماع في سوريا بالسيناتور جون ماكين. وبعدها قامت دولة جديدة في المنطقة على غرار إسرائيل وتحت أنظار دول العالم التي تدعي محاربة الإرهاب وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية.
أن حلول الذكرى السنوية للاتفاقية وقد تكون تاريخ انتهاء صلاحيتها، فاتحة نحو عقد معاهدات جديدة لتقسيم المنطقة إلى دويلات صغرى خصوصا وان الحديث كثر عن تقسيم سوريا إلى دول عدة والعراق إلى ثلاثة والأكراد قد يكونون أربعة دول فتكون كل جهة من كردستان دولة بعد أن تشتتوا بين الدول وألغيت دولتهم بجرة قلم، ولكن ما زال العالم يرفض قيام دولة للأكراد خاصة بعدما رفضت بعض الدول إعلان إقليم لهم في سوريا
لذلك أعتقد إن الحديث عن إنهاء وجود تنظيم داعش وضرب الاقتصاد الذي يعتمد عليه في تمويل دولته التي قامت بتسليح مخابراتي منظم وباقي الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة لا صحة له، خاصة إن الجيش الأمريكي الذي استطاع خلال (20) يوم من كسر الجيش العراقي وعدده يفوق المليون ليس من المعقول لا يستطيع إسقاط دويلة حديثة الولادة بمساندة (60) دولة عالمية.
إسقاط سوريا عسكريا أو تجزئتها وضعف مساعدة العراق للنهوض من جديد بسرعة بعد فشل تجزئته وخلق الفوضى الطائفية في المنطقة ليس كما يعتقد من يجهل قراءة الواقع لأجل نشر الحرية والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير كما صار في ليبيا وحل بها الدمار والحرب القبلية لاحقاً، هي لخلق دويلات قائمة على أساس عقائدي ترفض بعضها البعض قوميا وفكريا وخلق التناحر المستمر بينهما لنسيان إسرائيل التي تنعم بالتقدم بكافة المستويات وتوجيه الأنظار للاقتتال الداخلي خصوصاً بعد نجاح خطة قتال الشيعة واجب أكثر من قتال إسرائيل، التي كانت تدخل بمواجهات متقطعة أبان استقرار المنطقة سواء مع المقاومة الفلسطينية التي كان النظام السوري يوصل لها الأسلحة من إيران، أو مع حزب الله اللبناني العدو اللدود للعرب أكثر من إسرائيل الذي انشغل بالحرب الدائرة بسوريا. سايكس بيكو التي جزأت العرب
والكورد قبل مائة سنة ولكن ضمن حدود دولة متعرف بها وتحترم كل واحدة للأخرى وبينهم تبادل تجاري وثقافي واقتصادي ودبلوماسي، أفضل بكثير من اتفاقيات القرن الواحد والعشرين التي توقع بالخفايا ببنود مشحونة بالكراهية والمذهبية والعداء المستمر والقتل والهجمات بذريعة اختلاف المذهب او الدين
مقالات اخرى للكاتب