من اين نأتي بيوسف لكي يكيل لنا كيلاً لا يظلم معه احداً، ويقيم العدل والقسطاس بين الناس، وهو الاقتصادي المكين الذي خرج من محنة الموت حين القاه اخوته من في الجب لو لا ان يتلقفه بعض السيارة فينقذه ويأخذه الى مصر حيث حكم فرعون.
القصة القرآنية بشأن نبي الله يوسف معروفة للجميع، وحين اصبح مساعداً للفرعون او رئيساً للجنة الاقتصادية في البلد حسب تعبيرات هذه الايام وضع خطة للقضاء على الجوع والقحط الذي حلّ بالبلد لكي لا يموت احد خشية املاق، وكانت الخطة بسيطة في اجراءاتها، وقد اوجبت عليه ان يملاً المخازن بالقمح لكي يكفي خبزاً لسنوات القحط القادمة!
لم يدرس يوسف في هارفرد ولا في السوربون ولم يتعرف على انجلز وماركس وادم سمث ولم تكن له في احسن الاحوال سوى عربة يجرها حصان فلا سيارات دفع رباعي ولا زجاج مظلل ولا افراد حماية بالعشرات ولا حواسيب ولا اي فونات، كل ما في الامر ان له عقلاً احسن استخدامه فأنقذ الامة من الجوع والفقر وظهور عظام الصدر على الجلد وانكماش البشر الى النصف وزناً وطولاً وعرضاً!
الامة اية امة، اذا ما مر بها واقع اقتصادي مترد، له اسبابه المعروفة ونتائجه المعروفة ايضاً تحتاج الى عقلية اقتصادية تعزل الاخضر عن اليابس لكي تقيم واد الجياع من ابنائها، ونحن والحمدلله، نمتلك من الخبرات التي درست ماركس وادم سميث في ان واحد، وفي ظل مكننة زراعية متقدمة واراض خصبة معطاء، ونهرين يخترقان الخارطة من شمالها الى جنوبها، ومع هذا فانهم يطالبوننا بالتقشف وشد الاحزمة على البطون الجائعة وتقليل النفقات الى الحد الذي لوحات طفل من البكاء وهو يشتهي نستلة او قطـــــعة حلــــوى فسوف يتلقف عشر صفعات من ابيه وامه وجده لان ذلك يطراً ما بعده بطر.
ومازالوا كما كنا من قبل يحدثوننا عن الامن الغذائي وضروراته وعن الترشيد في الاستهلاك فاذا كنت تأكل رغيفين من الخبز في الوجبة الواحدة عليك ان تكتفي برغيف واحد فالقناعة كنز لا يفنى ولنغض الطرق عن يوسف القديم وعن امثاله المحدثين وشتان شتان بين عقليتين!!
مقالات اخرى للكاتب