بعد ان خلف مكتبة الامام الحسن ( عليه السلام ) العامة التي تشكل ثروة فكرية كبيرة اوقفها لعشاق العلم والمعرفة ،انتقل الى رحمة الله في مدينة النجف الاشرف صباح اليوم السادس والعشرين من شهر رجب الموافق لليوم السابع عشر من شهر حزيران من العام الماضي 2012 م العالم الرباني ،والمفكر الاسلامي الكبير الشيخ باقر شريف القرشي بعد معاناة طويلة مع المرض ،وبخاصة ايامه الاخيرة التي لم تمنعه من الاستمرار في عطائه الفكري والمعرفي الذي يمتد تاريخه الى عام 1973 م حين اصدر الطبعة الاولى من كتابه الموسوم حياة الامام الحسن بن علي (عليه السلام) بجزأيه الاول والثاني ،اعقبه في العام التالي 1974 م بكتابه الثاني الذي ظهر تحت عنوان حياة الامام الحسين بن علي (عليه السلام) بواقع ثلاثة اجزاء ،ثم استمر بإثراء المكتبة الاسلامية والانسانية بعشرات المجلدات التي ضمنها سلسلته الضخمة عن حياة المعصومين عليهم السلام ،فضلا عما انجزه من كتب اسلامية تثقيفية مثل ( مع الشباب ... مودة و نصائح ) ،وغيرها من المواضيع المتعلقة بطبيعة النظام السياسي والنظام التربوي في الاسلام ،اضافة الى العمل والعامل في الاسلام حتى بلغت اصداراته العشرات من الكتب والمجلدات التي ظهر كثير منها في أكثر من جزء واحد ،فعلى سبيل المثال لا الحصر شهد عام 2004 م صدور الطبعة الاولى من كتابه الموسوم حياة المحرر الاعظم محمد (صلى الله عليه و أله و سلم) بثلاثة اجزاء ،في حين تكون كتابه الموسوم حياة الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي انجز طبعه في عام 2008 م من احد عشر جزئاً ،وكتابه الصادر عام 1995 م بعنوان حياة الامام جعفر الصادق(عليه السلام ) بسبعة اجزاء .ولا اخطئ القول ان رجل الدين والمؤرخ العراقي ومؤسس ( مكتبة الإمام الحسن العامة ) سماحة الشيخ باقر بن شريف بن مهدي بن ناصر القرشي المولود عام ( 1344 هـ ) في محافظة بابل ،يعد العراقي الوحيد الذي خصص له جناح خاص بمكتبة الكونغرس الأمريكية .ومثلما خيم النسيان والاهمال على تاريخ ومآثر احمد الوائلي وبهنام ابو الصوف ويوسف عز الدين وعليّ عبّاس علوان وغيرهم من قامات العراق الثقافية والادبية والفنية ورموزه الوطنية التي رحلت في وقت قريب عن عالمنا ،غاب عن فضاءنا الثقافي ما يذكرنا بفكر سماحة العالم القرشي طيلة ما يقرب من عام بعد رحيله ، حيث لم يجهد احد من البيت الثقافي نفسه في البحث عن سيرة وتجربة هذا العالم المحقق والفقيه المتنور الذي استمر في عطائه الفكري حتى في اكثر أيام مرضه ( رضوان الله عليه ) شدة ،على الرغم من ضخامة وتنوع الثروة الفكرية والمعرفية التي خلفها سماحته ،اضافة الى دار التوثيق التي اسسها في محافظة النجف الاشرف ودفن فيها ،المتمثلة بمكتبة الامام الحسن عليه السلام العامة التي تشكل بكنوزها ومحتوياتها التي تجاوزت الـ ( 250 ) الف عنوان من الكتب والمخطوطات ثروة فكرية وثقافية كبيرة اخرى .ولا اخطئ القول ان ادارة مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ،فضلا عن المؤسسات الثقافية والدينية ،غاب عن ذهنها ان تستذكر سماحته بمؤتمر او ندوة فكرية او ورشة عمل او طاولة مستديرة تتوافق مع ما خلفه للإنسانية من جهد فكري وتاريخي ومعرفي يصعب تكراره ،حيث تعد مؤلفاته في مجال التاريخ والفقه والأصول والعقيدة التي تُرجم بعضها إلى لغات عالمية من امهات الكتب التي تسهل عمل الباحثين والدارسين .ومما يستلفت الانتباه هو سعي ( مركز التغيير للدراسات والاعلام ) الذي يعد صرحا ثقافياً واعداً ،لمّا يزل فتياً في عالم الاعلام والدراسات والبحوث لتبني ما عجزت عنه ادارة المؤسسة الثقافية في استذكار سماحة الشيخ الفقيد القرشي عبر اعلانه اقامة ندوته العلمية الاولى الموسومة ( العلامة الشيخ باقر شريف القرشي : عالما اسلاميا ومفكرا عراقيا ) في شهر حزيران من العام الحالي على قاعة المسرح الوطني بمناسبة مرور عام على وفاته ؛تثمينا لمنزلته و نتاجه الفكري الغزير ،بوصفه خسارة كبيرة للعراق والامة الاسلامية ،حيث تجاوزت مؤلفاته السبعين كتابا في مختلف مجالات العقيدة والشريعة والفكر والتاريخ .وضمن هذا السياق تبقى مسالة استذكار سماحة الشيخ القرشي الحائز على كثير من شهادات التقدير والجوائز المحلية والعربية والدولية تقديرا لجهوده في خدمة الثقافة الاسلامية والمعرفة الانسانية ،وغيره من المبدعين بمختلف المجالات من اولويات سلم مهمات المؤسسة الثقافية العراقية ،بوصفهم جزء من ثروة العراق الوطنية ،وتراثه الفكري والعلمي والانساني .ولا يخفى على احد ان اعتزاز الامة بمبدعيها ورموزها يعبر عن وعيها وتمدنها وتحضرها .