لاأعتقد أن طبقة إجتماعية أوصى الله بها مثلما أوصى الجار بجاره ومع فقداننا للكثير من القيم الأخلاقية التي درجنا عليها منذ ستينيات القرن الماضي حين نحتت الظروف الإقتصادية والنفسية والحروب أكثرها حتى ولدّت لنا طبقة مجتمعية هجينة تناهبتها المتغيرات الكثيرة التي طرأت على عراق ما بعد 2003 .


متغيرات كثيرة ساهمت في تغيير وجه النسيج المجتمعي العراقي وأثرت فيه تأثيراً كبيراً في ظل غياب المراقبة الدينية والعائلية والحكومية للتصرفات التي نتجت عن تلك التغيرات والتي تمثلت بظهور عوائل كاملة لا تتمتع بالخلق الذي يساعدها على بناء أخلاق أبنائها .. عوائل كاملة ضاعت حينما فقدت مقومات الأخلاق في خضم الإختلاط المجتمعي الذي اثر وتأثر فيها كثيراً فأصبحت غير قادرة على إستيعاب تعاليم السماء ولا تصغي لتشريعات الأرض.

الكثير من مناطق بغداد طالها التغيير الديمغرافي الكبير بعدما تبدلت الأسر فهاجر من هاجر ونزح من نزح بفعل الطائفية التي غيرت تلك الديمغرافية التي ألفناها وألفنا معها التمازج الأسري والإحترام المتبادل وبأرقى درجات التعامل الأخلاقي فيما بينها لتضفي حسن الجيرة على حياتنا الهدوء والسكنية .

تغيرت المحلات والأزقة حتى لأصبح التفكير بترك المدينة يراود الكثير من أرباب الأسر حفاظاً على أبنائهم وأعراضهم من تهديدات ناقصي الأخلاق ممن يجوبون تلك المدن بمحلاتها وأزقتها ممن ليس لديهم شيء ليخسروه متكئين على عشائر تنتظر بفارغ الصبر كلمة منك دفاعاً عن عرضك وبيتك ؛ حتى يصبح صباحك وأنت "مطلوب عشائرياً" في غفلة من القانون الذي يحميك وأهلك وعرضك ، لقد أصبحوا بؤرا خطيرة تنتج أخطر المجرمين في المجتمع .. أصبح الجار لا يأمن جاره مع كل التهديدات الإرهابية في الشارع يظهر لك أولئك الهمجيون الذين تغافل عنهم القانون في ظل مكافحة الإرهاب الأهوج .

لايخفي أي عراقي شريف فرحته بظهور خبر في الصحف المحلية ليوم الأثنين مفاده تبني مجلس محافظة بغداد لقانون حسن الجوار لتنظيم العلاقات الإجتماعية ، حين ينص القانون على فرض غرامات مالية على من يتسبب بإزعاج جاره .. مع الكثير من المحددات التي لو أقرت لكانت بحق دعماً كبيرا لأرباب الأسر في المحافظة على أسرهم وفرض فسحة من الهدوء بين تلك الأزقة الموبوءة بالضوضاء حتى بعد منتصف الليل .

إلا إننا أمام صعوبات كبيرة وهي عامة تنطبق على كل القرارات التي تصدرها المؤسسات الحكومية أو المحلية تتمثل في عدم القابلية على متابعة تنفيذ التعليمات والضوابط التي تصدر لتنظيم الحياة .. بل يجب علينا الإعتراف بإن متابعة تطبيق القرارات أهم من وضعها .. قد يكون هذا القانون إذاما أقر بعد عمر طويل من أهم القوانين التي أقرت للحد من أزمات أخرى أكبر كالكهرباء مثلاً .. فالعراقي من الممكن أن يعيش بلا كهرباء فقد درج على تنظيم أموره بطرق شتى كالمولدات المنزلية والأهلية والعواكس وغيرها إلا أنه لا يمكنه أن يجابه التهديدات الأخرى .. وبعلاقة أخرى من الممكن أن ينام العراقي جائعاً ولكنه لا يصبر قيد أنمل على التهديدات التي تجابه عائلته وعرضه .. فبعد أن أكتظت الأزقة بمربي الطيور ، المطيرجية ، أصبحت السطوح محرمة على الأسر وأكتظت الأزقة بأطفال الشوارع وبلاإنضباط أصبحت تلك الأزقة لا تطاق وعلى أحد أن يضع حداً لكل تلك التجاوزات اللااخلاقية ، وأن يمتلك القابلية على الحد من التصرفات تلك ويدعمها بالمراقبة المستمرة وتأشير الخلل يومياً وأن تتدخل المجالس المحلية ومختاري المحلات في مراقبة محلاتهم وتأشير العوائل التي تبدر منها تلك التصرفات وإنذارها .

وحتى يصدر هذا القانون ويقرّ ، نحن بإنتظار أن يضفي على محلاتنا وأزقتنا نوعاً من التنظيم والهدوء الذي نحن بحاجة له أكثر من أي شيء أخر بعدما سلبه منا .. أطفال الشوارع وجيران السوء.. حفظ الله العراق.