إن حقيقة الانسان تنطوي على جنبتين: جنبة مادية وجنبة روحية وهناك روابط وثيقة بين هاتين الجنبتين تؤدي إلى تأثير أحدهما على الآخر سلباً وإيجاباً فالجنبة الروحية والتي يقومها الإيمان بالله والعمل بطاعته والالتزام بمكارم الأخلاق وتطبيق الحدود الشرعية التي جاء بها الإسلام يجب أن تخرج من حيز الاعتقاد النظري إلى العمل والتطبيق حتى تؤتي ثمارها الطيبة وتجني بركاته ونعيمها أعني بذلك أن استقامة العقل والدين والإيمان تتوقف على استقامة الجوارح والاجتهاد في الإخلاص والعمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفض الفساد والانهيار الخلقي واجتناب المحرمات وبخلاف ذلك يفسد العقل والروح والإيمان.. حينذاك سوف تقوى عنده نفسه الأمارة بالسوء وتكون مطية سهلة بيد الشيطان ذلك العدو اللدود فيكون الانسان بين هلكتين وعدوين ينهشان به وهي نفسه التي وصفها علي (عليه السلام) (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) وقال تعالى يصف عداء الشيطان (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً).. فحينما يصل الانسان إلى هذا الانحدار سوف يقع فريسة سهلة بيد أصحاب الدعوات الضالة والمنحرفة من أمثال داعش وغيرها أصحاب المطامع والسيطرة والاحتلال ولو على حساب قتل الابرياء والاعتداء على الأعراض وسرقة الأموال مستخدمين خطط اعتمدوها لإحكام غلبتهم وسيطرتهم منها:
1- نشر الضلالات والفتن بين الناس بهدف زعزعة عقائدهم بدينهم الذي هو مصدر قوتهم وعزتهم موهماً إياهم بشعارات براقة كاذبة تدعو إلى الثقافة والحرية والديمقراطية.. وإن الدين المهم فيه أن يستقر في القلب ولا يشترط فيه التطبيق والعمل لأن الحياة في تطور ويدعون إلى الانفلات الاخلاقي والتمرد على الشريعة وقوانينها... وهكذا شيئاً فشيئاً يؤدي إلى موت المجتمع وفقدان هويته الاسلامية فيكون ظاهراً مسلم وحقيقة كافر.
2- نشر حانات الخمور والملاهي والتشجيع على ارتياد مقاهي الانترنت وتصفح مواقع الفساد والاباحية من أجل تخدير الشعوب واشغالهم بالملذات عن الالتفات إلى القضايا المصيرية وإلى ما يحاك ضد الأمة من مؤامرات واعتداءات.. وهكذا يصبحون لقمة سائغة بيد الأعداء.
3- اخراج المرأة من حجابها واستدراجها في وحل الفساد والاغراء.. فإن المرأة هي أساس صلاح المجتمع وفساده فإن صلحت صلح المجتمع وإن فسدت فسد المجتمع وكما قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
4- نشر ثقافة العلاقة العاطفية والحب بين الرجل والمرأة عن طريق تقديس الحب في المسلسلات والأفلام حتى في القنوات الإسلامية غافلين عن وصايا القرآن بغض البصر لكلا الجنسين والأحاديث التي تقول بحرمة حديث المرأة مع الرجل أكثر من خمس كلمات مما لابد له منها (راجع كتاب العفة رأس كل خير) ولك أن تتصور المجتمع وهو يترنح تحت ضغط العلاقات العاطفية التي تسلبه عقله وحكمته وتجعله تحت سيطرة أهواءه ما أدى إلى كثرة الخيانات الزوجية وحالات الطلاق وتفكك المجتمع وانهيار الأسر وفقدان سيطرة الآباء على الأولاد والبنات والأخوة والأخوات.. فكثرت في المجتمع حالات العلاقات الغير مشروعة والفساد الأخلاقي حيث قال تعالى [فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى] (النازعات).
5- رفض تطبيق حكم الله في الأرض المتمثل بالقانون الجعفري الذي يصحح الأنساب والمواليد والمواريث ويصحح الزواجات والطلاقات والعبادات والطاعات ما يؤدي تطبيقها إلى غلق منافذ الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء وبالتالي تمسك المجتمع بدينه وعقيدته التي هي مصدر عزته وقوته التي يخافها الاستعمار.
6- تمزيق وحدة الصف بزرع الفتن والخلافات والصراعات السياسية والعشائرية والمذهبية والطائفية بغية إضعاف الشعب وبالتالي سهولة السيطرة عليه تحت شعار (فرّق تسد).
7- ابقاء حالة الفقر وتردي الوضع الصحي وانتشار البطالة وتجهيل الناس بإفساد عقائدهم ونقص الخدمات من ماء وكهرباء وسوء الوضع الأمني فذلك يساهم في تحطيم المعنويات وتجميد الطاقات واليأس من تحسين الأوضاع ما يؤدي إلى شل عوامل المواجهة والتحدي إذا هاجم الاعداء.. والحكومة الفاشلة توفر الأرضية الـمساعدة لإيجاد مثل هذه الحالة من الانكسار والهزيمة.
8- تسقيط العلماء وتشويه صورهم من أجل فصلهم عن قواعدهم الشعبية فلا تجد من يسمع فتوى أو موعظة أو أمر شرعي يحث على المواجهة والثبات.
9- وكل هذه الأمور تستطيع أن تتأكد منها في مذكرات الساسة الغربيين في القرون المتأخرة الذين درسوا حالة المسلمين وتوصلوا إلى هذه النقاط التي تمزق المجتمع من أجل استعماره ونهب خيراته ولو تراجع التاريخ تجد أن كل حالة انهيار لمجتمع أو سقوط بيد المحتل هو يرجع إلى الأسباب الآنفة الذكر ومنها سقوط الاندلس بعد أن كانت بيد المسلمين زهاء ألف عام وقام الأعداء بتدميرها وقتل أهلها وذبحهم وسرقة خيراتهم.
الحل السحري لكل الأزمات:
1- الرجوع إلى الله وعمل الطاعات وترك المحرمات، لأن نزول الرحمة الإلهية والنصر مرتبط بما نؤديه من طاعات ونقوم به من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر حيث قال تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء ولكن كفروا فأخذنا بما كانوا يكسبون) وورد في حديث: (إذا تركتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المُنكَر سُلّط عليكم شراركم فتدعون فلا يُستجاب لكم).
2- الالتفاف حول العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
3- الدعاء الجماعي لأئمة الجماعات والجمع في المساجد والحسينيات والاستغاثة بالإمام صاحب الزمان.. فهو الإمام الفعلي الذي يجب معرفته والرجوع إليه واستنصاره وطلب دعاؤه وشفاعته إلى الله تعالى لحل الأزمات حيث ورد في الحديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
4- توحيد الصف وترك الخلافات الطائفية والمذهبية والسياسية والعشائرية وترك الأحقاد جانباً فكل ذلك ينخر بجسد الأمة ويضعفها فإن العدو يستهدف الجميع.
وأخيراً نقول أن المسلّحين من داعش وغيرها لم يستطيعوا الدخول إلا بمساعدة داعش النفس الأمارة بالسوء.
مقالات اخرى للكاتب