" حكمت محكمة جنايات بابل بالسجن سبع سنوات بحق مسؤول في مستشفى الحلة التعليمي لقيامه بسرقة امبولات ومواد طبية من ردهة الأمراض الوبائية في المستشفى . وقال المتحدث باسم السلطة القضائية أن المتهم تمكن من سرقة هذه المواد التي لا تمتلكها إلا المستشفيات الحكومية أثناء خفاراته وقام ببيعها الى صيدليات خارج المستشفى ".خليط من مشاعر البهجة والفرح .. والحزن والاحباط الشديدين انتابتني وانا اقرأ هذا الخبر في احد المواقع الاخبارية المحلية.
الفرح والبهجة متأتيان من شعوري ان هناك سلطة قضائية مازالت تمارس دورها الضبطي والقضائي في ردع الفاسدين والسراق ؛ رغم ضالة وصغر حجم الجريمة ودوافعها ونسبة تضرر المجتمع والدولة من توابعها .. وكذلك من وجود جهاز نزاهة فعال يتابع ويرصد كل حالة مهما كانت صغيرة وكبيرة .. والفرح الاكبر هو ان هذه العقوبة المشددة جداً - كما ارى - ربما ستكون رادعاً اكيداً لمن تسوّل له نفسه التلاعب او المساس بالمال العام مستقبلاً .
واذا ما عرف سبب الفرح والغبطة ؛ فانكم جميعأ ستعرفون سبب حزني واحباطي الشديدين اضافة الى انني فضحت نفسي منذ البدء في اختياري لعنوان هذا المقال .. فهذا الممرض البائس شبيه ببطل النكتة التي مفادها ان مواطناً سرق ليرة واحدة ؛ وابتلعها فكشفتها اجهزة السونار .. في حين ان لصاً محترفاً سرق مليارات الليرات وهرّبها الى البنوك الاجنبية دون ان يطنطن السونار حتى مع نفسه !! وذلك هو المضحك المبكي في القضية .. فالرؤوس والحيتان الكبيرة تسرق علناً وعيني عينك وبصورة شرعية وقانونية دون ان تكشفها سونارات الدولة او المجتمع .. لينعكس الوضع على الغالبية المعدمة : فقراً وبؤساً وعوزاً وفاقة وحرماناً .. ومن يدحض كلامي هذا عليه ان يجيبني : اين ذهبت الموازنات المليارية الانفجارية وكيف صرفت حينما وصل سعر برميل النفط قبل اقل من عام الى 130 دولارا امريكيا ً للبرميل الواحد ؟ وهل ادان القضاء فاسدا او لصاً واحداً ممن لطشوا المليارات وهربوا بها الى خارج الوطن ؟ وهل هناك من هو خلف القضبان حالياً ممن سوّلت له نفسه التجاوز على اموال الشعب بطريقة اللطش المشرّعة حاليا على طريق اباحة التجاوز على المال العام والسائب ؟ وهل سمعتم عن الف دينار .. نعم الف دينار تمكنت الدولة اوالقضاء اوالنزاهة من استرجاعه وايداعه في خزينة الدولة الخاوية ؟.
لقد وقع في الفخ قط هزيل دفع ثمن غبائه .. فيما ما زالت القطط السمان تسرح وتمرح وعلى مراى ومسمع من الجميع وفي تحدٍ واضح لابسط قيم الصدق والعدالة والشرف .. نعم .. لقد علقت سمكة صغيرة في شباك العدالة ذات الثقوب الواسعة ؛ في حين مازالت الحيتان واسماك القرش الكبيرة تسرق وتبتلع حتى لو اختلفت الازمنة وتغيرت المناصب والكراسي ..
وانا اشد على يد القضاء في الاعلان عن هذه القضية البسيطة .. فانني اتمنى ان نسمع ضربات كبيرة قاتلة ومميتة لرؤوس فاسدة من ذوات المليارات والترليونات ؛ والتي هي وبكل تاكيد توازي بل تتفوق على افعال وجرائم الدواعش السفلة المجرمين .. فالسراق والمفسدون امتصوا دماء الشعب العراقي وسرقوا ثرواته وحاضره ومستقبله ؛ والدواعش الانذال استباحوا الارض والارواح بفكرهم الظلامي المنحرف ..
اتمنى ان تتمكن اجهزة الدولة من استعادة ما يمكن استعادته من هذه الترليونات التي يعرف الجميع ( حق المعرفة ) من سرّبها وهرّبها ؟ والى اين ؟ ومتى ؟ وباية طريقة ؟ .. واتمنى مخلصاً ان لا ينطبق على قضية الممرض هذا وغيرها من الحالات الاخرى مثلي الذي ذهب عنواناً للمقال !.
مقالات اخرى للكاتب