إن المتابع للإحداث السياسية العراقية منذ لحظة الانسحاب الأمريكي من العراق ، يتبين له بأن تلك الإحداث كانت ومازالت أكثر تعقيداً نظرا للقضايا السياسية المتسارعة التي تساعد على احتقان المشهد السياسي المتحرك بين غرف السياسيين, ورغم الأداء السياسي المتعثر وضعف الأداء الخدمي إلا أن السلطات الثلاثة في العراق باتت غير مؤهلة جدياً في النهوض بالواقع المرير. والسبب يعود إلى أصل البناء الخاطئ في النظام السياسي الجديد, الذي ساهم الاحتلال الأمريكي بقيامه على أسس طائفية وقومية ومناطقي. فضلاً عن تهميش الكفاءات والطاقات العراقية التي تساعد جدياً في بناء العراق حسب مفهوم الدولة المدنية الجديدة. ولكن يبدو ان القوات الأمريكية حسبت المسائل السياسية بشكل دقيق وزرعت المفخخات السياسية بصورة يصعب على الآخر تفكيكها, وإن أستطاع سيكون الثمن غالياً.
والتجربة السياسية في العراق الجديد اعتمدت على مبدأ المحاصصة والمشاركة في بناءها السياسي وعلى الترضية والصفقات السياسية في التعاطي مع القرارات أكثر مما تعتمد على الدستور والأنظمة القانونية التي تضمن حقوق الآخرين, وتنظم العلاقة بين المكونات السياسية والإدارية. وهذا البناء السياسي الهش يراد به التأزم المزمن والمستديم للمشهد السياسي, على أن لا ينهض العراق كدولة مهمة ورائدة في المنطقة العربية سياسياً وعسكرياً. وهذا السيناريو هو واقع رسمت ملامحه دول الجوار الإقليمي العراقي على مائدة البيت الأبيض. وقد ساعد على تنفيذه عدة عوامل داخلية منها سياسية واجتماعية ودينية وإعلامية, فضلا عن ضعف الشخصية السياسية العراقية التي تريد الوصول للسلطة والثأر بها على مبدأ ميكيافلي "الغاية تبرر الوسيلة".
ولا يخفى على الإنسان العراقي أن أغلب القوى السياسية تتعاطى بشكل علني وسري مع دول خارجية إقليمية وأجنبية تمثل أجندات داخل العراق لتنفيذ سياساتها, وللأسف شكلت تلك القوى والأحزاب واجهات سياسية مصبوغة بصبغات طائفية وقومية, وهي لا تمثل الحد الأدنى من الحس الوطني العراقي ولا تكترث بالدم العراقي ولا بهموم المواطن ومقدراته وثوابته الوطنية. فالمراقب السياسي للشأن العراقي يتوقع بشكل جلي أن المشهد العراقي يخضع إلى متغيرات دراماتيكية تعتمد التناحر أساساً وركناً في التعاطي مع كل الإشكالات التي تعترض العملية السياسية. وما نراه من تحديات سياسية وأحداث متسارعة هي غيض من فيض في المشهد السياسي والأمني المتزاحم بالإحداث والمتدافع بالاتهامات والتشكيك والتسقيط لكل طرف داخل أطار السلطات السياسية الحاكمة.
وهنا نود الإشارة الى أن المفهوم الخاطئ للبناء السياسي للدولة العراقية بجميع سلطاتها لا يمكن أن ينتج للعراقيين دولة مدنية تتخذ القانون سيادة عليا ودستوراً لها, لان البناء السياسي لأي نظام جديد يتخذ من المبادئ المدنية شعار له ويعتمد على مفردات حقوق الإنسان في بنود الدستور ولم يسلم بها في التعاطي مع جميع قضايا المجتمع السياسية والأمنية ولم يعتمدها الساسة في السلوك السياسي تعتبر تلك المفردات ثرثرة فوق الورق ونفاق سياسي وتسويف لعقول الجماهير.