العراق تايمز - كتب المقداد: كم يتمنى البعض ان ينبروا الى أنفسهم من اجل فك قيود النهى المعطلة، والقلوب المغلفة التي لم تبرح الاستماثة في الدفاع عن معتقدات باطلة اشار الها من يحملون هم الامة بالبنان ليتقوها ولكن الامر كان كمن يحرث في البحر او كمن يسعى عبثا للامساك بخيط دخان.
وان من دواعي الاستغراب والحيرة ان يدبر الاغلبية الساحقة من الناس عن الحق فيهملوه فتجدهم يسارعون لاهل الباطل مذعنين، او تجدهم لقمة سائغة في بلعوم من يضحكون على الناس باسم الدين والدين منهم براء الى يوم يبعثون.
ولم يكن غريبا ان نجد فريقا واحدا من الناس حصنوا انفسهم عن زيغ الهوى باستحكام العقل وترك الاعتقادات العاطفية جانبا وادركوا ان طريق الحق لن يستنير الا باستنهاض الامة وتوعيتها وارشادها وايضا لتنبيهها ممن يتربصون بمصالحها من شياطين الجن والانس ولو كان ذلك على حساب حياتها ودماءها، كالشهيد الصدر الثاني الذي كان يلبس كفنه ويقود مسيرة الوعي من خلال خطب الجمعة التي كانت تعتبر مدرسة للامة.
لقد اقدم سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي الذي اطل علينا قبل ايام من خلال برنامج "حديث الروح" من على قناة النعيم الفضائية بموضوع يلهب العقول فكان حديثا للروح والعقل والجسد معا، لان هذا الرجل ابى الا ان يتقفى طريق معلمه وملهمه السيد الشهيد الصدر الثاني الذي اتخذ من الشجاعة والبسالة في المواقف اقرانا لم يدبر عنهم ابدا الى ان وارت روحه الطاهرة الثرى.
لقد كانت الحلقة بعنوان (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه .. انقياد الناس لغير المؤهلين للمرجعية والقيادة نموذجاً) وجه منها سماحته رسالة واضحة لعلها وصلت سريعة الى اصحاب العقول النيرة، عندما كان يوضح للناس كيف استطاع ابليس اللعين اغواء الناس واضعافهم وراء غرائزهم واهوائهم علما ان ابليس ضعيف لا يعلم الغيب وما يخفى و ليس له على الناس من سلطان سوى الدعوة الى المعصية وثني المؤمنين عن بلوغ رضا الله تبارك وتعالى الذي حرم ابليس منه بسبب تكبره وجشعه وهو ما حدا بإبليس الرجيم بممارسة الإغواء والتطمين والتهوين من الأمر حتى يقارف الذنب والمعصية لقوله تبارك وتعالى: [قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ] (الحجر: 3-40). وفي دعاء للإمام السجاد (عليه السلام): (فلولا أن الشيطان يختدعهم عن طاعتك ما عصاك عاصٍ، ولولا أنه صوَّر لهم الباطل في مثال الحق ما ضلَّ عن طريقك ضال).
وقد حاول اليعقوبي باسقاط هذا الاية [ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين] عن المنهج الذي اختارته احدى الحوزات والتي قال المرجع اليعقوبي: انها تقاعست وتكاسلت عن اداء واجبها في توعية الناس والخروج اليهم والامساك بيدهم قصد ارشاهدهم الى الصلاح، وعزا اليعقوبي ذلك الى افتقراها للغيرة عن الاسلام والمسلمين والا لن يهنا لها بال ولن يرق لها حال وهي ترى اموال اليتامى والثمالى تنهب يمينا وشمالا ودماء الابرياء تسفك ليلا نهارا. فكانت الامة قلادة واحدة فانفرطت يمنة ويسرى حتى اصبحنا اهون على الله من الجعلان، وكل هذا يسر ابليس اللعين لانه يفرح بامة يخلد قادتها ومراجعها في نوم وسبات عميق.
صحيح ان المرجع الشيخ محمد اليعقوبي لم يسمي هذه الحوزة بالاسم ولكنه حاول ان يشير اليها من خلال المنهج الذي تبنته حتى اصبحت حوزة ساكتة لا تستطيع ان تقيم عدلا ولا تنصر مظلوما وهذا هو الظلم بعينه، لان كل امة من حقها ان تنعم بقادة ومرجعيات دينية تخرج اليها لتدلها الطريق وتذلل لها صعاب الحياة لان المنطق يقول أعطني عدلاً .. وخذ مني إعتدالا !.
الشيخ محمد اليعقوبي ابدى استغرابه من غيض اتباع الحوزة الساكتة لتسميتها بهذا الاسم من طرف الشهيد الصدر الثاني وخليفته اليعقوبي وهي نفسها - اي الحوزة الساكتة - التي اختارت هذا المنهج في السكوت والانزواء بعيدا عن المجتمع والناس وآلامهم، فكيف تغضب من امر فيها ويصنفها عن غيرها.
وان من بين النتائج السلبية الوخيمة التي افرزتها الحوزة الساكتة عند ابتعادها عن الناس هو تردي اخلاقهم واندحار سلوكياتهم وانحدارها الى الحضيض، فاصبح السب والشتم والقذف والبهتان اسلوبا يميز اتباعها حتى ظنوا انه اسلوب من اساليب التفوق على الاخر والانتصار عليه علما ان الله تبارك وتعالى عندما خاطب نبيه الاكرم صلي الله عليه وعلى اله وسلم قال له "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
وقد قال الشاعر: وإذا أُصيبَ القومُ في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا !! ولكن اتباع هذا النوع من الحوزات الساكتة جهلوا انهم بذلك يسيئون الى المرجعية كلها لقول المرجع الشيح محمد اليعقوبي ان كل ذلك يمثل راس المؤسسة ويمثل راس الهرم، كما جهلوا ان السيد الشهيد الصدر الثاني عندما سماها بالحوزة الساكتة فذلك ليس لعداء شخصي ولا كرها منه بل كان يصف حقيقة ساطعة دون التواء او نفاق، والحوزة الساكتة معروفة الاختصاص فهي لا تهتم الا لاربع نشاطات فقط وفقط وهي: استلام الخمس والاستخارة، والاهتمام بفقه الحيض والنفاس والنكاح، والدرس إن وجد، ولكن الله عز وجل قال في كتابه العزيز "وان اكثرهم للحق كارهون".