لم اعتاد الكتابة في الامور التي لها علاقة بالجانب الفقهي او الديني كونها بعيدة عن تخصصي ولكن موقفا حضرته اجبرني على ان اكتب هذا المقال حيث شاهدت وانا في طريق العودة لمنزلي اطفالا يهرعون هاربين من احد المساجد ومن خلفهم حارس المسجد العسكري وهو يتوعدهم بالضرب اذا ما عادوا
فانتابني الفضول فقلت له ماذا فعل هؤلاء .؟ قال يتحركون ويعبثون داخل المسجد قلت وهل يصح طردهم قال نعم فالحديث الشريف يقول جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم..
ازعجني منظر الاطفال وهم هاربون خائفون من بطش الحارس وازعجني اكثر ان الحارس يستند لدليلا شرعيا
فسالت نفسي لو ان هذا معبدا يهوديا او بوذيا هل كان للقائمين عليه ان يفعلوا هكذا فعل؟
ثم هل فعلا ان الشريعة السمحاء ..تسمح بمعاملة الاطفال بهذه الصورة ؟
فبحثت في المراجع فوجدت العكس تماما فقد ثبت عدم صحة الحديث القائل : "جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم"، فهذا الحديث ضعيف عند العلماء ولا يصح الاستدلال به، قال البزار: لا أصل له، و ضعفه الحافظ ابن حجر وابن الجوزي والمنذري والهيثمي وغيرهم.
فمن المعلوم ان من الأدوار المهمة التي يؤديها المسجد انه مركزا للأعمال الدينية والسياسية والعسكرية والتعليمية والقضائية والثقاقية بالاضافة للتربوية .
الاطفال هم لبنات المجتمع التي من المفروض الاهتمام بها وتقديمها في الاولويات
وهذا بعض من هدي النبوة في احتضان المساجد للاطفال والصبيان
1. فقد فرض على المصلين تحمل الخروج عما اعتادوا عليه من الصلاة من توقيتات في السجود خشية خدش مشاعر طفل لم يتجاوز الاربعة سنوات ركب على ظهر امامهم علما انه لم ينزله من ظهره بل نزل الطفل حتى اتم رغبته ...والمصلين ساجدين
فعن شداد رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد سجدة أطالها! قال: فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد! فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك.
قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته" (رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي).
2. قطع الخطبة واشغال المصلين وتاخيرهم من اجل ان لا يتاذى طفل يقوم ويقعد
فعن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر، ثم قال: "صدق الله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين فلم أصبر"، ثم أخذ في الخطبة (رواه أبو داود).
3. حضور الاطفال الصلوات في المسجد ونومهم فيه
فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي بِصَلاَةِ الْعِشَاءِ وَهِىَ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ ، فَلَمْ يَخْرُجْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ حِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ : " مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ " ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ فِي النَّاسِ " [ متفق عليه واللفظ لمسلم ] .
4. حمل الامام الاطفال اثناء الصلاة حفاضا على مشاعرهم على طول الصلاة يرفعه على صدره ويضعه عدة مرات وهو متغيير في المعتاد من الصلاة من اجل طفلة
فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ _ يعني والد أمامة _ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا " [ متفق عليه ] .
.
5. ادخال الاطفال الرضع في المساجد ...لاحظ ان الصحابة لم يحتجوا على المراة لتركها ابنها يبكي رغم انها صلاة فجر وليست جمعة وللتذكير فان النساء يصلين خلف الرجال في ذلك الزمان وليس في مصل اخر
ففي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم: جوّز ذات يوم في الفجر -أي خفف- فقيل: يا رسول الله، لم جوزت؟! قال: "سمعت بكاء صبي فظننت أن أمه معنا تصلي فأردت أن أفرغ له أمه" (رواه أحمد بإسناد صحيح).
6. ادخال الاطفال الى المسجد وتركهم يلعبون ويعبثون بينهم
فعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه" فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار (رواه مسلم)،
وبهذا دعوة لمصلي المساجد ان يهتدوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فلوا حصل أن بعض الأطفال شوشوا على المصلين في المسجد بالبكاء اوالصياح اواللعب
فلا ينبغي أن يثير ذلك المصلين فيحتجون على الطفل اوعلى أبيه أو أمه، وقد يشوشون بذلك الاحتجاج أكثر من تشويش الطفل!!
حتى قال بعض العلماء : " إذا جاء الصبي مبكراً وتقدم وصار في الصف الأول فإن القول الراجح أنه لا يقام من مكانه
وشتان بين صبي نشأ في المسجد ويفتتح يومه بتلاوة القرآن والصلاة ، وبين صبي ينشأ خارج المسجد يستقبل يومه ويودعه بسماع الموسيقى ومشاهدة الفضائيات .
وقد قال الله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ البقرة114 ] .
مقالات اخرى للكاتب