يعتقد الكثير من المحللين والمتابعين للشأن السياسي العراقي , أنّ إرادات وأهداف ومصالح دولية وعربية تلعب دورا كبيرا في الأحداث الجارية في العراق , وهذا صحيح إلى حد كبير , فالعراق ليس بمعزل عمّا يدور حوله من صراعات وتجاذبات سياسية مرتبطة بمصالح دولية مختلفة , لكنّ هذه الاهداف والمصالح لا يمكن أن تجد طريقها للتأثير دون وجود العامل الداخلي المتمّثل في استعداد القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة بتنفيذ هذه الأهداف والمصالح .
وقد لعب الاحتلال الأمريكي دورا كبيرا في فرز هذا الواقع الذي نعيشه الآن , فالقوى السياسية التي تحكم بقبضتها على مقاليد السلطة , ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه , لولا الدور الكبير الذي لعبه الاحتلال في وضع أسس ما يسمى بالعملية السياسية , فهذا الاحتلال هو الذي أرسى قواعد هذه العملية السياسية , وهو الذي أرسى مبدأ المحاصصات الطائفية والقومية كأساس يقوم عليه الحكم في العراق .
ومنذ اللحظة الأولى التي قبلت بها القوى السياسية العراقية مبدأ المحاصصات الطائفية والقومية , بدأت قصة الفساد المؤسسي في العراق , وهذا لا يعني أنّ النظام الديكتاتوري الدموي السابق كان نظاما صالحا وغير فاسدا , لكنّ فساد هذا النظام كان محصورا بالرئيس وأبنائه وعائلته وعصابته الحاكمة , أما الفساد الذي نعيشه اليوم في ظل هذه العملية السياسية القبيحة , هو فساد آخر لم يشهد له التاريخ مثيلا , فمؤسسة الفساد في العراق أصبحت تضرب بجذورها في كل جزء من مؤسسات الدولة العراقية ووزاراتها , بل اصبحت هذه المؤسسة ( أي مؤسسة الفساد ) أقوى من كل مؤسسات الدولة العراقية , فهذه المؤسسة هي الحكومة وهي البرلمان وهي القضاء وهي الأحزاب السياسية الحاكمة .
ولا بدّ للشعب العراقي أن يعي هذه الحقيقة , فالإصلاح المنشود لهذا الواقع الفاسد لا يمكن ان يمرّ من خلال هذه الاحزاب السياسية الحاكمة الآن , فهذه الأحزاب وهؤلاء الحاكمون هم الفساد بعينه , وهم من يشرعن لهذا الفساد , فمهمة التغيير والإصلاح الحقيقي تبدأ من خلال الانتفاض على هذا الواقع الفاسد , وإزاحة هذه الأحزاب الحاكمة الفاسدة , ولا أضن أنّ الشعب العراقي بحاجة بعد الآن لأدلة إضافية على فساد المؤسسة الحاكمة خصوصا بعد حديث رئيس الوزراء عن أبنه السوبرمان ( حمودي ) .
فالتغيير يبدأ بنا أولا نحن جماير الشعب المحرومة والمهمشة , فمن الإجحاف والكفر أن نعطي أصواتنا مرة أخرى لهذه العصابة الحاكمة تحت أي مسمى , فقد آن الأوان أن نقف وقفة حقيقية مع أنفسنا وضمائرنا , وأن نبرأ ذمننا من المسؤولية الشرعية والأخلاقية الملقاة على عاتقنا , وذلك من خلال رفض هذه الأحزاب الفاسدة وهؤلاء الحاكمون الفاسدون جميعا , والتوّجه نحو انتخاب القوى المخلصة والشريفة والنزيهة من أبناء شعبنا , ولا اعتقد أنّ هنالك اشرف وأنزه وأخلص من التيّار الوطني الديمقراطي الناشي , فهذا التيّار بحاجة لدعم والتفاف كل عراقي شريف ومخلص لوطنه وشعبه , يريد العزّة والرفاه والتقدم لبلده , إدعموا أيها العراقيون أبناء هذا التيّار فهم الفتيّة التي آمنت بربها وشعبها , فلا تخذلوهم لتحلّ عليكم اللعنة .